Monday, 26 November 2018


بسم الله الرحمن الرحيم، ونصلي ونسلم علي المبعوث رحمة للعالمين، وعلي آله وصحبه أجمعين
 
المدرسة الإبتدائية بين تحريم الأجداد ومخاطر المستجدات
مقارنة ما بين 
دور العملية التعليمية بين المدرسة والخلوة وأثرهما في التنشئة - السودان أنموذجا 
إستصحابا لقوله تعالي: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

 
إعداد/ عبد الرازق أنقابو أحمد 

أولا - المقـدمـــة:
الناظر إلي عملية التربية المدرسية عموما وما ينتج عنها، وبعيدا عن المقارنة ما بين أجيال الستينيات أو السبعينيات أو حتي الثمانينيات من القرن الماضي وأجيال الحاضر، لابد من أن يقف حائرا فيما يري لما آل إليه الحال الآن!. فما إستطرأ وطال المحيطين العربي والإسلامي من تداخلات ثقافية وتحديات وتوجهات سياسية مفروضة، ومع كثرة وتعدد دور المعرفة فيهما ووفرة التربويات ووسائل التعلم، إلا أن ذلك كله قد أفرز واقعا مقلوبا ’علي علم!‘ نجد فيه أطفالا فطامهم المسلسلات، وصبية رضاؤهم الملهيات، وشباب طموحهم الدنيويات، وولاة أمر خشيتهم ما يغضب إله الديمقراطية الآمر بالتحررات ورسول البيروقراطية المبشر بالشهوات - فهل التعليم من ذلك براء، في السودان أو في غيره من بلدان المسلمين!

وبنظرة أشمل حول هذا الموضوع المهم - إحاطة بما هو ذي صلة به، يجدر بنا التطرق لمثالين إثنين نري أنهما بالضرورة بمكان إستعراضهما ربطا وإثراءا للموضوع، وهما ما بدر من السياسة الأمريكية عهد الرئيس بوش الإبن وما يدور الآن في نيجريا، ولاية برنو من تنظيم ما يسمي بـ بوكو حرام!. فالأول نورده كمقتطف من فقرات خاصة بالعالم العربي والاسلامي من خطاب ألقاه هذا الرئيس حول السياسة الأمريكية الخارجية أمام الكونغرس يوم 29/1/2003م - بالنص الآتي:

(إنني فخور لأبلغكم، لقد حان الوقت ليعاد تشكيل العالم ليصبح علي صورتنا، وبفضل (إلهنا) سنقوم نحن شعوب العالم المتحضر من الجنس الأبيض بفرض معتقداتنا الرزينة والتحررية علي عالم جائع لأموالنا ورسالتنا. ويسرني أن أبلغلكم أيضا أن النساء الأفغانيات تخلصن من براقعهن إلي الأبد، وأن الفتيات الأفغانيات رجعن إلي مدارسهن ليطالعن كيف طفرنا بالغرب الأمريكي. وأن رمز الحضارة والثقافة الأكثر أهمية وهو التلفزيون – أعاد الحياة للأفغان وهم سعداء بذلك. وسنستمر علي ذات المنهج حتي يصبح كل عربي ومسلم مجردا من اللحي وحليق الوجه وغير متدين ومحب لأمريكا. ومن الآن فصاعدا، يحق للعامل العربي والمسلم تناول الخمر والتدخين وممارسة الجنس ومشاهدة الأفلام والأشرطة الخليعة داخل غرف نومهم أو فنادقهم. وبذلك إنني أكون قد حافظت علي إرث امريكا وآل بوش في محاربة العرب والمسلمين) –إنتهي. وهنا في ذات السياق، نتذكر هجمات تلكم الطائرات الأمريكية دون طيار حول الشريط المتداخل ما بين باكستان وأفغانستان والتي طالت حتي المدارس القرآنية –تاركة وراءها الدمار وعدد من الضحايا بين قتيل وجريح. وتشير آخر التقارير الواردة في هذا الصدد أن جملة إصابات هذه الطائرات قد بلغ 4,700 قتيلا ممن هم علي صلة بالأرهاب، بصورة مباشرة أو غيرها علي شاكلة إستهداف المدارس القرآنية هذه!.

المثال الثاني –بوكو حرام؛ وهي مأخوذة عن كلمة "بوكويBuk-wo’ye " بلغة الهوسا وتعني سبعة، وإصطلاحا أي التعليم المدرسي من السنة الأولي إلي السنة السابعة تحت المنهج الغربي حرام!. وهي علي ما يبدو محاولة إستباقية من أعداء الإسلام الذين يأتون لبلاد المسلمين تحت ذرائع أخري لدراسة المجتمع المسلم من ثلاثة أوجه؛ معرفة بواطن الخلل ومكامن القوة ومطامح المستقبل فيه، ومن ثم بناءا عليها يقوموا بزرع ما يناسب من فتنة في المجتمع المستهدف. فبوكو حرام واحدة من هذه الثلاثة والتي تلتقي مع ما نتناول في هذا الموضوع في مسألة "المدرسة الإبتدائية" التي نناصر تحويلها كمطلب وفقا لما بينا في هذا البحث إلي خلوة ولكن ليس محاربتها وقتال من يقف ورائها بقوة السلاح كما يفعل هذا التنظيم. فبوكو حرام نيجريا تحولت اليوم إلي ظاهرة تهديد أمني في نايجريا حتي يقال أن قطاع الطرق من أئمة السطو لهم بوكو حرام، والسياسيون الفاشلون في الإنتخابات ولهم نية تصفية منافسيهم أيضا لهم بوكو حرام، وكذلك حتي المسيحيون لهم أيضا بوكو حرامهم، إلي جانب بوكو حرام الحقيقية. فالأخيرة هذه برغم ما تحمل من نداء قاله الأجداد منذ دخول الإستعمار، إلا أنها في نيجريا قد وقعت في الفخ المراد لها بمجرد إستخدامها السلاح لتتحول إلي تنظيم إجرامي دون التنبه لغفلتهم بما ضرب عليم من أمر لتشويه الإسلام وخلق البلبلة في بلاد المسلمين. فهم الفئة المستحلي الإيقاع بها من أعداء الله - من الوهابية وما تحدر منهم - بسبب سهولة تصيدهم من مجاهرتهم بميزة تميزهم كفرقة ناجية، ليتسلوا بهم تارة حربا وضربا وتارة تربيتا ومساندة لبعض منهم كما نري الآن في الساحة العربية والإسلامية ككل ما يجري بسببهم من فتنة وقتل وإضطراب!.

فالرابط بين المثالين الأول والثاني التي أوردنا أعلاه، هو أن بوكو حرام أصبحت تخدم أجندة الأول –الغرب العلماني، لوأد وتشويه كل ما من شأنه العود بالمسلمين إلي سابق عهدهم وقوتهم وصديقيتهم، وهو ما تنبهنا إليه في هذا الإستعراض وقمنا بتشخيص مكمن الخلل فيه وتبيين ذلك بأكثر من وجه، من خلال إختيارنا للحالة في السودان كأنموذج وكبلد مسلم تضرب فيه الفتن والمحن بكافة أشكالها تماما كما نيجريا في مبتلياتها الآن –نسأل الله لها وللسودان أن يبراء عاجلا مما حل بهما.

ثانيا - مكمـن الخــلل – تشخيص أولي:
وبتصور عام، فإننا كأفراد متوقع منا الترقي في مطالب الحياة، وما السبيل إلي ذلك إلا المنهج التعليمي الذي يبدأ بتعليم رياض الأطفال حتي المرحلة الثانوية كبداية لتحقيق الذات وبناء المستقبل. ولأنه لا مطمع في النهايات إلا بصحيح البدايات، فإنه في تقديرنا -إن كان من علة، فإن العلة لتكمن في البداية –أي صحة الإنطلاقة!. ونري أنه من حيث مشارب التربية والأخلاق، نجد أن الشباب اليوم ينقسم فيها إلي إثنين –شباب نشأوا علي التربية المدرسية وآخرون أقل عددا وأكثر تضاؤلا نشأوا علي التربية الروحية للخلاوي، مع ملاحظة أن هناك فئة ثالثة ترحل إلي المدينة من أهل البادية و سكان الريف –يكونون ضحايا للفوارق المعرفية وسلبيات الإندماج الحضري. فالأولي –أي المدرسة، لسنا علي عهد بها حتي جاء بها المستعمر إلينا، والثانية –أي الخلوة، موروث ثقافي خاص بحضارة المسلمين دون سواهم من بزوغ الإسلام وإلي الآن. وبالنظر إلي فائدة المسلمين من بين هذين المشربين في مسألة الأخذ بيد الأمة لما يصلحها ويعزها، نجد أن المقارنة بين المدرسة والخلوة في هذا الأمر لتنتفي في أيها كان أنفع للأمة –فلاحا وقوة. ففي جانب فائدة المدرسة وقد أفسح لها المجال آخـذة الـريادة في "تطـوير" الأمة ومواكبتها، فإن الناتج الآن جبن ونوم وكسل وفشل متواصل، وإنحلال وتواكل وتآكل وفي فترة لم تتجاوز حتي المائة عام!. وبصورة أخري، ليسأل كل واحد منا نفسه بصدق - أيهما أعز اليوم، مسلمو عهد صلاح الين الأيوبي أم مسلمو اليوم الأكثر حظا والأوفر أموالا. وبصدق آخر تبرئة للذمة، نقول أن ما حل بنا هو نتاج المدرسة، فماذا يحل بنا أن تركنا الأمر علي علاته لمائة عام أخري!. عليه، نري أن الأمر في تقديرنا متراكب، ويرجع أولا إلي علة مصدرية المدرسة، ومستوي نظرة وحظوة الدين عندها، وغاية تنافسيتها كمجال للفخر والعجب (المماراة والمراءاة!).

ثالثا - الكفاية التعليمية بين طلب المعــرفة وتوجهـات الــدولة:
من توجهات الدولة الإسلامية، هي الأخذ بأولوية بناء النفس المسلمة بالعلم النافع الذي به تتبع طريق الحق وتهتدي إلي الصراط المستقيم، إلي حيث الإلمام بداية بفقه الضرورة ومعرفة أحكام تجهيز الميت وصلاته، والعمل بمشروطية معرفة الحكم قبل الشروع في القول والعمل، ومعرفة صنعة شريفة أو فن دنيوي مشروع يقيها شرور العطالة ومسوءة سؤال الناس - مساهمة به - بالإنفاق أو الإنتاج أو الإبتكار أمة محمد صلي الله عليه وسلم في أمر دعوتها وجهادها أو رخائها وإزدهارها. وهنا –أي في إتجاه توجهات الدولة الإسلامية، أن تكن من أولوياتها أيضا إشتمال الجميع بعملية تعليمية متوازنة، يكن طابعها العام التركيز في التربية الدينية لإقامة مجتمع عارف وعابد، غيور لدينه محب لوطنه، وشعاره التقوي في الحل والترحال، لأجل ألا نجد بين المجتمع شرائح متعلمة من مشارب متنافية، أو أخري جاهلة وأخري أمية إبعادا لعملية التهيمن "إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان" وإزالة لمفاهيم الإقصاء "الطبقية السالبة والمفاوتة بين الناس" حتي نلقي الله ونحن علي شيئ من الرضا النفسي!.

وبالوقوف علي واقع العملية التعليمية بالسودان ومستوي الإقبال عليها، يلاحظ أن المسألة قد وصلت حد الخطر بتفاقم الفاقد التربوي بالبلاد؛ وذلك – أولا أن الإهتمام بالتعليم لم يعد بذات الأهمية عندما كانت السلطات تغصب الأسر وتجبرهم قانونا علي إدخال أبنائهم هذه المدارس، ثانيا إهمال الدولة للمدرس -العمود الفقري للعملية التعليمية، إنعكس سلبا علي مستوي التلاميذ وهبط بسمعة المدارس الحكومية لدرجة الترك، ثالثا إختفاء الداخليات وظهور تعليم المدارس الخاصة وتمدده في المدن، حول العملية التعليمية برمتها إلي إستثمار عجزت غالبية الأسر عن أخذ أبنائها إليه، وما يدفع منهم إلي المدارس العامة فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار. أما في جانب التعليم الديني الحكومي، فتكفي الإشارة إليه كأمر جعل في أسفل الإهتمامات رسميا وشعبيا، إلي جانب كونه الأفقر بين سائر مؤسسات الدولة ومرافقها تخصيصا وتأثيثا. وأما في شأن الخلوة، فإنها خارج التخطيط وخارج  ميزانية الدولة –ولا ضرر ولا ضرار!. فهذه هي أحوال التعليم الديني عموما، وتلك هي حال المدرسة التي عجزت الدولة حتي من الإيفاء بمستحقات معلميها وعدم إستثنائهم وإعطائهم الأولوية في صرف رواتبهم شهرا بشهر. فبوادر إنهيار التعليم العام دقت أجراسها - هل من مستمع!، وبشائر إنتشار التعليم الغير حكومي وما يلحق به من تعليم علي النفقة الخاصة هي البديل لذوي اليسار- لا فقير منقطع! والنتيجة إجمالا، بروز شباب موسرين مشتغلين، وإفراز آخرين أكثرية معوزين عاطلين، ترسيخا للطبقية وتمكينا لما هو متمكن من المتمكنين!، في بلد أحوج ما يكون أهله للتسامح والتآلف والإخاء، حتي يشد بعضهم بعضا دونما إنتقاء، محاربة لبطر الهيمنة والإستقصاء، وأذي مغالبة النفس بين الإباء والإستجداء، مخافة لله وإستحياء، ولكن هيهات هيهات - لمن النداء، والخلوة من كل ذلك براء براء!.

وبغض النظر عن دور الحكومات الإسلامية وقصورها الملاحظ في الإهتمام بالتعليم عموما، وخاصة في الزج بالجميع للتعلم كما هو متفاقم الآن في سائر السودان وأطرافه علي أوسع وجه بالتحديد، فإن المجتمع بل الأفراد منوط بهم أخذ أبنائهم للخلاوي، ولا نقول للمدارس لإخراجهم من دائرة الجهل تبرئة لمسؤوليتهم في الآخرة. وجاء في الشرع أن من لم يطلب العلم النافع كما عرفنا أعلاه، أنه ليس له من مفر وليس له من سبيل للعذر بالجهل في الآخرة وأرض الله تعمر بالخلاوي والفقهاء، وحلقات المساجد، والشرع فوق ذلك يأمر بالعلم - الحديث: (طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة)، و(أطلبوا العلم من المهد الي اللحد). وأخذا بالواقع المدرسي حيث تكون باكورة عمر المسلم ومقتبل شبابه الأنسب للتعلم – يتبادر السؤال نحو الكفاية بما يؤخذ ليس عن الأب تقليداً، وإنما عن المدرسة مطالعة – لتبرئة الذمة في صلاح النفس في الحياة وفلاحها بالفوز في الآخرة – حيث عبر هذه المدرسة يتعلم معظم هؤلاء أهل المدن وقد إكتفوا شيبهم وشبابهم بما يرشدهم في أمر دينهم وتعاملهم بما تلقونه في المنهج التعليمي - الذي لاغبار عليه!.

ففي قرارة النفس - إن وضعنا الآخرة نصب عينينا، فإن النظرة لا بد من أن تأخذ بنا نحو الخلوة –ولم لا!، وهي الأبرك وهي التي لا بديل عنها في التزكية وغرسها في النفوس منذ الصغر. فما نجد في الخلوة من تلقين بالإتباع والتواتر، يقابله في المدرسة منهج منقطع محجوب بالسواتر، تنقصه المباركة ونفحات التخاطر، ومطالعة تكسب التلميذ وصية تحيده - أن كتابه سيده، بلا بصيرة ولا محبة تؤيده!. فأي كفاية نحصل ودروسنا لأجل شهادة نحرز ونشتهر، لا لآخرة نستغفر وننتظر!. ومرة أخري تلك هي المدرسة التي حتي شرط في دخولها المرور بما يعرف بتعليم رياض الأطفال وما أدراك ما هو – حيث يتباهى الآباء قبل الأبناء بقولهم "أنا إبني في الروضة الفلانية!"، وإستفتاءا للقلب في هذه الروضة - ليس لكونها في الأصل تقليدا عن أهل الفكر! - لماذ نصر مغرورين بها ونعلم يقينا وزراء تربية وآباء، أن الخير كل الخير في الخلوة الكتاتيب التي بدلناها بها، أم فات علينا أن ما يعود به الإبن من كلام لا يغني ولا يذر من هذه الروضة أرفع درجة من شرف تحفيظه شيئا من القرآن الكريم!.

فالواقع يطلعنا علي حقيقة أننا ما زلنا دون مستوي حد الكفاية التعليمية، حيث أن الدين عندنا مجرد شعارات ترفع، ولم تعد بيننا للعلم طبول تقرع، وقد بعدت أبناؤنا عن الجوامع وحلقات العلم إلي جهالة تترع رع!.

رابعا - الواقع والنتائج المعاشة:
فما تجدر الإشارة إليه – لفتا للنظر لجهات الإختصاص، هو أن الطريقة والأهداف التي ينشؤ اليوم عليها تلميذ المدرسة منذ باكورة تعليمه في سائر السودان، نجدها جميعها تدور وتنحصر عمليا حول الإهتمام بكيفية تعريف الطفل فنون إحراز النجاح في المواد التي يدرس، فأصبحت سلوك التلاميذ مع ما لهذه التنشئة من إنعكاسات مهيأة للتعامل مع هذه المواد بطريقة إستهلاكية آنية، وهي المحصلة التي تتنافي والأهداف الرسالية الدينية التي بها يلتزم المعلم مبدأ الأمانة ومباشرة مهنية الإتقان، وبها يتعود الطفل مواقف الصدق ومعرفة دلائل الإيمان!. وتتمثل تلك الإنعكاسات في نقطتين؛ الأولي حيث يصف المتعلم طالبا كان أوتلميذا دراسته بكل يأس، فقدان ثقة، وإنعدام طموح بأنها قراية تجارية!، والثانية تفشي ظاهرة الغش في طرفي العملية التعليمية في كل المراحل حتي أن كثيرا من الطلبة يعولوا عليها بل ويتظاهرون أحيانا كثيرة عند الحرمان منها والمتمثلة في البخرة أو كما يقال ’زاد المجاهد‘!. من نتائج هذه الظاهرة فصل كثير من الطلبة وطرد العديد من الأساتذة المتورطين فيها.

وبتعهدنا للمدرسة وإعتمادنا عليها في تربية وتعليم ذلكم التلميذ وقد خصصت له مدة ليست بالقصيرة في مرحلته الباكرة الأساس، فإنه يمنح بعدها شهادة في تلك المواد التي يدرس وأنه قد تعامل معها بطريقة آنية كما أشرنا –تأتي بدورها –أي هذه الشهادة كمؤثر آخر يفخر به ولي أمر التلميذ ولايتشكك بعده عما إذا كان إبنه قد بقيت في صدره أحكام الصلاة أم تفلتت منه الأجزاء الثلاثة الأخيرة من القرآن وقد أمضي بريئا بإختيار الأب ونهج الحاكم زهاء الثمانية أعوام بالتمام أو يزيد، مع أن مقصدنا جميعا تحقيق المراد لقوله تعالي: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)!. (تنبيه - إختيار الأب ونهج الحاكم: الإختيار نعني به الروضة ثم من بعدها المدرسة بدلا عن الخلوة كدور للتنشئة للأبناء، والنهج منه الأخذ بأولوية الروضة والمدرسة في الدعم والتمويل وترك الخلوة إلي الإعانات والصدقات - أعطيت أم لم تعطي).

فالمحصلة أننا نجد تلميذا علي تلكم الشاكلة وربما تخرج من مرحلته الباكرة الأساس، وربما واصل دراسته لأبعد من ذلك غير مهموم بأداء العبادة ولا بتجويدها، في مدة قد تقصر عند البعض منهم توبة وتفقها، أو تطول جهلا وجهالة عند الآخرين إلي ما بعد سن الأربعين، حيث القابلية للإنخراط في عمليات الإجرام والإنتقام وتهديد الأمن العام هي الأكثر إحتمالا من التعلق بأي بديل آخر لا يرونه لائحا في الأفق!. ومرد الواقع والنتائج المعاشة الآن، يرجع إلي أن ذلك المنهج التعليمي تنقصه المادة الكافية أولا لتربية التلاميذ علي حب العبادة، وتصحيح فهمهم لها كعادة تكتسب عبر الأسر بلا تأثير في النهي عن الفحشاء والمنكر، وثانيا لتنشئتهم علي طاعة القانون وإحترام النظام العام وتقدير أخذ الحقوق بالتي هي أحسن تمسكا بهدي الدين الحنيف في الإحتجاج ورد الإعتبار، وثالثا لحثهم بالتمسك بالتقاليد والقيم الحميدة وقاية ألا يصيروا مسخا عبر التشبه بالآخرين (جماعات النيقرز)، وأخيرا ينقصه كذلك الأخذ بأيدي تلاميذه لحب الوطن والعمل مستقبلا بتقوي الله!. فتلك هي المدرسة وهذا منهجها قد إنبري، فنري ما نري ونعجب مما نري!

سادسا - المدرسة ومفهوم المواكبة (دسيسة الدونية!):  
وإلتحاقا بركب المواكبة – دسيسة الدونية، التي نراها وقد طالت عديدا من البلدان الإسلامية، كموجة  مرادفة لحمي "ثقافة التنوير وطلب الهجرة للتغيير"، نجد أن العملية التعليمية بشكلها الحالي وفي ظل موجة المواكبة هذه التي انطلت علي شباب اليوم، الطامحين لإضفاء صفة الحياة الغربية علي واقع البلاد العربية والإسلامية، قد تحولت أولا لدعـوة مفتوحة هيأت لإلغاء ونسخ العداوة اليهود-نصرانية للإسلام، وإلي مدعاة للتساؤل الناتج عن قصورها التام – أي العملية التعليمية ذاتها، في عدم أخذها بأولوية تنبيه الدارسين وإعـدادهم في إتخاذ الشيطان الرجيم وأعوانه المعلومون أعداءا للإسلام والمسلمين قاطبة، بقدرما حذر القرآن الكريم من ذلك في كثير من المواضع – الآيات: (إنه عدو مضل مبين)، و(إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)! فالتساؤل المتبادر ههنا، أليست المدرسة هي رأس دسيسة الدونية والمروج لمفهوم المواكبة – رضينا أم أبينا، لدرجة القول باليقين أو التخمين – بأنها، صارت من أعوان الشياطين!

فالملاحظ أن المدرسة لا تقوم بالقدر المطلوب تجاه ربط همم الشباب بالتمسك الجاد بالدين وثقافة الإسلام، مما أوجد كثير من حالات الإنحراف بين شباب اليوم وتشأببهم بالعلمانية ومفاهيم الشيوعية المستشرية عرضا وطولا! أما في جانب التحذير من الشيطان الرجيم، فنجد الأمر أكثر تفاقما لعدم تحسبها لذلك، وغياب فهمها لعمل الشيطان بما يملي علي النفس عقليا من شطح وتشكيك وإفساد معتقد ونكران قيم وفقدان ذات وغير ذلك، وحسيا بما يوقع بها كما في تعاطي المسكر وأكل المال العام، في السرقة والنهب والإحتراب الحرام، في المحسوبية والجهوية وقبلية الأيام، في النميمة والدسائس بين الأنام وغيرها من ظلم وفسوق وفساد أخلاق ومهلكات طوام. وبسبب تعهدنا لمفهوم المواكبة وتركنا لما يردنا إلي أصول ديننا، أصبحت هذه المنكرات واقعا يتكرر ويتطور إن دل على شئ، إنما يدل أولا علي مدي مقدار تقوى الله ومخافته بين الحاكم والمحكوم، من غياب الحس الرسالي وظهور المجتمع الإنشغالي، من وقوعنا أسري لدسيسة الدونية ومحوها بالتفاخر والتعالي، وكذا دونية التهميش ومخاطبته بأساليب شتي وطرق لا تبالي!. ويضع ثانية إستفهامات حول مدى تعرف المسلم وإهتمامه بمنهاجه، والعمل بالتسليم به مع ممارسة تجديده له - إذ المعرفة بالدين تولد في النفس قناعة التسليم والتسليم يثمر الرغبة في الممارسة، والممارسة تتطلب الحركة القاصدة بالإخلاص والنية الصادقة، وهذا ما بتنا نفتقد يوما بعد يوم!!!.

هذه المواكبة ليست في حقيقتها معيارا معني به المسلمون لمقايسة أنفسهم مع غيرهم –لأننا بفضل الله ونعمه نحن الأعلون، وخير أمة أخرجت للناس. فالمسلم الحق يعلم إن الدين عند الله الإسلام، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، وأن الله قد تكفل لنا بحفظ الذكر، فلا بال مشغول لنا سوي الجهاد في الدنيا والإستعداد للآخرة وأنه تعالي قد وعدنا بالرزق ما عبدناه وأقمنا دينه، وأما المسلم الذي هو علي غير ذلك متشبث بمظاهر الحياة ومقعد بظواهر الأمور بلا جهاد ولا إستعداد ضمن أولوياته، فإنه ينظر إلي هذه الميزات بشيئ من النفور وعدم الواقعية بعدم تفويضه الأمر إلي الله، بجعل القوة لأسلحة الدمار والسطوة لسيادة الدولار، ونسي أن العزة لله مسير الأقدار ولرسوله صاحب المكانة المختار وللمؤمنين أهل النصرة الأبرار. وهنا يبرز السؤال، علي أي شيء ونحن الأعلون، يتوجب علينا أن نلحق بتحضر دول الغرب تحت غطاء المواكبة - دسيسة الدونية هذه!، ونعلم يقينا أنهم بتوفيقهم في أهوائهم مستدرجون وما بهم من قوة ونعمة إلا ليعمهون، أم أننا نتبع أهواءهم ونستدرج معهم لأجل دنيا نعيمها في زوال ونحن الموعودون في الآخرة بعظيم النوال والقرآن يحـذر: (ولئن إتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق).

ففي هذا الشأن، يجب أن نعرف النشء أن المسلم مستعدي وبصورة مستمرة في كل مراحل حياته، بأوجه مختلفة من العداوات، حتي ليظن أنه في خير من فاعليها وهم الشيطان بهدف الإضلال، وكفار اليوم لأجل ترك دينه، أو ليكن غير مقيم له، أو التحول عنه لشبه مسلم علماني، شيوعي أو ماسوني، أو إعتناق الإسلام علي الطريقة التي تروق لهم كالإسلام الأمريكي الجديد ليصير مسلما مواليا معجبا بهم، أو ليصير متنازلا في دينه متساهلا مستوعبا لهم عبر ندائية وسطية هذه الأيام!. فهذا التنازل وتلك الموالاة وما قبلهما لعين الكفر، وأسوأ منها جميعا ظهور المنافقون الجدد بين المسلمين؛ شيوعي، ماسوني، علماني أو عقلاني!. وعليه، فإنه لمن الخطأ بحق أنفسنا في مناهج تعليمنا الإبتدائي، قصرنا لأعداء ديننا ورسولنا في عداوة قريش السابقة ومن معها - بجعلها تاريخا يدرس وحسب!، وكأنما الذي يحصل اليوم من قبل كفار هذا اليوم وممن والاهم من المسالح التابعين المعجبين بخطط متعددة مدروسة بمعزل، وليس إمتداداً لتلك العدواة!.

سابعا - التعليم المدرسي – بداية مخاطرة بالإنفتاح ونهاية تهلكة بالحياد – تشخيص أخير:
فالضلال الذي نعني بالفقرة أعلاه، هو إنحراف بصيرة النفس وبوصلة وجهتها من نور هدي الحق إلي ظلم زيغ الشياطين. ومن أوجه الضلال في هذا الدهر - ما ينشأ تأثرا بسلبيات التربية المدرسية - مفتاح التثاقف والإنفتاح الغير مدروس، وهو إنبهار النفس المسلمة بأهل الكفر، تسليما بمفاهيمهم التحررية مع الأخذ بنظرتهم في رؤيتهم للدين علي حد سواء!. فالمسلم السوي وفي مسيرة حياته، إنطلاقا من مراحل تعليمه في الصغر، متوقع منه الترقي إلي مراتب الإيمان، إلا أن النفس الغير سوية هي من تهوي بصاحبها في شراك مغريات العلمانية، والتسربل بفكريات الشيوعية - وهلم جرا، وهنا نادرا ما نجد أحدا من متربيي الخلاوي أو المدارس القرآنية منزلقا في هذا الإتجاه.

وتبدأ المسألة بإتخاذ النفس موقف النظر للدين بحياد!، وعندها تنتاب هذه النفس الغير سوية هواجس الشك والإرتباك، فتقع في حالة من التنازع النفسي تودي بها للتشكك في بعض متعلقات الإيمان والتجادل في صلاح بعض شرائع الإسلام، حتي تصبح نهاية المطاف بوقا مروجا للتحلل والدعوة للتحرر من تعاليم الإسلام، إلي أن يصل بها مستوي الإنحراف لدرجة وصف الدين بالدجل وأهله بالدجالين وغيرها من تدنيسات. وهكذا يحصل الزيغ الشيطاني الذي يلتبس عادة من ينظر للدين بحياد - ليس معه ولا ضده!، إنقلابا علي إسلام الفطرة وطعنا في الإتباع!. وهذه الحيادية - المخاطرة التهلكة، هي ما تحصل للشباب المتنكرين لثقافة الدين، أو الشاطحين بعيدا عند الإجتهاد، أو للذين يتبعون أساليب "خوارجية" في تحصيل المعرفة وفهم الإعتقاد - تؤدي بهم جميعا متنكرين، شاطحين وخوارج، للخروج من طريق معلوم، يسلكة المسلم متثبتا به من ربه إلي دين ربه وهو الإسلام، ميولا إلي  طريق آخر مجهول، يتحسسه مستهوا به من الشياطين إلي غرور الشيطان وهو الضلال -الآية: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) -32: يونس.

فما فات علي التعليم العام تداركه في هذا الشأن، هو عدم الإشراف علي إتجاهات التفكير، والتحكم بالمفاهيم عند المتعلم منذ صغره، خاصة فيما يتعلق بالأسئلة التي يثيرها حول العقائد والإيمانيات عموما. وهنا لسنا بقصد تحجيم وجمود الفكر عند الإنسان المسلم، والقرآن كله دعوة للتفكر والتبصر لإدراك الإيمان وتصحيح الإعتقاد. فالذي يمكننا القول به، "أن كل تفكر لا يجول بك في العواقب والمآل فدون مستوي الرجال!، وكل علم أشعرك بالكمال ولم يأخذ بك إلي حيرة سؤال فهو إدعاء لا محال!" –الآية: (ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء). فكل مآلات التفكر ومقاصد العلوم يجب أن تقود إلي الإيمان بأن للكون مدبرا موجود وهو الله ربنا رب الوجود، وإلا فذلك كله هراء ممجوج!. وعليه –فإنه، ليس من دعوات الإسلام بعد الإيمان الدعوة إلي إعمال العقل - خروجا من نصوص التوحيد وثوابت الشرع الحنيف، وإنما هناك تفكر يزداد به المؤمن بصيرة، وحيرة إيمان يطمئن بها علي حيرة، ومن ذلك ما جاء في قوله تعالي علي لسان سيدنا إبراهيم - في الآية: (وإذ قال إبراهيم ربي أرني كيف تحي الموتى، قال أولم تؤمن، قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، قال فخذ أربعة من الطير، فصرهن إليك، ثم أجعل على جبل منهن جزءا، ثم أدعهن يأتينك سعيا، واعلم أن الله عزيز عليم) - 260: البقرة.

مؤشــرات توصـــية عامــة
النقاط التالية أدناه نوردها كمؤشرات توصية عامة، تلخص أسباب هذا الواقع المرير للأمة بالسودان بالآتي:

أولا: فراغ العقل من الثقافة الإسلامية والتعاليم الدينية وإنشغال القلب بغيرهما- يعكس إختصارا مدى الركون إلي مجاراة الآخرين –أولا تنازلا، بالإستجابة والركون للدعاية الجبروتية من أفلام إستعراضات الحروب والأسلحة والإعلام التمويهي الإنشغالي المضلل المجمعة كلها علي رهب وجذب الإنسان المسلم وتعطيل نشاطه العقلي والبدني ليبقي معجبا مستهلكا رهينة لما يأتي  به الغرب، وثانيا إتباعهم في مظاهرهم ونهجهم والإقلال تأثرا بهم عن الأخذ والإتعاظ إقتداءا بسيرة رسول الله وخلقه وأخلاق صحابته. هذا الركون يقود للتنازل بل يفسر العجز الحاصل عن مضارعة أهل الكفر تقنيا أو حتي مقارعتهم فكريا.

ثانيــا: عدم الإهتمام بالتهيئة للعلم والتسليم بطلبه كأمر مرغوب فيه، يؤكد مدى تجاهل أولوية التعليم الديني من قصور العناية فيه وزوال الأمر به حكاما، آباءاً أو أزواجا.

ثالثــا: إنحسار الدعاة والمرشدين وندرة المجددين المصلحين مع طبيعة ممارسة أكثرية القائمين -أهل التعليم الخاص والوعاظ المتجولين، الدالة علي مدى الإنحراف في إعمال الأهداف الرسالية في طرق المعرفة عامة وأهدافها، من جعلها سلعة لا بركة في بيعها ولا في شرائها، حيث لا يحصل التخاطر بين المرسل والمتلقي إلا وفقا لنية الأول ومدى تجاوب الثاني، والعبرة في قوله: (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما). تنبيه: الطرق والأهـداف بمفهوم المصطلحات التربوية عند أهل المدرسة، البركة بمفهوم المصطلحات التربوية عند أهل الخلوة، والتخاطـر بمفهوم المصطلحات التربوية عند السادة الصوفية.

رابعا: صياغة المنهج بحيث يستصحب الطفل مخافة الله منذ تعلمه أداء الصلاة - ليكن همه طاعة الله وعبادته، وجعله ثقافة الإسلام فخره ومرجعيته. (لا نتحدث هنا عن منهج توفيقي بين الخلوة والمدرسة ولا أسلمة منهجها كلية، لأن الإرتهان بالمدرسة من عثراته ’بيروقراطية‘ المظهر والطريقة والأداء عند المعلم التي لا تتناسب وأدب الخلوة الذي قاعدته مبدأ البساط الأحمدي!)

خامسا: وصولا للكفاية بالحد الأدني من التعلم لتبرئة الذمة في صلاح النفس في الحياة وفلاحها بالفوز في الآخرة –أي إقتراحاً للإجابة في مسألة المدرسة المتعذر إيرادها ضمن فقرة (وأرض الله تعمر...)، هي أن تصبح خلوة – مدرسة قرآنية (كتاتيب)، تفي بمعارف الصنعة والفنون الدنيوية، حيث يكون أساتذتها وأبناؤها تلامذة لشيخها حتى ننعم بأجيال نجد فيهم أدب الخلوة (الوعي الديني..)، وثقافة المعرفة الهادفة (وقاية من شرور العطالة...). وهنا نستشهد بنجاح تجربة المربي الكبير فضيلة مولانا الشيخ موسى عبد الله حسين في هذا المجال، كأحد الرواد المبتدرين في تأسيس المدارس القرآنية بالبلاد - جزاهم الله عنا كل خير.

الخاتمـــة
فما يجب الإشارة إليه أخيراً وليس آخرا – تذكيرا للأنفس تصحيحا  للمسار، هو أن نجد أنفسنا قوية بين زحف التيار، وأن نستقل بها أعزة أخيار، وأن نعي إيمانا أن ليس إبليس وحده في المضمار، أم إهتدي اليهود وماسونيتهم الأشرار، أم آب النصاري ومخططاتهم أبرار، وما سواهم من ملاحدة وتتار!.
 

وشكــــرا،،،

                                                                      الراسل/ عـبد الرازق أنـقابو أحـمد
                                                                      معلم سابق - محلية رهيد البردي
 

* تم إرسال هذه الرسالة بشكلها الأصلي عبر البريد الإلكتروني لسكرتارية المؤتمر القومي للتعليم العام بتاريخ 20 فبراير 2012م

Tuesday, 4 March 2014

ثـوريــة قــرنق ماهية الوحدة وسيناريو الإنفصال – نظرة تحليلية

 
ثورية تحرير السودان
 وتحديات المواءمة
بين واقع مألوف ومستقبل مأسوف
 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
ثـوريــة قــرنق
ماهية الوحدة وسيناريو الإنفصال – نظرة تحليلية
 
Text Box:    إن فصل الجنوب هو لأكبر حدث في تاريخ السودان، وإنه لمن واجب التاريخ تحديد من المسؤول عن ذلك وما دوافع من قالوا نعم لذلك، وما العوامل التي هيأت لذلك الفصل. فبوادر المشكلة بدأت منذ عهد الإستعمار الإنجليزي وظهرت جلية مع بداية الإستقلال وكانت هناك فرصا تسمح بتفادي كل ذلك، إلا أنها تعمقت أكثر بسبب تمحور السلطة وإحتكارية الثروة وتكريس قيادة العسكر، وهي لثالوث الهيمنة الذي إنعكس بجلاء في فرص التوظيف والتعليم والتمويل التي خدمت فئة وإقليما بعينه، مما أنتج مفاهيم التمايز والشعور بالإستعلاء والنظر للآخرين بعين الدونية والإستحقار حتي تمتع البعض وإستأثروا بمدخرات البلاد وإكتوي آخرون حتي شبعوا نعوتا لعقود بوصمة (يا عب!). فانكشف الستار لتكون صورة المشهد المعاش ثورة لأجل التحرير والعدل والمساواة؛ منها من يقول لا بد من أن تشرق الشمس من جديد في سودان جديد، ومنها من يجزم بالفراق والإنفصال الأبدي، ومنها من يقول لا  بهذا ولا بذاك! فإذا، علي أي مشهد تستقر الصورة! يضع كغلاف خارجي للكتابعندما أطلق الراحل الدكتور جون قرنق شعاره "السودان الجديد"، عضد ذلك بمقولاته الشهيرة التي ظل يرددها في كثير من مناسبات الحركة الشعبية؛ بأنه وحدوي، ليس إنفصالي، وأنه يؤمن بوحدة السودان؛ وحدث ما لم يكن محسوبا في البال، وما لم يحمد عقباه، وهو إنفصال جنوب السودان!. عندئذ، تدافعت مشاعر الدهشة والحسرة والأسي عند كل سوداني غيور أولا ومسلم ثانية أن يري عزته وكيانه –السودان مجتزءا إلي إثنين. قد حز الحزن في النفس طويلا بعد ما صوت الأشقاء الجنوبيين للإنفصال في سابقة هي الأولي في السودان، قضت بمنحهم حق تقرير المصير في دولة لم تكن يوما من الأيام إلا بلدا واحدا. وفي تلك اللحظة من ذلك اليوم، الجمعة 9 يوليو 2010م، كان هناك من يغالبون النفس من هول الصدمة بين التصديق والتكذيب وتصفيق المحتفلين بشطر البلد الحبيب – علهم أن يجدوا ما يعزون به النفس في مقبل الأيام والسنوات!.
 
 
وطرأ تساؤول حينها، إستبعادا للمصادفة – أنه، أن لا بد من تنسيق وتوفيق ما بين دواعي شعار السودان الجديد ومقولات قرنق الوحدوية وسابقة "حق تقرير المصير!"، يناغم أو يسيغ حالة "التناقض والإنسجام!" –المناورة التي يمكن تشخيصها بـ "متلازمة غرنق!" التي رافقته بإتزان في الشخصية وهو محارب ومفاوض وسياسي متميز في كل ذلك. وهذا ما يدعو للقول بين شعار الحركة ومناصرة قائدها لخيار الوحدة وما حدث من إنفصال بسبب تلك السابقة، بأن ما جاءنا به الدكتور جون غرنق دي-موبيور، من تمرد بإسم الحركة الشعبية لتحرير السودان في يوم الإثنين 16 مايو 1983م وتحت شعار السودان الجديد، وما ترتب علي ذلك من تداعيات وتطورات علي المستوي السياسي، الإجتماعي والإقتصادي قد وضعت الحركة الشعبية في مأزق الماهية والكنه!، ووضعت فكر الرجل ذاته في مخاطر كلفت الحركة الشعبية منذ أشهرها الأولي إلي زمن الإنفصال وبعده، أن تواجه بما يمكن تسميته بتحديات المواءمة بين سمة ذلك التناقض والإنسجام المتمثل في تلك المتلازمة، والتي إتصفت بها الحركة في تركيبتها ومحتواها ومظهرها وطرحها في مقابل كسرها لهاجس وحاجز الواقع السوداني المألوف([‌أ])!.
 
ففي أشهرها الأولي، أي بعيد إعلانها، خاضت الحركة الشعبية قتالا ضد بعض المنادين بالإنفصال من أعضائها، إنتهي بإسكات ذلكم النداء الذي ظل أحد الكوامن المستترة، حتي تبين أمره لاحقا كأحد أهم بنود إتفاقية السلام الشامل، الموقعة ما بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم في يناير 2005م. وبتوقيع تلك الإتفاقية وما نتج عنها، يبرز سؤال؛ هل إنتفي غرض الحركة الشعبية بتحقيق إتفاقية السلام الشامل، وبلوغ مرادها بفصل الجنوب؛ أم أنها فعلا نكصت بذلك عن مبادئ مؤسسها الراحل الدكتور قرنق مكتفية بتأسيس دولة جنوب السودان - وحسب!. ولكن الوقائع ما بعد إتفاقية السلام، ووفاة الدكتور قرنق وحتي تحقيق الإنفصال وبعده، كلها تشير إلي غير ذلك. فلم ينتفي غرض الحركة الشعبية مع فصل الجنوب([‌ب])، ولم تحد هي قيد أنملة عن مبادئ مؤسسها تلك –المشار إليها لاحقا. وعليه فإن الراحل قرنق كقائد حربي كانت مصداقيته كغيره من الثوريين محكومة بالخدعة في الميدان والمناورة السياسية في النضال([‌ج])، ولا نقول بأنه قد كان مخادعا متعمدا المراوغة وأنه كان يفعل ما لم يقصد، بل إنه وبشكل جاد كان يعي ويعني ما يقول بوحدة تراب السودان – بالنظر إليه ككيان واحد والتعامل بشأنه كدولة متحدة وبرؤية وحدوية!.
 
فإذا لماذا وقع ذلك الإنفصال!. قبل الإجابة علي هذا التساؤل، فإنه لتلتمع في أذهان الشعب السوداني كل تلك المآسي التي تبادلها الطرفان –الجنوبيون والشماليون؛ من ذلك الذي حصل لعشرات المدنيين الشماليين في توريت أغسطس 1955م من مزبحة وسلب ونهب، وإلي ذلك الذي حصل بمدينة الضعين مايو 1987م في المحرقة التي راح ضحيتها أكثر من أربعمائة مدني من قبيلة الدينكا. هذه المآسي وغيرها من أحداث وتطورات مصحوبة بنقض للعهود والمواثيق، إلي جانب التلفظ بالوصم بصفة العبودية والدونية و’الحشرية!‘، ما هي في مجملها إلا أعراض تعبر بداية عن طبيعة النظرة المتحورة واللاإيجابية المتبادلة ما بين الشعبين، وليس عن معضلة الإنفصال في حد ذاتها، والتي جاءت كعلاج أقوي مائة مرة من شكوي التأزي والمضايقة ذاتها، والتي كان يزداد وقعها دون وازع أو رادع كلما إتجهنا نحو المركز –ولاية الخرطوم!. فالمطالبة بتقاسم السلطة والثروة، والإيمان بالتنوع الثقافي والإعتقادي والإعتراف بالآخر، وإنتهاج عملية ديمقراطية سليمة للبناء الوطني، هي في الواقع عبارة عن مسكنات سياسية لجملة من الإفرازات أو الأعراض لحالة واحدة، هي الهيمنة التي منشأوها تلك النظرة اللاإيجابية، والتي يجب ضبطها في النفوس ومعاقبة من يقوم بفعلها، للحد منها ومكافحتها، حتي يضمن إجتثاثها كمستبطن كامن مهدد للأمن والسلم الإجتماعي محليا، إقليميا وعالميا! وهنا نستصحب ما قام به العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بحق الأمير ممدوح بن عبد الرحمن، والذي منعه بمرسوم منه من المشاركة في جميع الأنشطة الرياضية، لما تفوه به من عبارات عنصرية أثناء مداخلته الهاتفية بأحد البرامج التلفزيونية الرياضية شهر كم. وهذا ما يحتاج إليه السودان من أعلي قمة الهرم إلي مستوي الناس العاديين، للتحكم أو إزالة هذا المفهوم القمييء. ولهذه المناسبة، أنه حينما سئل الدكتور جون قرنق عن معني التحرر الذي يقصد، قال: (ما تسألوني عايز أحرر الناس من منو ... إسألوني عايز تحررم من شنو!) –أي من الذي ما بأنفسهم من أمراض سلوكية ومفاهيم قميئة، وهذا ما يتطابق مع القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالي: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)!. ولكن غياب الوعي القانوني بين سائر الأفراد، وعزة النفس المسيطرة في ذات الإنسان السوداني، إلي جانب عدم وجود تشريع قوي لمخاطبة هذا الجرم - المهدد للتماسك الإجتماعي، هي جميعها ما تجعل كثيرا من الناس يلجأون لأخذ الحق باليد خاصة في جانب هذا الإستعلاء –حمية الجاهلية، وما يؤذي بها من إساءة وإزدراء وإحتقار!.
 
ولوجاز لنا التطرق إلي عالمية هذا الإستعلاء العرقي كظاهرة ممتدة، متوارثة أو مكتسبة من قدم التاريخ، فإنما نسمع ونشاهد اليوم حتي في دول الغرب المتحضر، من إساءات متكررة تنضح بالعنصرية ضد السود وخاصة لعيبة كرة القدم ذوي الأصول الأفريقية، وحوادث القتل المتكررة للسود بأمريكا ومن قبل الشرطة راعية القانون والنظام العام بهذا البلد التحضر، إلي جانب عنصرية روسيا التي تخوف منها جيفري ويب مسؤول مكافحة العنصرية بالاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا، كعيب يشكل تحديا كبيرا لها قبل إستضافتها لنهائيات كأس العالم 2018م، كلها تعطي دليلا علي مدي تفشي الظاهرة وعالميتها حتي هذه اللحظة. ولكنها بالقدر ذاته –أي عالمية تفشيها، لا تعطي تبريرا لغيرهم من أهل المنطقة –المسلمين من إعمال حمية الجاهلية ضد بعضهم البعض، بأي شكل من الأشكال ورسالة دينهم تنهي عن ذلك تماما –بقول الله سبحانه وتعالي: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وإنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم – ولا فضل لعربي علي أعجمي الا بالتقوي ومع كل هذا تستمر حمية الجاهلية في أبشع صورها. فإن من غرائب الأمور وأعاجبها في هذا الشأن، هو أن حتي من يتقولون في السودان بهذه الإساءة ضد بعضهم البعض، هناك من يسئ إليهم وللسودانيين جملة ، دون تفريق ما بين عربهم ومن يدعون منهم العروبة ومن هم حامدون بأصالة أفريقيتهم. ففي هذا الصدد فأن العديد من السودانيين فقد عانوا وهم بدول المهجر من ذات الإساءة التي تلقونها مباشرة من أفراد وكتاب خاصة بدول الخليج العربي وغيره.
  
 
فبالعود لمكون هذا السودان، وعمليات التلاقح التي نشأت فيه ما بين المجوعات السكانية، نجد أن السلطنات والممالك القديمة القائمة بالسودان، كانت جميعها بما فيها أرض جنوب السودان مناطقا منفصلة عن بعضها الآخر –إجتماعيا وثقافيا وحضاريا. إلا أن النظرة الواقعية في هذا الجانب لتعطينا حقيقة ملموسة في الأرض، مفادها أن كل تلك المملكات والسلطنات ما كانت لتصبح هذا السودان لولا مجئ دين الإسلام الذي قارب بينها فتوحدت أمة ضربت أروع المثل في التمازج الإجتماعي فيما بينها، غير أن الجنوب –بسياسة المستعمر، قد صار منطقة مقفولة حتي إنفرط عقده لذلك الحد الذي عبرت عنه حركات الأنانيا وتبنته لاحقا الحركة الشعبية لتحرير السودان بدعوي حق الإنفصال. وبما أن دخول الإسلام للسودان لم يكن مصحوبا بأي أعمال عنف جسيمة تذكر، فإنه قد مثل لتلك الأجناس والمجتمعات المتباينة الوعاء الذي لم شتاتها والوسيط الذي ذابت فيه كل الحواجز التي كانت تفصل فيما بينها. هذا الواقع أشار إليه الدكتور جون قرنق حينما إلتقي به لأول مرة بعد تمرده الدكتور منصور خالد في أبريل 1986م بمنطقة كوكدام، وسأله بتجرد عن شعوره فيما يخص الوحده الوطنية السودانية، فكان رد الدكتور جون قرنق بأنه كلية مع الوحدة؛ ثم سأله عما إذا كان هو معارضا للإسلام والعروبة، فكان رده بالنفي القاطع، مبينا أنهما عناصر توحيد وليستا آليات تفريق!. فبالنظر إلي طبيعة التآلف ما بين المجتمعات السودانية، نجد أن عمليات التداخل والتواصل بين الأفراد والمجموعات القبلية لتنساب بشكل طبيعي وقد كانت هي البداية الناجحة للتشكيل القومي للدولة السودانية، والتي أعاق الإستعمار نموها بفرضه لسياسة المناطق القفولة بأراضي الجنوب، حتي جاء السودان مولودا مشلولا بعد أن نال إستقلاله بكامل حدوده كأكبر دولة في قارة أفريقيا والوطن العربي معا. فهذا الواقع الذي ولدت به دولة السودان وقد فشلت جميع النخب السودانية منذ أول حكومة وطنية بعد الإستقلال في مخاطبته وإحتوائه، فإن الحكام الفعليين من ذلك ليمثلون الطرف الأساسي في تفاقهم أزمة السودان في جنوبه وبقية أطرافه –ليس بحكم تهيمنهم في السلطة وإنما يعود ذلك لتلك النعرة والنبرة التي يتفوهون بها وهم في السلطة أو خارجها كمواطنين عاديين. وعليه، فإن عملية قبول الجنوبيين بالحكم الذاتي، هي ما تؤكد عدولهم عن مطلب الإنفصال إلي شكل آخر من الوحدة بين الشمال والجنوب عبر تلك الإتفاقية الموقعة ما بين الحكومة ومتمرديهم الأنانيا عام 1972م، إلا أن عدم مخاطبة تلك النظرة وإستمرارها دون رادع قد أدي فيما بعد لإجهاض كل ذلك، حيث كانت هي الدافع وراء إنضمام الآلاف من الجنوبيين وغيرهم لتمرد الراحل قرنق([‌د]).  
 
ومما لا شك فيه، فإن الإسلام الذي أقر به الدكتور جون قرنق لا يعني به إسلام إخوان السودان المسلمين –"الجبهجية"، ولا شيخهم حسن عبدالله الترابي وكل من تتلمذ علي يديه! وهنا فقد بلغ حد الكراهية للدكتور الترابي من قبل الدكتور جون قرنق لدرجة أنه لا يلفظ إسمه حيث كان يشير إليه دائما من باب النكرة بـ: (راجل بتاع أخت الصادق –أي الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة). وأما العروبة التي قال بها فإنه أيضا لا يعني بها تلك العروبة المنبثقة مما يسمي بجامعة الدول العربية – الكارثة التي جيئ بها لتوحيد الشعوب العربية، ولكنها في الواقع هي من قصمت أمة الإسلام إلي عرب وغير عرب، بل البداية التي أرست لهذا المفهوم الإثني من أوسع أبوابه، وقد أصبحت الآن أكبر آلية لتفتيت وأداة لتمرير أجندة الفوضي التي تضرب بأطنابها عديدا من البلدان العربية. فالدكتور جون قرنق في هذا الصدد، إنما يقصد في الواقع ببساطة، إسلام وعروبة من كان يعرف من البقارةقبائل المجموعة الجنيدية الذين خالطهم أهله الجنوبيون وعايشوهم لمئات من السنين حتي تزاوجوا بين بعضهم البعض تحقيقا لنظرة الإعتراف بالآخر!
 
فالحكام الفعليين وتوطيدا لحكمهم فقد بعثوا بفريق من الإسلاميين من أبناء المناطق المجاورة لجمهورية أفريقيا الوسطي لنقل تجربة الإنقاذ هناك وتطبيق أنموذج الكحام الفعليين الذي ريثما بدأ الرئيس ميتشيل بتطبيقه بعزل كل ما هو غير مسلم في دواوين حكومته حتي ثار عليه مثقفوا البندا ولم يقتفوا بادية قومية التعايشة ودورها المتناغم في تحبيب الإسلام لسكان شمال أفريقيا الوسطي وتعلمهم اللغة العربية  فالإسلام والعروبة في السودان ليستا من مواليد هذه المنطمة وهي بتسميتها تلك لأمر مشوش
 
فبإستثناء فترة الدولة المهدية وخصائصها المرتبطة بعوالم الدراويش ورمزية البساط الأحمدي في إدارة أمرهم وشؤونهم، فإنه وبإستقراءا الحقبة التي أعقبت هذه الدولة المهدية، والتي بدأت منذ فترة الحكم الثنائي إلي تاريخ الإستقلال وحتي تمرد الدكتور قرنق، لم يستوقفنا إلا إتفاق الوحدة الوطنية الذي ننظر إلية كمحاولة إجتهدت في وقف الحرب ولم تنظر بعين الحكمة والمسؤولية للأسباب الحقيقية المشعلة لتلك الحرب، وهذا ما قاد إلي تجددها لاحقا. عليه، نجد أن مشكلة جنوب السودان برغم هدوئها لعقد من الزمانتزداد تعقيدا مع السنوات ومع تعاقب الحكومات إلي أن بلغت أوجها في عهد ثورة الإنقاذ الحالية. ، فإنه يمكن تشخيص العوامل التي أدت لتطور مشكة جنوب السودان بالنحو الآني:
 
D      نظرة المستعمر:
الهروب المتعمد الغير إخلاقي للمستعمر في تركه مشكلة دون حل كان هو السبب في خلقها –مما أعطي الجنوبيون الفرصة للتعبير عن مطلبهم بقوة السلاح لرفضهم الإندماج مع الشماليين في دولة واحدة. فالنظرة التي حكم بها السودان منذ العام 1899م والتي عبر عنها تعاملهم بالتفريق ما بين القبائل ذات الاصول العربية والقبائل الغير عربية الأصل في تولي المهام وإبداء الإهتمام هي ما زرعت بذور الشعور بالظلم بين المحتمعات السودانية. فقد وصف عالم الأجناس ك. سيلجمان، الذي دعمه البريطانيون آنذاك لدراسة الجماعات السكانية بالسودان، حيث خلص إلي وصف القبائل الجنوبية بأﻧﻬا "متوحشة"، الأمر اي إنعكس في تعامل المستعمر بالاحترام الشديد لمجموعات الشمال المستعربة، وقد عبر عن عظيم تقديره لهويتهم العربية-الإسلامية. وشجعوها
D      فشل النخبة الوطنية في تشخيص الداء وتحديد الدواء لمشكلات البلاد القومية:
لقد أسهمت الأحزاب الوطنية ونجحت في عملية الإخراج الآمن للمستعمر من كامل أرض السودان، ولكنها في المقابل بدلا من النظر في جدية التعاطي مع مشكلة البلاد العالقة والنظر إليها كمهدد كامن لوحدة السودان، فإنهم مع ذلك قد زادوا الطين بلة بتقصير الجميع (رموز الشمال والجنوب) في توفير الخدمات الأساسية لإنسان الجنوب. أما الحكومات المتعاقبة، فقد كان طابع النظرة فيها للهامش بشكل عام هو عدم الجدية، خاصة في التعاطي مع ملف الجنوب بالنظر إليهم مجرد إناس يمكن قمعهم وإساتهم بغير رجعة. فقد كانت هذه النظرة هي السمة المتداولة بين أنظمة الحكم المتعاقبة في البلاد بل هي طريقة التفكير والخطاب الإستهتاري المعني بقضية جنوب السودان. فحظ حكومة الإنقاذ التي عايشت القضية بحكم طول عمرها وبحكم أنها من وقع الإنفصال علي يدها، هي من تعاطت مع ملف جنوب السودان بذات النظرة بل وبشكل أسوأ من غيرها في التحدي العسكري حتي تفاجأت بحقيقة الفشل في الحسم عسكريا لمشكلة جنوب السودان. فما قامت بفعله من إنفصال لجنوب السودان ليس مكرمة منها وقد وجدت الحل السحري، بل هي كانت مرغمة لفعل ذلك خيشة من أهداف قرنق التوسعية بتحرير كامل تراب السودان
D      النخب الجنوبية:
النمو الفكري للنخب الجنوبية ورؤيتهم لمشكلة جنوب السودان
D      العامل الخارجي –تقاطع المصالح وإعادة التوازنات:  فقد كان المجمتع الدولي وقد تغيرت السياسة الامريكية الداعمة لتوجه الحركة الشعبية في خطة تحرير السودان 9 اكتوبر 2010م التاريخ الذي صرحت فية غونداليزا رايس بضرورة فصل جنوب البلاد
 
تلك النتيجة – أي الإنفصال تأخد أبعادا مختلفة تتباين في كل مرة  تمرد جنوب السودان والمطالبة بالحكم الذاتي بحق تقرير المصير ثم لا حقا الإنفصال – ولرسم المخطط التالي يوضح مسار مشكلة جنوب السودان وكيف آلت لما هي عليه الآن تتمثل في الآتي:
 
اذا ماذا حدث الهزة لهذا التماسك هم الجلابة غالبا ما تشوبها وقفة إلي الوراء ونظرة توجس معتبرة في طبيعة النفس البشرية، مبررها غاية التعارف للتآلف فيما بينها، وهنا يسود الإعتقاد أن الشعوب مع تقدم الحياة وتطور العلاقات الإنسانية ما بينها   ولذا جاءت نتيجة الإستفتاء في تقرير المصير بالإنفصال!. وهنا فقد عزا الناشط في مجال حقوق الانسان الدكتور محمد جلال هاشم، هذه النتيجة لتعرض الجنوبيين للإضطهاد والإحتقار بعد أن شنت عليهم دولتهم السودان، حربا شعواء إتخذت سمت الحرب الدينية الجهادية، وهم أكثر شعب قدم ضحايا في تاريخ الحروب الأهلية، بلغ مليونين ونصف المليون من أهل الجنوب.   فليس هناك من معني يقتضي الرجوع للوراء لإعمال تلك المحاذير الإحترازية كان الراجح هو زوالها وليس تطورها لنظرة أخري والطموح لتحقيق الذات وتكامل الشخصية وتحقيق العبودية الخالصة لله وحده
 
ولكن يظل عدم المساس بأصل المشكلة الكامن في طبيعة تلك النظرة الدونية المعني والإقصائية المرمي من جانب المركز لباقي الأقاليم، وتحكمه بالتمسك بالسلطة كابرا عن كابر، هو ما سيجعل من كل حلول التجزئة التي يفرضها النظام الحاكم في السودان، وتقريرات المصير المحتملة وحتي الإنفصال الذي وقع من ناحية أخري، كعمليات تفريق بين خصمين متي ما وجدا فرصة للتقاتل تقاتلا، وهذا ما نجده ماثلا في طبيعة تفجر الوضع الحدودي بين دولة جنوب السودان والسودان، مما دفع بالأولي إلي تجربة الحرب مع الدولة الأم وهي بعمر لا يتجاوز العام! وعليه، فإنه حتي مع محاولة التطبيب بالتكامل الثقافي بين الشمال والجنوب في أعوام 1965م، عبر منع المدارس التبشيرية وتوحيد المنهج التعليمي بالسودان علي طريقة التغني بنشيد "صديقنا منقو –قل لا عاش من يفصلنا([‌ه])" وغيره، وما تبع ذلك من أغنيات([‌و]) معتبرة في ذلك الإتجاه، فقد كانت قابلية ظهور ذات الأعراض لذات المرض الكامن هي الأكثر إحتمالا، وهذا ما أدي بدوره لتجدد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في العام 1983م بعد إتفاق الوحدة الوطنية عام 1973م، وأدي لإنتقالها وإستنساخها بذات الأعراض والكوامن لدارفور عام 2004م ولشرق السودان عام 2005م وللجنوب الجديد للسودان –ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان عام 2010م، والمستمرة حتي كتابة هذه الأسطر!.
 
وبطريقة أخري، فقد عبرت عن تلك الأعراض أيضا، الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، بخط أمينها الإستاذ ياسر سعيد عرمان، الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وسكرتير الشؤون الخارجية للجبهة الثورية السودانية، بقوله: (أن المشروع الوطني الراهن يقوم على معايير في غاية الضيق والمحدودية، لطالما أدت إلى تهميش وإقصاء أغلبية السودانيين على أسس دينية وثقافية وعرقية واقتصادية وسياسية، علاوة على ممارسات الإقصاء والتهميش القائمة على أساس النوع). فمرد كل هذا يرجع لتلك النظرة اللإيجابية وإفرازاتها المتمثلة في تطور إضطراب الشعور بالوطنية وإهتزاز الحس القومي للدولة وهويتها معا، وما غاية مطلب إنفصال دولة جنوب السودان، كما أوضحنا في هذا الكتاب، هي مجرد مرحلة مؤقتة متخذة لأجل تحرير السودان، بالتسمية التي ما زالت تتمسك بها الحركة الشعبية كشعار وهدف لتحرير كل السودان!. فتحقيق رؤية السودان الجديد، تظل تتماشي مع هدف تحرير السودان، لتؤكد مرحلية إنفصال جنوب السودان الذي وقع، وهو أيضا ما عبر عنه الإستاذ عرمان، حينما قال: (لا شك أن إنفصال الجنوب يمثل خطأً إنسانيا فادحا يمكن جبره وتصحيحه عن طريق إيجاد شكل آخر للوحدة بين دولتين مستقلتين ذات سيادة. فقد آثر جنوب السودان إقامة دولته المستقلة بسبب غياب مشروع شامل لبناء الأمة، علاوة على غياب عملية سديدة للتشكيل الوطني تقوم على خصائص الواقع السوداني الموضوعي، وعلى التنوع التاريخي والمعاصر الذي يتسم به السودان. وتأسيسا على إلتزامنا بوحدة القارة الإفريقية وبتحقيق رؤية السودان الجديد، فإننا على إيمان عميق بإمكانية الوصول إلى وحدة بين السودان وجنوب السودان تقوم على الاحترام المتبادل لسيادة كل واحد منهما. وسنواصل العمل من أجل بلوغ هذا الهدف. فالإتحاد الأوروبي يقدم مثالا جيدا وملهما على إمكانية حفظ التوازن اللازم بين سيادة كل واحدة من الدول المستقلة الأعضاء فيه، جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الوحدة فيما بينها جميعا). فهذا البيان يوضح أن الحركة الأم أي الحركة الشعبية لتحرير السودان والحركة الشعبية – قطاع الشمال هذه، كلاهما شيء واحد؛ في الرؤي والأهداف، وخاصة فيما يتعلق بإنجاز مقاصد شعار السودان الجديد.
 
فمدار مشكل السودان، هي نخب الشعبين وصفوتهم وفشلهم في التمسك بالقدر المتوفر من قيمة الإنتماء الوطني والإندماج القومي للدولة وعدم مباركة ذلك والإرتقاء به، وكذا فشل بحثهم عن الإتيان بهوية جديدة غير الهوية التي تآلف بها السودانيون وتعارفوا وتعايشوا علي أسسها فيما بينهم حتي ظهر هذا السودان المتعارف عليه قبل الإنفصال. فمأساة هذه المخاطرة هي إسهام هذه النخب في تضييع الهوية السودانية، وفشلهم التام في إعادة إنتاج تلك القيم أو إرجاعها لما كانت عليه في الثلاثة عقود؛ من قبل ومن بعد إستقلال السودان، وما ترتب علي ذلك من فلتان في الأمر أدي إلي تلك المباغضة وذلك الإقصاء والجهوية الممارسة بحق بعض منهم دون سواهم. فمبادئ أسس التعايش ما بين قواعد قوميات السودانين، إضافة لما تتمتع به فيما بينها من تواصل وتفاهمات لا تحدها حدود، خاصة في مناطق الهامش والتماس - إذ لو ألقي النظر فيها، وما تحمل من بشريات في معاني المواطنة والقومية والهوية الملموسة في تلقائية الإلفة والسماحة المعاشة بين سائر القوميات هذه، لوجدوا فيها علاجا يضمن إنصهارا بين هذين الشعبين ويُؤمِن وحدة بين البلدين!. ويمضي في هذا الإتجاه الناشط في مجال حقوق الانسان الدكتور محمد جلال هاشم بقوله؛ أنه برغم القواسم المشتركة الكثيرة ما بين الشماليين والجنوبيين، إلا أن الدولة السودانية لم تعمل إلا على إخفائها –أي لأجل إحداث التفرقة وإيقاع الإنفصال!. فأولئكم النخب وتحديدا الشماليين منهم وحفاظا علي ما اكتسبوا من وضعية وسترا لما عليهم من مآخذ، فإنهم قد آثروا التمسك بمواقعهم ومكاسب معايشهم – خشية ضياع تلك الوضعية وخشية المعاقبة علي ما إقترفوا من جرائم بحق الوطن ومواطنيه. فحديث صاحب جريدة الإنتباهة السودانية، الطيب مصطفي، لوكالة الأنباء الفرنسية، بتاريخ 21 نوفمبر 2013م هو مصداق ذلك –حيث قال عن الرئيس البشير –أنه: (يريد الإستمرار في السلطة –أي ترشيح نفسه لإنتخابات 2015م، ليحمي نفسه من المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرات إعتقال بحقه بتهمة إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور!). فإنهم قد سهل الأمر عندهم وهان حتي قدموا الأنانية مبدءا علي حساب الوطنية، فجاءت جميع مخرجاتهم بشأن مخاطبة تحديات البناء الوطني المستجدة ومعيقات التشكيل القومي للدولة السودانية، عكس ما كان متوقعا، بل تشويها للوطن مع سبق الإصرار - إقصاءا وكراهية وفسادا وعنصرية، وهي لأركان الإستعلاء العرقي النابع من حالة "التماهي" التي شخصها عالم الإجتماع الدكتور الباقر العفيف في دراسته بعنوان (متاهة قوم سود ... ذوو ثقافة بيضاء)، والتي أصبحوا الآن يتمجدون بها علي حساب بقية أهل السودان جميعهم!، وهي ما إعتذر عنها –أي حالة التماهي تلك وما نتج عنها من تشويهات، رئيس البرلمان الجديد د. الفاتح عز الدين عندما تولي مهامه ديسمبر 2013م، في أول تصريح له – بقوله: (ستكون بداية جديدة، ... إننا نعتذر للشعب السوداني عن أي تقصير حدث من ثورة الإنقاذ طيلة الـ «25» عاماً، مؤكداً أنها كانت تجتهد لمرضاة الله!)([‌ز]). وهذا ما أكدته لاحقا البرلمانية عائشة الغبشاوي إعتذاراً للشعب السوداني –قائلة: "أيها الشعب السوداني؛ معذرة! فقد تحملت الكثير في سبيل إستقرار هذا السودان". أما رأس النظام المشير عمر البشير، فخلال لقاء له مع هيئة علماء السودان، 16 فبراير 2015م، ببيت الضيافة وذلك لمناسبة الحديث عن كتابة دستور إسلامي دائم، فقد قال أيضا بذات التأسف من بعد مضي ربع قرن من تربعه سدة الحكم في السودان:  " إننا نريد من ذلك –أي من كتابة دستور إسلامي دائم للسودان –تبرئة ذمتنا أمام الله قبل كل شيء!" ففي هذه المناسبة، فقد دعا كافة ابناء السودان بنخبهم السياسية والاقتصادية والدينية الي السعي الى الافضل فيما يتعلق بمسألة التدين و نشر ثقافة الاسلام والخلق الكريم، مشيرا الي ازدياد ظاهرة التدين والمؤسسات الاسلامية والدعوية وسط المجتمع. وأنه علي ذلك قد أنحي باللائمة من كل الذي حل بالسودان علي ما أسماهم أعداء السودان والإسلام – بالتفنيد الآتي:
       i.            ان الحرب علي السودان هي جزء من الحرب علي الاسلام وذلك عبر دعم التمرد وتقويته لاستبدال الحكم في البلاد وقيام نظام علماني يمكن الدول الغربية من تنفيذ اجندتها الرامية الي القضاء علي الاسلام في السودان.
     ii.            ان الدول الغربية تأكدت من قوة السودان وعزيمته بعد أن فشلت كافة محاولاتها السياسية والاقتصادية خاصة في ظل تصدع عدد كبير من البلدان المجاورة، وعلي ذلك فقد فشلت من الأخذ به.
  iii.            أن التمرد في منطقة جبال النوبة والنيل الازرق وقبله في جنوب السودان كان نتائج حتمية ومقصودة من سياسة المناطق المقفولة التي طبقها المستعمر، مشيرا الي أن حملة كتشنر كان هدفها الاول محاربة الاسلام مما دعاه الي ادخال المنظمات الاجنبية التنصيرية الي البلاد ودعمها بكافة الوسائل مما كان له الاثر الكبير في زيادة الكراهية للاسلام والعرب والمسلمين .
  iv.            ان قرار الدولة بعدم اقامة معسكرات للاجئين في البلاد كان الهدف الاساسي منه سد الطريق امام المنظمات الغربية التي تدخل تحت مزاعم كثيرة في هذا الصدد وهدفها الاول هو تنفيذ اجندتها الخاصة المعادية للاسلام والمسلمين .
     v.            ان الصراعات القبلية تعد من اخطر الظواهر التي تهدد الاستقرار ومعظمها تنشأ من اسباب واهية ونزاعات شخصية تتحملها القبيلة بعد ذلك، مشيرا الى وجود عناصر مزروعة لاذكاء الفتن بين القبائل .
 
وعلي ذلك يتضح جليا، أن تراكمات تلك النظرة اللاإيجابية قد فعلت فعلها ونخرت في عظم النسيج الإجتماعي للأمة السودانية فازدادت هوة المباغضة وتوسعت دائرتها علي مر الأيام والسنوات. وبما أنها تمثل جوهر المشكلة في السودان، فإنه لم ينظر إليها مباشرة بقدر ما أهتم بأعراضها كمن يحاول إطفاء النار بمقارعة لهبها ودخانها وشررها دون الوصول لأصل جذوتها. ولكن من رأي آخر يقول أن عدم التعرض لمشكلة السودان من الزاوية العلمية أو حتي العرفية الدينية هو أمر محسوم بحد ذاته من طرف الحكام الفعليين، لما يترتب عليه من كشف للمستور وتشخيص للبادئ والمسؤول!. وبذلك التغول والهيمنة حتي في إتجاهات الصراع الدائر في السودان وإدارة المشكلة فيه، وجد المجتمع السوداني نفسه مختلجا في رغبة التغيير ومنظماته مضطرة للمسايرة دون فرصة للتعبير!، فكان البديل هو الغابة وصوت الرصاص والتقتيل؛ حتي علا منطق القوة علي منطق الحجة، ليراق الدم وتزهق الأرواح، ثم الجلوس إلي طاولة المفاوضات، وقوعا في فخ المثل القائل أن "الدم يضيع القضية!" –أي حجة جوهر المشكلة!. وعليه، فقد كان غرض الحكام الفعليين في إدارة مشكل السودان في إطارها الداخلي، هو تسويف أمرها بذلك المنطق وتلك الحجة، حتي أنهم قالوا في هكذا مرة وفي غيرما مناسبة، إنهم لم يسمعوا إلا لصوت البندقية وإلا لمن يحمل سلاحا ويتمرد ضدهم. وهذا التوجه الغريب في أمره يأتي ضمن التهديد المتبجح في قول أهل الإنقاذ: (نحن السلطة دي جبناها بالبندقية والعايزها يجي يشيلها بالبندقية).  
ـــللهامش: الرواية المنقولة عن السيد مدير التلفزيون السموأل خلف الله عندما عزله نائب الرئيس بكري يقول بعدها اتصلت بالخمس الكرام .. شيخ على ونافع والجاز وقطبى وإبراهيم أحمد عمر ... من رد منهم نصحنى بعدم الإصطدام بالنائب ... ولم ينس أن يطلب منى بلطف ألا أدخله فى شبك مع بكرى قال جاءه أحدهم زارنى فى البيت مواسيا فحكى لى من باب تهوين المصاب مكالمة بكرى لإيلا والى البحر الأحمر
 ــــ يا إيلا ... ماتعتمد كتير على دلع الرئيس ليك .... فتح عينك المعامله دى ماتطمعك ..فى الآخر حاتعمل شنو ؟ ... تدخل أسمرا ؟ أدخل ياخ نحن ذاتنا العساكر ديل مابجيب آخرنا الا نشم ريحة الدم والكركبه .(فيسبوك: من حساب حسن اسماعيل سيد احمد)..
وتأكيدا لهذا التوجه، تأتي نظرة ذات الترتيب المغايرة لحل مشاكل السودان وأزماته دون التعرض لجذور المشكلة، بفرضها حلولا جزئية خاصة مع حملة السلاح، وبنمط تلك الإتفاقيات التمويهية، التي ما هي إلا تجديدا لبيعات التبعية؛ إستمرارا لخضوع أطراف السودان وأقاليمه، وليس لأجل إحداث التغيير الكلي المرتجي أوالتحول اللازم المبتغي من مركزه –الخرطوم، المرتب له السيادة والسلامة وعدم المساس!. وهكذا تتضح لعبة الخداع في تضييع جوهر القضية بذلك التسويف والتمويه المغاير([‌ح])، وهكذا يتضح مدي خطأ التناول لتلك النظرة اللاإيجابية –المرض الإجتماعي المستعصي الذي تعطلت به مصالح العامة وإستفادت منه مآرب النخبة الخاصة، حتي أخذت المشكلة طريقها حصريا لغرف العمليات العسكرية، فجاء التشخيص خاطئا وجاء العلاج قاتلا –أي الإنفصال!. وبمعني آخر، أن تلك النظرة –بذلك التأطير الداخلي لإدارة مشكل السودان –تولاها أولئكم النخب من منظورهم "البيروقراطي" الذي أضفي عليها مسحة التسييس، فخرجت من سياقها الإجتماعي ومن المخاطبة عبر "البساط الأحمدي!" الذي يعني "حلا بالأيدي ولا حلا بالأسنان!"، إلي إستخدام خيار القوة ليكون الحل حرفيا بمعناه وهو "الفصل" ما بين المتحاربين، تماما كما شخص العسكر وعالج نخبة البندر –لتفويت النظر في البعد الأخلاقي للمشكلة والذي يستوجب مبادرة الإعتذار ورد الإعتبار من الطرف الجاني للمجني عليه –وهو كل الشعب السوداني، تفاديا لأي إنتقام محتمل. وهنا في هذا الخصوص نستصحب قول الدكتور منصور خالد الذي عاب فيه المصالحة القومية عدم إهتمامها بالمواطن وهمومه وقضاياه. ولكن في المقابل، فإن عدم مبادرة الإعتذار ورد الإعتبار، هي ما دعت أمين الحركة الشعبية السابق الإستاذ باقان أموم للتصريح بمعاقبة الشماليين بإستعمارهم خمسين عاما كما إستعمروا جنوب السودان كذلك!.
 
وبالنظر إلي فرص التسوية لحل مشكل السودان من الداخل، فقد كانت متأثرة بالعامل الخارجي الذي فرض نفسه بطموحات ثوار ثورية تحرير السودان وأطماع بعضا من الدول ذات الغرض بالسودان التي أخذت بالمشكلة لمستوي الجوار الإقليمي والإتحاد الأفريقي ومن ثم سائر المجتمع الدولي. وتظهر هذه المسألة واضحة في غرض الحكام الفعليين وهو إدارة المشكلة في إطارها الداخلي، وتسويف أمرها بمنطق القوة وتلك الحجة المضيعانية، حتي أنهم قالوا في هكذا مرة وفي غيرما مناسبة، إنهم لم يسمعوا إلا لصوت البندقية وإلا لمن يحمل سلاحا ويتمرد ضدهم!. فقد جعل منها الحكام الفعليين فرصة سانحة كان غرض هو تسويف أمرها بذلك المنطق وتلك الحجة،     وهذا التأطير المعني بإدارة مشكل السودان داخليا يبدو علي أنه سياسة مبررة إذا ما قسناه علي مشكلة السودان في إقليم دارفور من تماطل المجتمع الدولي  الإتجاه لتؤكده المحاولة الإنقلابية ضد الرئيس سلفا كير بمدينة جوبا عشية 11 ديسمبر 2013م، والتي جاءت كما قيل علي خلفية تطبيع العلاقة ما بين دولتا جنوب السودان والسودان عبر إتفاق صرح رئيس الدولة بأن من  “التجار الدارفوريون بالجنوب يروون وقائع نهب وحرق متاجرهم : ما رأيناه يفوق وحشية الجنجويد”
 
لم تتنبه النخبة الجنوبية لاصرار الدكتور جون قرنق عن الوحدة لانه يري فيها ذوبان لكثير من المشكلات التي قد تنشا ما بين الجنوبيين انفسهم –ففي الوحدة هناك فرصة
 
ومثالا علي ذلك انفصال دارفور المحتمل بنداء حق تقرير المصير الذي لوحت اليه بعض حركات دارفور المسلحة. فان تم ذلك، فان السيناريو الذي دث بدولة جنوب السودان هو الاقرب للحدوث في دارفور ذاتها حيث الزغاوة يسطون علي الاقليم الفور يتمسكون بنسبة الارض اليهم والعرب يقولون بالسيادة لهم
 
كالتي يفعلها آل المهدي في ملاحقة أفراد الجيش السوداني ومن ثم الحزب الشيوعي في عملية مقتل الأمام الهادي العام 1975م حوالي الكرمك.  
                                                       
فبعيدا عن أي تأويل يرمي إلي منهجية هذا الإنفصال والنظر إليه كمرحلة مقصودة، وكذا القول بأنه مجرد مناورة تكتيكية جيئ بها كهدنة من نوع آخر، فالحركة الشعبية في رسالتها ورؤيتها نجدها أمر مستحكم مرتب له بعناية؛ تعززه قوة جاذبية شعارها المعروف، وتغذيه مرونة طريقتها الإستيعابية لكل الأعراق والثقافات، إلي جانب تمتعها بروح الإعتقاد بين كافة الأيدلوجيات ومفاهيم التحررات. فقد وفرت كل هذه المرتكزات مساحة للمناورة قفزت بالحركة الشعبية إلي مستويات الإقليمية والعالمية، حتي كسبت صداقة ودعم عدد من الدول المتباينة كاليمن، ليبيا، إسرائيل، إثيوبيا منغستو، يوغندا، أمريكا وغيرها من بلدان أخري شرقية وغربية!. أما علي المستوي الداخلي فقد سمحت هذه المناورة لقادة الحركة برفع رايات التهميش والمهمشين دونما تضارب مع مبادئها حتي كسبت بها معظم أهل الهامش وحركاتهم المتمردة التي آمنت بدستورها وتبنت شعاراتها، كما سمحت لقواعدها أيضا عند إستفتائهم في تقرير المصير بحرية إختيارهم الإنفصال دونما تحرج مع قادتها الذين ظلوا يدعون لعكس ذلك، حيث أنها نجحت في حمل الجنوبيين ليكون خيار الإنفصال مسألة شخصية لكل فرد منهم، مما خلق عندهم إنفعال إيجابي تجاه الإنفصال تمظهر في ذلك الإقبال على التصويت لتقرير المصير.  أما في جانب الحركة الشعبية كثورة وكأكبر منظمات النضال في أفريقيا، فإنها ولإقتضاء الحال - عملت جاهدة علي فرض تقرير المصير في أجواء التفاوض، كنقطة جوهرية ينعدم فيها الحرج وتتساوي عندها كل المتناقضات، يسندها في فرضها تفهم الوسطاء ونوايا الدول الراعية والضامنة للتفاوض من جهة، وفوق ذلك كله؛ تأتي رغبة حكومة السودان الملموسة بشكل جدي من جهة أخري!. فهذه الرغبة الغير مبررة والمعززة بمواقف سالبة لبعض الشخصيات النافذة بالخرطوم برفض الجنوبيين والوحدة معهم، مع ما صحبها من تحرك شعبي مسعور لتضليل المواطنين بأن الإنفصال هو الحل وأن الجنوبيين هم مشكلة إنطلاقة الشمال وتطوره –كحملة موجهة نحو المستهدفين الجنوبيين، كانت بالنسبة لهم بمثابة "رفع الفروة للجافلة!".       
 
لهذه المناسبة، أنه من المهم الإشارة إلي أن العوامل الفعلية وراء بلورة وإخراج وتمرير حق تقرير المصير وجعله أمرا واقعا ومقبولا بدرجة أكبر وبلا خلاف ظاهر عليه، نبعت من ترجيح كفة الرغبة فيه من جميع الأطراف المعنية به مباشرة والمهتمة به شأنيا، علي كفة التخوف من آثاره وتداعياته المحتملة (عواقب ما بعد تحقيق المصير) علي المديين القصير والبعيد، والتي لم تأبه بها الأطراف المعنية مطلقا ولم يعرها الوسطاء كذلك أي إنتباه يذكر –مأخوذين بحبكة الإتفاقية وسلاسة سيرها، رغم ما صحبها من حادثة مقتل قرنق وشبهتها وتداعياتها، وذلك سعيا لقيام الإستفتاء في تاريخه المحدد؛ ثقة في أمن وسلامة إجرائه وضمان نتيجته الأكيدة بإختيار "لا للوحدة!". حتي جاءت النتيجة التي أعلنتها مفوضية إستفتاء جنوب السودان، بأن عدد من  صوّتوا للإنفصال يساوي (2,391,610) ناخباً بنسبة تفوق الـ (98%) في مقابل (3,650) صوّتوا لصالح الوحدة. وهنا فقد عزا الناشط المذكور سابقا الدكتور هاشم، هذه النتيجة لنظام الإنقاذ بقوله: (الناخبون أناس تعرضوا للإضطهاد والإحتقار بعد أن شنت عليهم دولتهم حربا شعواء إتخذت سمت الحرب الدينية الجهادية ... وهم أكثر شعب قدم ضحايا في تاريخ الحروب الأهلية ... بلغ مليونين ونصف المليون من أهل الجنوب ... هذه النسب العالية في نتائج الإستفتاء تعود في جانب كبير منها إلى سياسة الإنقاذ الإقصائية!). وعلي ضوء ما سبق، الجدول أدناه يوضح عوامل تمرير تقرير المصير، كما رؤيت بالتخمينات الآتية:
 
مصفوفة مؤشر تقرير المصير([‌ط]): تقدير نسب رضاء الأطراف في مقابل نظرتهم للدوافع والمبررات*
 
الأطراف المعنية
دوافع الرفض
دوافع التأييد
الرضا
المبررات/الغاية
(عوامل التأييد)
أطراف ورعاة الإتفاقية
الحركة الشعبية لتحرير السودان
- الخوف من سيناريو دولة فاشلة (إداريا وماليا).
- الخوف من الهيمنة والإقصاء وتجدد الإقتتال القبلي.
- سيناريو إنهيار الدولة علي خلفية ما ذكر أعلاه!.
- التمتع بتحقيق الذات أفرادا ودولة
- الشعور بقيمة الحرية والإستقلالية
- توفير فرص عيش أفضل وكريمة
98%
خطوة ضرورية لتحقيق حلم
السودان الجديد:عدالة، حرية، إزدهار
المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم
وبرلمانه)
- الخوف من التنبه الشعبي من فهمه كمؤامرة إثنية.
- الخوف من ردة فعل إقليمية للحركات الإسلامية.
- الخوف من المؤاخذة الدينية والتاريخية مستقبلا.
- أخذ السلام كأولوية وبلوغه بتحمل قطع الجلد
- تحقيق الإنفراج والإنفتاح مع العالم الخارجي
- التغامز  بفارق الثقافة والعادات وغيرهما
68%
تخدير الشعب برهان وحدة جاذبة
(تمويهات المؤامرة)
الوسطاء والضامنين
- الخوف من إنتقال عدوي الفصل لدارفور وغيرها.
- التحفظ علي أهداف الحركة الشعبية الأخري.
- الفشل في توفير وإستغلال الدعم المالي والفني معا.
- المساهمة في إرساء السلام الإقليمي والعالمي
- إنذار للدول الأخري المشابه بأهمية العدل والمساواة في الرعاية والحقوق والثروة والسلطة
90%
- رفع إسم السودان من قائمة الإرهاب
- الإسهام بحل باقي مشكلات السودان
- خلق إستقرار وإيجاد فرص تنمية
أطراف ذات تأثير محتمل – عاجلا  أم آجلا
المواطن السوداني
-رفض منطق التقسيم مبدءا (الإحساس بوحدة الدولة)
-مخالفة الشرع والدستور (إرث المهدية ودم الشهداء)
-إزدياد المخاطر المحدقة بالسودان (إنتقام  الجنوبيين)
- حفظ النفس أولي من حفظ المصلحة الوطنية
- الإعتراف بإستحقاق الجنوبيين لدولة منفصلة
- الجنوبيون عبء لإنطلاقة السودان وتطوره
20%
التنعم بسودان جديد بلا أفريقية ولا علمانية (إنتباهة الطيب مصطفي  ومنبره المسمي بالسلام العادل!)
الدول ذات الغرض بالسودان
-التخوف من نكوص سوداني بسبب خروقات  SPLA
-التخوف من تعطل المصالح وزيادة الإضطرابات
-التخوف من عزوه كمؤامرة دولية تفرز فعل إرهابي
- تفكيك بلد للتطلعاته وتوجهاته الغير مضمونة
- إيجاد فرص مخابرات وبناء قواعد حربية
- نجاح الفصل سابقة إيجابية لمزيد من التفكيك
95%
- إيحاد حليف إستراتيجي بالمنطقة
- إمكانية تحول السودان لبلد راشد
- ضمان إنفتاح السودان علي الغرب
العالم الاسلامي
- إعاقة مد الإسلام وتحويل مسلمين لأقلية في بلدهم.
- ولادة بلد كاره للإسلام  يعني صوت ضد ه في مؤسسات التمويل ووكالات الأمم المتحدة وغيرها
الإعتراف بفشل الحلول السابقة والحسم عسكريا
الإعتراف بضعف الإهتمام وفرط عقد المسألة
حماية الإسلام من تكرار مأساة الأندلس وغيرها
05%
إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية
(من وعد حكومة السودان)
التبشير الكنسي
-التخوف من إتهام مجلس الكنائس وتعطيل مصالحه  -تحول السودان لبلد متطرف عصي علي  النشاط الكنسي
-خسارة الأرث المسيحي المتمدد وفقدانه منطقة نشطة
-توسع مضايقة مسيحيي السودان مع فقدهم لنصرائهم
- توفير حاجز أمام المد الإسلامي بالمنطقة
- إمكانية تفتيت السودان كقوة إسلامية محتملة
- ظهور بلد نصراني يعتبر إضافة رصيد للميسحية ومكسب دافع للتبشير الكنسي
95%
إمكانية تحقيق شعار السودان الجديد
(إقصاء الإسلام وإعلان علمانية دولة السودان المتحدة –ولو بعد حين!)
المحيط العربي
(دولا وأفرادا)
-مهدد جديد وخطير علي الأمن العربي القومي
-سابقة إنفصال الجنوب حجة لإنفصال باقي الأقاليم
-مهدد للثقافة العربية والإسلامية ونهاية لعربي جوبا
-عدم الإيمان بعروبة السودان –شماله وجنوبه
-توفير بيئة أكثر أمنا لفرص الإستثمار العربي
-إعتبار حرب الجنوب معوق تنمية للسودان
10%
فصل الجنوب يعني حل لأزمة الهوية والإنتماء الإقليمي للسودان
دول الجوار
-التخوف من تأثير الإنفصال كسيناريو قابل للطبيق
-رفع شعار "السودان الجديد" يعني إستمرار الحرب
-عودة اللاجئين إزالة عبء إجتماعي وإقتصادي
- فرصة لإعادة التوازنات الإقليمية بالمنطقة
50%
مساحة السودان الكبيرة رمز للهيمنة ودافع للغطرسة علي الآخرين
 
*هذه التحليل مبني علي نتائج إستقراء الوضع العام ونتائج كثير من النقاشات النوعية المتصلة وغيرها من تدوينات وآراء منشورة أو مسموعة حول إقرار  تقرير المصير هذا، والذي لم تسعف الظروف الراهنة بإجراء إستبيان علمي لإضفاء الموضوعية عليه والواقعية المطلوبة (الكاتب).
 
ومن ذلك نخلص إلي أن تضمين حق تقرير المصير في إتفاقية السلام الشامل كان جزءا من تلك المناورة المضمونة النتائج بالنسبة للحر كة الشعبية، أما وقوع الإنفصال الذي تلاه، فيبقي مجرد مرحلة، أو هدنة أو هدف من أهداف الحركة المعلنة والغير معلنة نحو تحقيق رؤية السودان الجديد! ولذا فإن إختيار "لا للوحدة" كان تعبيرا عفويا بالنسبة للجنوبيين العاديين، وأما بالنسبة للنخبة منهم، فقد كان أمرا مدروسا لدوافع سياسية أكثر منها إجتماعية، لأجل تحقيق أهداف إستراتيجية محددة متصلة بمبادئ الحركة الشعبية وطموحها الدائب لرؤية السودان الجديد. عليه، من وجهة نظر النخبة هذه، نقدر أن الأهداف الإستراتيجية وراء قيام دولة جنوب السودان، أي إستراتيجية  فصل الجنوب تتلخص في الآتي:
 
D      للوصول لمستوي الندية الحقيقية مع الخرطوم لأجل التناطح السياسي، وغيره من أخذ ورد بشأن تنفيذات متعلقات إتفاقية السلام الشامل المتصلة بأي محلقات محتملة أو مستجدات أخري([‌ي])، يسمح تصميم الإتفاقية بالنظر فيها كمطالب مغفلة أو مرجأة عمدا، سهوا أو تكتيكا!.
 
D      لضمان حرية التمكينات العسكرية لقوة دفاع دولة جنوب السودان العاملة تحت راية جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكذا بناء القواعد العسكرية الأجنبية وحتي قيام التحالفات مع الكيان الإسرائيلي أو غيره إن دعي الداعي لذلك.
 
D      تبني سياسة الضغط العسكري بإعتماد تكتيكات رفع سقوفة المطالب خارج حدود الأهداف المرجوة عند الحركة الشعبية، التي إبتدأت بحق تقرير المصير لفصل جنوب السودان كمرحلة أولية. فالحركة الشعبية كان في ظاهر مطالبها تحرير كل السودان كحد أعلي، ثم المطالبة بجعل حدود جنوب السودان بحدود كوستي وأطراف مدينة نيالا كمناورة إعلامية، ثم النزول لحدود الجنوب المعروفة للعام 1956م كحد أدني هو المطلوب وهو ما تم بالفعل!. وتجاوزا لإتفاقية السلام الشامل من بعد مضي أكثر من سبعة أعوام علي توقيعها، وتعارضا مع برتكول أبيي، فقد مارست الحركة الشعبية نفس التكتيك بخلق التوترات الحدودية بمحاولة ضمها لشريط الميل 14 بحر العرب ومربع حفرة النحاس، إلي جانب وقوفها ودعمها للجبهة الثورية السودانية. فهذا الضغط العسكري مع مناورة رفع سقوفة المطالب سيبقي سيفا مسلطا علي رقبة الحكام الفعليين للسودان، في مقابل المساومة معهم كحد أقصي للفوز بهذه المناطق كاملة بشكل أو بآخر وعلي رأسها منطقة أبيي البترولية.
 
D      لتوفير سند معنوي لقوميات سودانية ورعاية أبوية لأقليات سكانية مستهدفة([‌ك]) بأصيلتها، تري فيهم جميعا الحركة الشعبية مساندا لها في مآربها السودانوية وتوجهاتها الأفريقانية، إستدرارا لعطفهم أو إستدراجا لهم للإنضمام لدولة جنوب السودان أو للإلتحاق بقاطرة الإنفصال التي تجرها ماكينتها!. هذا الأمر تفسره تلك التسهيلات الرسمية التي زادت من تنامي أعداد رعايا هذه القوميات بمدن جنوب السودان، في مقابل المضايقات الممارسة بحق العديد من المقيمين والتجار الشماليين الأخر بجنوب السودان خاصة بعيد إعلان التصويت لصالح تقرير المصير، ثم تطور الأمر لإعتداءات متكررة عليهم دون حماية من السلطات المحلية بعيد الإحتفال بإستقلال دولة جنوب السودان، مما إضطر معها جميع التجار "الجلابة" إلي إنهاء أعمالهم ومغادرة أرض الجنوب –الذين في المقابل، حل بدلا عنهم تجار جدد من أبناء الزغاوة وغيرهم من قبائل غرب السودان ووسطه.
 
16 ابريل 2015م بمزيدا من الحزن والاسى الجالية السودانية اليتيمة تودع اثنين من ابنائها بمقابر كنجو كنجو (جوبا) جراء عمليات الصطو الليلي الذي يمارس ضد التجار السودانيين بكافة مدن جنوب السودان (جمال وحسن)لم يكونا اول شهيدين يقدمان ارواحهم فداء لاموالهم وكرامتهم حيث ظلت حكومة الجنوب عاجزة تماما عن حماية دماء السودانيين وممتلكاتهم بل هي مسؤولة عن كل ما يجري للسودانيين من نهب وقتل وسجن وخطف وغيرها ورغم هذا ظلت السفارة السودانية تتفرج فيما يجري للسودانيين هنا . ولكن مشهد تشيع الشهداء اليوم كان له ابعاد عميقة تحكي عن وحدة وجدان السودانيين وتماسكهم بشت تنوعاتهم وتوجهاتهم وجهاتهم تحكي عن اصالة الانسان السوداني الابي الذي لا يقبل العيش الا بعزة وكرامة تحكي عن الدور السلبي الذي فرضته السياسة والساسة .
قلبي عليكم اخوتي ابناء وطني . سيروا نحو المجد لن تهزمكم كناسة الموت الملقاة في طريق الحياة (في البحار والصحاري والمدن والعواصم والجبال والاحراش )موت ممنهج منظم بهدف الابادة والافقار
                                                                                                                                      
D      لخلق بيئة حاضنة للحركات المعارضة ولأي ثورات ضد الخرطوم تؤمن بمبادئها وطموحات شعاراتها (تصدير ثورية تحرير السودان للسودان حتي يعود السودان مرة ثانية بلدا موحدا كما تصوره د. قرنق!).
 
فما يجري بالجنوب الجغرافي للسودان بالمناطق التي تشمل ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان، من فوضي الحرب الدائرة هناك وما نتج عنها من أزمة إنسانية أخري بالسودان، هو ليس من صنع الصدفة. فكلا الحكومتان – السودانية والجنوب-سودانية لمسؤلتان من ذلك، لعلمهما بما سيترتب علي ذلك؛ من قتل ونزوح وتشرد ولجوء بسبب تمسكهما بالموافق رغم إختلافها. فالأولي تقع مسؤوليتها من واقع نسخ ولصق نفس الممارسات بالمنطقة والتي أدت لتمرد جنوب السودان سابقا وقادت لإنفصاله والمتمثلة في الهيمنة والكفر بالتنوع وعدم الإعتراف بالآخر. أما الثانية - حكومة جنوب السودان، فتقع مسؤوليتها من خلال تبييت النية في طبيعة وجود الحركة الشعبية بالسودان بعد توقيع إتفاقية نيفاشا وإستقلال الجنوب، الأمر الذي ضمن في اليد خروج الوالي الفريق مالك عقار، وعودة الرجلان عرمان والحلو للغابة عبر خطة الحركة الشعبية لتصدير ثورية تحرير السودان لهذه المنطقة، بعدما ترشح الأول لإنتخابات رئاسة الجمهورية والثاني للإنتخابات الولائية للعام 2010م. ومع كل ذلك، تقول الحركة الشعبية –قطاع الشمال، أن سياسات حكومة السودان تجاه المنطقة والتي عبرت عنها خطب الرئيس عمر البشير، عقب إنفصال جنوب السودان كخطابه الشهير الذي ألقاه في مدينة القضارف وغيره، قد وضعت الأساس اللازم لشن حرب جديدة على جنوب كردفان و النيل الأزرق معا. وهذا ما يبرهن كيف رفض الرئيس البشير نفسه إتفاق السلام الذي توصلت إليه الآلية الرفيعة المستوى التابعة للإتحاد الإفريقي بقيادة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثامبو مبيكي مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال، الموقع بأديس أبابا بتاريخ 28 يونيو 2011م، والذي كان يهدف إلى إنهاء الحرب في جبالي النوبة والأنقسنا. وعليه، المتوقع أن هذه المنطقة ستظل ولوقت طويل مسرحا للعمليات العسكرية حتي سيادة رؤية السودان الجديد علي سائر أرض السودان بمفهوم الحركة الشعبية لتحرير السودان وهو الإحتمال الأبعد رجوحا، أو حتي يصل الطرفان –السودان ودولة جنوب السودان لوحدة ربما أشبه بوحدة الإتحاد الأروبي الحالية، وهي الضامن الأقوي والعامل الأقرب لإستدامة السلام والإستقرار ليس بهذه المنطقة وحسب، وإنما لكل باقي أقاليم السودان وأطرافه المترامية الأخري. فبقاء هذه المنطقة علي صفيح ساخن تحكمه طبيعة تكوينها السكاني المتداخل علي إمتداد أراضيها بين مجموعات متنوعة عرقيا وثقافيا، من أصول عربية وغير عربية على حد سواء؛ من فونج ونوبة وكريج وبعضا من القبائل العربية الرعوية المحازية وغيرها، في مقابل/مع تشتت ولاءاتها بين الحركة الشعبية والحركات المتمردة من جهة، والحكام الفعليين ومؤتمرهم الوطني حاليا ومليشياتهم المساندة من جهة أخري([‌ل]). شغلهم بمهرجانات شباب الوطن للألهاء
 
فإن عزم حكومة جوبا المضي قدما في خطي برنامج الحركة الشعبية المتبني لخط المواجهة مع الخرطوم وتأزيم المواقف ليؤكده عدوانها علي السودان وهي بعمر السبعة أشهر من قيامها. فتبني هذا الخط هو الإتجاه المرسوم من قبل الحركة الشعبية للرئيس سلفا للسير عليه، حيث أنه بالملاحظة تأكد عدم رضا قيادات الحركة الشعبية بأي نوع من التقارب الذي يترتب عليه فرض ترتيبات أمنية علي الحدود بين الدولتين السودان وجنوب السودان، خاصة في ظل حكومة ثورة الإنقاذ الحالية بالسودان. وعليه، فالرئيس سلفا محكوم بذلك الإتجاه، وأن أي حياد عنه وخاصة إعادة تشكيلة الحركة الشعبية وقيادتها العسكرية، ربما تنشأ عنه مخاطر غير محتملة بدولة جنوب السودان. فإعتماد الخيار العسكري والإنفاق عليه كان الخيار الخطائي دون الأخذ بأولوية ترسيخ علاقة الأخوة والمنفعة مع السودان، أو خلق الإستقرار بالداخل ونشر ثقافته والعمل علي بناء مؤسسات دولة وليدة هي أحوج ما تكون إلي ذلك!. فما يدعو للحيرة هنا، تأكيدا علي ذلك العزم، هو ليس الإتفاق المعروف بـ "إعلان جوبا" في يناير 2006م، والذي جاء بجنرال الجيش الشعبي ماتيب نائبا للقائد العام، عبر عملية الدمج بين قوات دفاع جنوب السودان وجيش الحركة الشعبية، والذي زاد عدد القوات من 30,000 إلى 130,000 جنديا، بغرض رفع الكفاءة والجاهزية القتالية، بل إنما هي تصريحات المستشار الرئاسي وسكرتير عام الحركة الشعبية باقان أموم –المذكورة آنفا، والتي أدلي بها من بعد مضي أكثر من عامين علي الإنفصال، داعيا فيها الجنوبيين إستعمار الشمال خمسين عاما كما إستعمرهم!. فهذه الرغبة تكشف عن مدي أطماع الحركة بإحتواء كل السودان!، والمتصلة بتعجل الجيش الشعبي القيام بإعتداءاته علي عدة مواقع داخل حدود السودان؛ من أبي هجليج، شريط بحر العرب، إلي منطقة الردوم بجنوب دارفور وغيرها؛ كرسالة تؤكد أولا مدي إرادة وقدرة الحركة الشعبية في التعاطي مع أهدافها - بأن فصل الجنوب لا يعني عندها نهاية الحرب، ثم تبرر ثانيا عدم قيام حكومة دولة جنوب السودان بحل أو بإعادة هيكلة أو صياغ الحركة الشعبية ذاتها، مع إستبقائها وجيشها بكامل هيكله وقواته، وتحويلها بذات الوضعية إلي حزب سياسي؛ تهيمنها علي مقالد الحاكم بجوبا بحق تأسيس الدولة الجنوب-سودانية. ومن هذا القبيل، يزعم رئيس السودان الحالي عمر البشير عن أن إستخبارات الحركة الشعبية هي الحاكم الفعلي لدولة جنوب السودان([‌م])، بغض النظر عن كونها تمثل سياسيا الحزب الحاكم، بالرغم من تعدد الأحزاب التي تمثل هي مجرد جزء منها!. كل هذا الأمر تلخصه بوضوح تصريحات رئيس دولة جنوب السودان ورئيس الحركة الشعبية، سلفاكير ميارديت، التي أدلي بها مطمئنا عامة أعضاء الحركة الشعبية إثر صراع داخلي نشأ فيما بين أعضائها بمدينة واو، سبتمبر 2013م، حينما قال بأن الفرص والتمثيل الحكومي سيطال الجميع وأن الحركة الشعبية – بلا منافس، هي من سيحكم البلاد مائة عاما!.
 
إذا تلك هي الحركة الشعبية وتلك هي أهدافها الإستراتيجية وراء فصل الجنوب، وذلك هو تقرير المصير وتداعياته ومخاطره المحتملة، ونحسب أن الحكومة في الخرطوم تنظر وتعلم بحقيقة الحركة الشعبية، ومدركة في الوقت ذاته لأبعاد إستراتيجيتها هذه ومقصودها من وراء تقرير المصير، ولكن ماذا تري هذه الحكومة من كل ذلك؟ وكيف تنظر من جهة أخري للحركة الشعبية كظاهرة قابلة للتمدد والتقليد؟. فلو تقدر أن الحركة الإسلامية في السودان التي يعتبر المؤتمر الوطني جزء منها هي من يحكم السودان([‌ن])، لكانت الإجابة الرفض القاطع لتقرير المصير ومواصلة القبض علي الزناد لردع الخروج عن السلطان والعود لمربع التفويجات والمتحركات الجهادية التي كنا نشاهد. فالواقع أن محاولة إصباغ ثورة الإنقاذ وإلباسها ثوب الحركة الإسلامية عبر واجهة المؤتمر الوطني ما هي إلا محاولة تجميلية سقط فيها منظر الحركة الدكتور الترابي لتطلعاته الشخصية وحلمه بحكم السودان. فالأولي، أي ثورة الإنقاذ لم تذرف الدمع حينما غادرها شيخها المذكور حسن عبد الله الترابي، أما الشيخ الترابي نفسه، فيحنما ولي أمر رسم مقالد الحكم في الجهاز الدستوري لثورة الإنقاذ، فالكل يعلم بما فعل لأجل نفسه!. وغيره من الأحزاب الإسلامية بالسودان تمثل عمق الأزمة السودانية المتمثلة في الحكم والفشل الذي هي ليست من يحكم السودان، بل هي واجهات إستغلها بإسم المؤتمر الوطني –ثورة الإنقاذ، ودليل آخر علي عدم تقلد الحركة الإسلامية، هي مسألة إعادة ترشح الرئيس البشير لرئاسة الجمهورية في إنتخابات 2015م وذلك ببساطة أن الرجل قد جرب بما فيه الكفاية فضلا عن أنه أعاق السودان وعطل كثيرا من مصالحه بسبب مطلوبيته من محكمة الجنايات الدولية. ولكن النتائج كلها جاءت غير ذلك، فالحركة الإسلامية في السودان هي من غضت الطرف وتركت طواعية أرضا مسلمة تنتزع كفرا من بعد إسلام، وتتبدل علمانية من بعد إستشهاد وحور عين!. إذا قطعا، إنها ليست الحركة الإسلامية من يحكم السودان ولا حتي الحزب الحاكم أو المجلس الوطني البرلمان، بل هي شريحة تقدر بـ 3% من السكان؛ هي من أسست لحضور "شبكي إستخلافي" في كل مفاصل الأمر بالسودان، منذ سبعينيات القرن الماضي، بطريقة مطابقة تماما لمفهوم ونسخة "الدولة العميقة!")[‌س](. فصار محسوبوها هم من ينظرون في الحركة الإسلامية، ويوجهون بالمؤتمر الوطني ومجلسيه القيادي والشوري، وهم من يقررون بإسم حكومة السودان، ومن يمررون الأجندات الأخري([‌ع])، وحتي من يسيطرون علي معارضة التجمع الديمقراطي الوطني بالخارج. فإنهم المنظومة المتكاملة ممن أسماهم قرنق مباشرة بـ (الجلابة!)([‌ف])، ومن أشار إليهم بشكل أدق المبعوث الأمريكي السابق للسودان أندرو ناتسيوس بـ (سكان وادي نهر النيل القابضين علي زمام السلطة لقرن من الزمان)([‌ص])، وإنهم ذات من أسماهم د. منصور خالد بطريقة أخري بـ (النخبة/الصفوة) في مؤلفيه: "النخبة السودانية وإدمان الفشل" و"حوار مع الصفوة". فالأنظمة المتعاقبة علي حكم السودان، منذ عهد الإستقلال وإلي ثورة الإنقاذ الحالية قد قدمت للعالم أكبر مثالا لنظام سيطرة القبيلة والقبلية في العصر الحديث، وذلك بإستخدام أبشع صور إساءة إستعمال السلطة وتقديم أسوأ إنموذج للديقراطية المزورة في العالم الثالث. فدولة الجلابة بالسودان تعتبر أقوي نظام عرقي، مثل خلاصة العنصرية الإثنية والعالم يودع القرن العشرين، ومثل أول دولة تتمسك بها إلي الآن والعالم يستقبل القرن الواحد والعشرين!
 
ومزاوجة بين تلك التسميات، يقترح الكتاب للتحول الملحوظ في المبادئ والقيم عند أولئكم النخبة الصفوة، الإشارة إليهم بـ "مجموعة الإنتهازيين المتسلقين Climbers Opportunists Group" وليس بـ "شُلة الأقلية" الدالة إلي الجلابة –نأياً عن تشخيص شريحة سكانية بعينها، ذلك لأن هناك رموزا منهم، هم أيضا من أخلص بني السودان، ولكنها تلك المجموعة هي من تسببت بالنبذ عليهم([‌ق])، تماما كما تفعل البصلة الفاسدة!. فحينما يشير الكتاب إلي فئة "الحكام الفعليين" يقصد بهم مجموعة الإنتهازيين المتسلقين!، ولكن عند الإشارة إلي شريحة الجلابة إنما يعنيهم بالمفهوم العرقي والجغرافي معا، من إشارة قرنق-ناتسيوس إليهم المأخوذة من واقع سيادة دولة المكوك الغير معلنة!، وهم علي ذلك –إفتراضيا حكام السودان الآن!. أما نخبة الدكتور منصور خالد وصفوته وقد تحولوا لإنتهازيين([‌ر]) فهم "الحكام الفعليين" ممن تسلقوا الحكم بعباءة الدين أو بالبزة العسكرية تارة وبالوطنية الزائفة للأحزاب السياسية تارة أخري. فمن خلال تصور الفرق بين الإثنين –الحكام الإفتراضيين والفعليين، وملاحظة وجه الشبه بينهما وسر إرتباطهما، نجد نوعا من المواءمة أشبه بمسرحية لعب الأدوار لتمحور تداول السلطة!. تجسدت هذا الحقيقة ماثلة دون أدني تردد أمام الجميع في عملية إختيار المؤتمر الوطني لمرشحية لرئاسة الجمهورية في إنتخابات أبريل 2015م حيث تم طرح كل من الرئيس عمر البشير، ونائبه الأسبق علي عثمان محمد طه، ومستشاره السابق الدكتور نافع علي نافع، ونائبه اللواء بكري حسن صالح ثم مستشاره الجديد البروفسور إبراهيم أحمد غندور –وهم جميعا من ذات الفئة المعنية! فالسؤال – كما برهن الكتاب الأسود بالحقائق وأكد بالأرقام، أي أيديولوجية أو ديمقراطية ندعي في هذا السودان، بل أي عدل ومساواة نتكلم عنها وما تزال عمليات الإقصاء والمحاباة والعنصرية والجهوية هي الطابع المميز للحكم فيه. ألا يتبرأ الإسلام وتنكر الديمقراطية من تهيمن فئة سكانية بعينها وإستئثارها بكافة المرافق الحيوية والوزارات السيادية بالدولة، وتوجيهها لفرص التنمية والإستثمار والتمويل دون معيار لرقعة جغرافية بعينها دون سائر الأقاليم. أليس يعيش السودان إستعمارا داخليا أبقي بذات القدر علي رموز بعينها قادة وحكاما إلي ما بعد سن المعاش وأحيانا حتي الممات، وأبقي علي غيرهم من أقاليم ومجتمعات أخري أتباعا فقط، إلي ما شاء رب العباد!
فالرئيس الحالي لجمهورية السودان المشير عمر البشير، كأحد من هؤلاء الجلابة، فإنه حينما يتذكر إلتزامه بالحركة الإسلامية تلك، كان يخرج لنا بمفردات الخطاب الإسلامي وتوعداته المعهودة([‌ش])، التي منها علي سبيل المثال تهديداته لنائبه حينها سلفاكير بالعودة للحرب ورجوعه للغابة بخاطبه الشهير بالقضارف، وتكراره لذات الأمر مع كبير مساعديه أركو مناوي موقع إتفاقية سلام دارفور بأبوجا، وكذا مهاجماته حول نشر قوات دولية بدارفور، وردود أفعاله بشأن مذكرات الجنائية الدولية، وغير ذلك الكثير، إلي جانب إعترافه بخطأ فصل جنوب البلاد أثناء مؤتمره الصحفي الخاص برفع الدعم عن المحروقات في سبتمبر 2013م، وكذا إعترافه الأهم حينما قال كيف يتقبل منا وأيدينا ملطخة بدماء أهل دارفور رمضان 1434هـ. ولكنه حينما يمس الأمر بقاء حكمه فإنه يفكر بعقله لا بعواطفه - أي بعيدا عن تلك المفردات وغيرها من توعدات، فيقرر بما تمليه عليه مصلحة البقاء بالسلطة علي حساب مبادئ الحركة الإسلامية([‌ت]). وعلي هذا الأساس، فقد كان نظام الدولة الإثنية في السودان والمتمثلة في تمحور تداول السلطة وجغرافية إنتمائها المستترة بزيف الشعارات المرفوعة والمبادئ المعلنة، كانت هي النظرة الأشمل للحركة الشعبية لطبيعة الحكم في السودان ومحور إهتمامها به لأجل التعامل مع ذلك الحاكم الفعلي للسودان، عبر ما أشرنا إليه فيما سيأتي لاحقا بفلسفة المواءمة!.
 
فالإجابة حول مدي علم الحكومة السودانية بحقيقة الحركة الشعبية وأبعاد إستراتيجيتها المشار إليها آنفا، تتضح من تلك التسريبات القائلة بأن الحكام الفعليين في عهد الإنقاذ قد أدركوا جيدا أن الدكتور جون قرنق - كما الشيخ حسن نصرالله، كان يعني ما يقول!، خاصة تهديده الشهير "أنا بشرب قهوة في شندي/متمة!"، والذي إنعكس في تصرفات أبناء الجنوب القاطنين بمدن العاصمة السودانية وإستباحتهم للأفراد "الجلابة" نهبا لهم بالأحياء الطرفية، وتعديا عليهم أثناء المبايعات بالكناتين والمطاعم (وجبات عشاء الفول المصري)، وعند إستخدام المواصلات العامة؛ وكذا عندما تجرؤا بخلق حالة من الفوضي الدامية بالعاصمة المثلثة عند مقتل قائدهم نائب الرئيس السوداني وزعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق عينه في حادثة تحطم طائرته بجنوب السودان!. وتبرز الإجابة جلية بعيد خروج الدكتور حسن الترابي من حكومة المؤتمر الوطني في الأزمة المعروفة بالمفاصلة ما بين البشير وشيخه الترابي وما ترتب عليها من تداعيات أمنية خطيرة علي الساحة السودانية ككل، تسرب علي إثرها إمتثال الحكام الفعليين للأمر الواقع، وإعترافهم بأن الإنقاذ تحت ذلك التهديد "القرنقي" وما تبعه من مفاصلة "ترابوية" أتت بالتمرد في دارفور، هي آخر فرصة متاحة لهم، حيث لا مجال لهم كشريحة للحكم مرة أخري، لا عبر صناديق الإنتخابات ولا عبر الإنقلابات، أي كما يتردد "لا بالبوت ولا الصندوق!"؛ كتنبوء منطقي نتيجة ذلك التهديد وتلك المفاصلة وتداعياتها!. فالذي قاله ناظر الجعليين لعرمان ومن ثم للدكتور منصور خالد هو إمتداد لمضمون مامورية اللواء الهادي بشري الخاصة بتوصيل رسالة محددة لتجمع المعارضة السودانية بأرتريا، حيث – بالنتيجة – فسر الدكتور منصور مهمة هذا الناظر بأنها وطنية منه، حتي بني عليها دحضه بشكل معكوس لقصة شرب قرنق القهوة في المتمة في كتابه – تناقص الأوتاد وتكاثر الزعازع (ص: 282)، بأنها أسطورة روجها سخفاء العقول لتأجيج الغضب الشمالي ضد قرنق بأن كل الذي يبتغيه هو إذلال الشمال، وكيما يبلغ الإذلال غايته إختاروا هدفا له - أهل السروج والخيل!. ولكن بالرجوع لذات الكتاب –فيما روي الدكتور منصور فيه بنفسه –قائلا: (ففي إفتتاح مؤتمر الحزب الإتحادي الديمقراطي في القاهرة (4/5/2004)، إعترضني رجل إلتقيته للمرة الأولى وقدم نفسه بأنه حسن نمر عمدة الجعليين. إستقبلت الرجل بما يجدر أن أستقبل به مثله من الترحاب، ثم إستمعت لما أراد أن يفضي به إلي ، قال: لي رسالة أرجو أن تبلغها للدكتور جون قرنق إن لم يكن قد بلغها له ياسر عرمان الذي حملته نفس الرسالة إبان زيارة وفد الحركة للخرطوم)) قلت: ما رسالتك ؟!..أجاب: أبلغه ((إن الذين يرموننا بالعنصرية لا يعرفوننا وأنقل له إني سأكون على رأس مستقبليه في الخرطوم لأصطحبه معي للمتمة، ليشرب القهوة مع أهلها)). وأيا يكن فإن هذا ما يؤكد قوة التأثر بوعيد شرب قرنق القهوة في المتمة كمهدد إنشغل به الجميع حتي علي مستوي الإدارة الأهلية والناس العاديين بما فيهم الفنانيين اغنية قهوة شاربة موية النيل وغيرهم من أهل "السروج والخيل" بشريط النيل!.
 
وعلي وقع تلك الأحوال ووطأتها والنظر إليها بعيون الحكام الفعليين، يمكننا قراءة الوجه الحقيقي لثورة الإنقاذ. فبداية كان ذلك الترتيب الذي جاء بالإنقاذ إلي سدة الحكم، كما ورد في الرواية المعروفة ما بين الرئيس البشير والدكتور حسن الترابي، ثم محاولة إنقلاب الأخير علي الأول والتي حسمها ذات الترتيب لصالح الأول، ثم يستمر نفس الترتيب محافظا علي وجوه بعينها بالحكومة ومبدلا ومغيرا أخري بأخري، لتتضح صورة ذلك الوجه الذي تباينت سمات ملامحه بين الإدعاء - "هي لله هي لله، لا للسلطة ولا للجاه!" والتنازل عنها وعن سائر طموحات المشروع الحضاري لمستوي الأنانية وحفظ الذات!. وتأتي قضية حكم الإعدام للردة للمسيحية بحق المواطنة مريم يحي إمتحان آخر للمشروع الإسلاموي الذي لم يراع مصلحة البلد العليا  من باب لا ضر ولا ضرار ولم يحفظ للدين مكانة في إعلاء كلمة الله وهو في تضاد معها بدءا بنصوص الدستور السوداني وحتي كل تلك المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقع عليها السودان والتي تنص وتضمن لجميع مواطنيه حرية العقيدة والإعتناق لأي دين دون إكراه في ذلك من جانب آخر. إنتهت القضية لصالح المجتمع الدولي بإطلاق سراح المحكومة
 
توجهات الشيخ الترابي وتقارباته مع الحركة الشعبية ومن ثم العودة الي الحكومة فيما سمي بالحوار الوطني ابريل 2014م -  وتاتي المذكرة التي وقعها نيابة عن الشيخ موسي هلال الاستاذ إسماعيل أغبش مع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بأديس أبابا في 11 يوليو 2014م ينبغي ان تكون بطاقة حمراء في وجه الشيخ هلال..ذات المذكرة حينما وقعها حسن الترابي في العام 2001 أفضت به الى غياهب السجن وكادت ان تطيح براسه..اي تراخ او محاولة لإيجاد العذر للشيخ هلال ستوحي بضعف الحكومة او ممارستها الخيار والفقوس مع من يحملون السلاح. أخشى كثيرا من خطوة شيخ موسى القادمة فالرجل محفوف بالطموح ومسنود برجال لا يجيدون السياسة ..ولكن من الطموح ما قتل.
 
 
 
وفي ظل تلك الأحوال وظروفها التي تلت والمتغيرات التي أعقبت والحقائق التي تبدت –عن واقع التجربة لنظام الإنقاذ؛ وجد المجتمع السوداني نفسه مشلولا بأزمة بديل، وتفاجأ الجوار الإقليمي متأرجحا تارة بين التأييد والتنكيل، والمجتمع الدولي ملوحا بعصا المصالح والتطبيل!. أعطت هذه المواقف جميعها فسحة لنظام الإنقاذ لم يستفد منها في توفيق أوضاعه، بل سخرها لتوضطيد حكمه وإستحكام قبضته بذات الترتيب الذي يقف من ورائه أولئكم الإنتهازيون المتسلقون([‌ث])، الذين هم بالضرورة مؤتمر وطني ظاهرا، وباطنا –علي طريقة "كل حزب بما لديهم فرحون" أنهم شيعة وشيوعية، وصوفية وعلمانية، ووهابية وماسونية – في تجمع متناقض، وحبكة قالوا إنها شجرة جامعة إلا لمن أبي!. وأعتقد للمناسبة، أن أصل تلك الشجرة مأخوذ نكاية بما قاله الإستاذ محمود محمد طه حينما تنبأ واصفا إياهم عام 1979م بالشجرة الخبيثة في كتابه "الكذب وتحري الكذب عند الأخوان المسلمين" – قائلا: (فإننا قد أخذنا على أنفسنا أن نرفع بلادنا، ومن ورائها الإنسانية جمعاء، من وهدة الجهل والتخلف، ولن نتوانى، أو نتراجع، أو نتهاون، في هذا الواجب المجيد، رغم ما يعترضنا من هوس الأخوان المسلمين، وعنفهم، ولسوف نصر على المنابر الحرة، حتى تقتلع هذه الشجرة الخبيثة من تراب أرضنا الطاهرة باذن الله، ونحن على يقين أن هذا الأمر لن يطول به الأمر، ذلك بأن خيانة الأخوان المسلمين، وكذبهم، وسوء خلقهم وقلة دينهم، ستتضّح لشعبنا بصورة جلية، عمّا قريب، ويومها سيتم العزل التام – عزل الأخوان المسلمين عن هذه الدعوة الدينية التى يتشدقون بها – وسيطّهر الأسلام مما يلصقونه به من تشويه، ومن شوائب!). هي تمرير الأجندات ومن نتائج تلكم الحبكة الخلطة
 
وهكذا أصبحت أبواب السودان مشرعة على مصراعيها لكل الأيديولوجيات الممنوعة فى بعض البلدان العربية وكل النشاطات الإرهابية المحظورة طوعا أو قسرا، وبذلك يتحول السودان الى سوق عكاظ حيث يجرى تحريك الفتن والدسائس ويصبح السودان معسكرا مقفلا ياتى اليه القتلة والارهابيين من صقع وزاوية لتصفية حساباتهم وخلافاتهم السياسية والشخصية والقبلية والعشائرية الملتبسة بالايديولوجيات الدموية,,,,ونحن اذ ندق ناقوس الخطر,,,ونقول للذين هم أصدق وطنىة واكثر حبا وخوفا على هذا الوطن أن يتحركوا قبل فوات الآوان, حتي أتيحت الفرصة وإنفرجت الأبواب لتتشكل مختلف التيارات داخل حكومة المؤتمر الوطني – منها من هو علماني بجلباب الإخوان ومنها من هو ماسوني ومنها ما هو إنفتاحي حتي علي إسرائيل وغيرها كوالي القضارف وغيرهم برلمانيين ابحث!!. ومن هنا نفهم أن إدارة الحكم في البلاد تتجاذبها تلك التيارات كل يعمل لصالح محسوبيه علي ذلك المنوال. وعليه نجزم أنه قد نجح التيار الإنفتاحي في ترتيب تلك الزيارة التاريخية التي قام بها بابا الفاتيكان المعروف بالبابا الثاني في عهد الإنقاذ للخرطوم ما كانت لتتم لولا إطمئنان الكنسية وهكذا كانت فلسفة ذلك الترتيب، الذي كشف من طبيعة ذلك الإحتشاد كيف أنه أدخل الجميع في دوامة الإرباك والتغييب، حتي تنصرف الأنظار ويتوفر الغطاء لتمكن شريحة بعينها في الحضور الغالب والتمثيل الأكبر للتهيمن والتوالي علي حكم البلاد. فهذه الشريحة هي الحاكم الفعلي جنسا وجهة وهي الوجه الحقيقي فكرا وترتيبا لثورة الإنقاذ، الطامحة لمجرد بقائها في السلطة ولو علي حساب الوطن –أرضا وعرضا وعقيدة وتوجها!.
 
عليه، فإن تلك الحقيقة كما تبدت واضحة للمهتمين بالشأن السوداني، من خلال ذلك الإدعاء والتنازل عنه وأنانية الحكام الفعليين وطموحاتهم المعلومة، هي ما تبرر من ناحية أخري؛ كيف وجدت المخابرات الأجنبية ضالتها في الحكومة والمساومة معها – تحت ذريعة الحرب علي الإرهاب – لتمرير أجندتها الخاصة بفصل الجنوب وضرورة فتح المعابر في المناطق المضطربة للتحرك الآمن لطواقم المنظمات الإنسانية والبعثات الدولية، وما صحب ذلك من إتصال وتعاون نجحت فيه تلك المخابرات وحكوماتها في تحقيق كل أغراضها في مقابل ترك الحكومة وشأنها!. وجدير بالذكر في هذا الإتجاه هو ذلك الضغط المضروب علي السودان حول تدفق صادر البترول والنظر إليه كعامل مهم في تقوية النظام الحاكم فيه. عليه فقد بدأ الصراع على النفط بين الشمال والجنوب من خلال لعبة النفط وصراع المصالح في موارد أفريقيا حيث بروز الصين وماليزيا في مقابل خروج شركات النفط الأمريكية تحديدا من السودان.   أين ذهب النفط السوداني وكيف تم استغلال عائداته؟ وقد تعرض باستفاضة الى الدور الحاسم الذي لعبه النفط في تأجيج الحرب الأهلية أولاً، كما عطف على الدور الذي لعبه النفط – في مرحلة لاحقة - في الدفع باتجاه السلام، من حيث أنه عزز القدرات العسكرية للحكومة المركزية مما إنعكس على ميادين القتال، فكانت لها اليد العليا. وهو الأمر الذي دفع تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)  الصادر في فبراير 2001، والذي تبنته إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لأن تنصح الحركة الشعبية بأن تجنح الى التفاوض المدعوم من حكومات الغرب بغرض الوصول إلى سلام عادل وإقتسام عائدات النفط، بدلاً من العمل على تعطيل الإنتاج وإيقافه. وتلك زوايا شديدة الأهمية في تقديري من الوجهتين التاريخية، حيث الدروس والعبر، والاستراتيجية حيث المستقبل المحفوف بالتساؤلات، لم تنل حظها من البحث والدرس المستحق   فظهور النفط في السودان يتعارض مع ذلك الحصار الذي تفرضه الإدارة الأمريكية علي السودان وما يهمها فيه تضرر جنوب السودان من ذلك حيث سعيها لضرورة فصله لتجنيبه مضار ذلك الحصار. وعليه فإن إستمرار تدفق النفط  وما نتج عنه من دخول لرؤوس أموال أجنبية وتمويل صناديق إستثمار بما فيها صندوق النقد الدولي الذي أخذ في توفيق الأوضاع وتطبيعها مع السودان البلد الذي طالما هم بطرده منه في يوم من الأيام، كان الضربة القاضية لفكك نظرية الاحتواء المزدوج للنظام السوداني ومحاصرته وعزله إقتصاديا ودبلوماسياً، مما أضر في النهاية بمصالح المعارضة السودانية ومجموعات الضغط الأجنبية التي تساندهما. عليه فقد حاولت معارضة التجمع الوطني الديمقراطي وحزب الأمة إعاقة تصدير النفط بإعتدائها ثلاث مرات علي الخط الناقل للنفط الخام، ولكنها لم تفلح لإنهيال الإدانات الشعبية من الداخل عليها. ثم تكفلت الحركة الشعبية بالأمر حيث وضعت إيقاف ضخ النفط وتصديره شرطاً لازماً لوقف إطلاق النار الدائم بينها وبين الحكومة، إلا أن الحزب الشيوعي السوداني الذي هو من أقرب المقربين إليها قد رفض هذا الشرط تماما، متهما الدكتور جون قرنق بعدم الإلتزام بالقضايا الوطنية الكبرى!، وهكذا رفضت أيضا بقية الأحزاب السياسية الأخرى، حتي حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي رغم إتفاقه مع الحركة الشعبية في فبراير 2004م فيما عرف بـ (تفاهم جنيف)، ما جعل الدكتور جون قرنق يصرف النظر عن هذا الشرط نهائيا([‌خ]). ثم جاءت مجموعات الضغط المسيحي والكنسي بمطالبة الكونغرس والإدارة الأميركية لتكثيف الضغط على الشركات العاملة في بترول السودان وبخاصة الشركات الكندية والأوروبية، لوقف العمل والإنسحاب من السودان، وإلا لخضعت لعقوبات منها الحرمان من تداول الأسهم في بورصة نيويورك، وقد نجحت في ذلك. كما أصدرت الإدارة الأميركية قرارات جمدت بموجبها عائدات النفط السوداني ووضعها في حساب خاص حتى تكتمل عملية السلام في البلاد، بدعوى أن الحكومة السودانية تستغل تلك الأموال في تسليح الجيش ومن ثم تأجيج نار الحرب والاستمرار فيها. وأن هذه الضغوطات قد نجحت نهاية الأمر إلى إن قامت الولايات المتحدة بالإتيان بقانون الطوارىء الوطني المفروض على السودان منذ 1997، والعمل بتجديد العقوبات الأميركية سنويا على السودان.فقد مثلت هذه الضغوط وما تبعها من حصار إقتصادي وعقوبات أمريكية في هذا الشأن، تحديا آخر بالنسبة للنظام القائم بالسودان، حتم عليه ضرورة التفكير في إيجاد مخرج، عبر المساومة الإستخباراتية في الحرب علي اإلارهاب، المسلك الدبلوماسي أو الوصول لتسوية في شأن الحرب في جنوب السودان كما إشترطت الإدارة الأمريكية، إلا أن كل هذه الجهود باءت بالفشل رغم ما تم التوصل إليه من إتفاق مع الحركة الشعبية! الموضوعية !!!!!!!!!!
 
إذا لا بد من الإتيان بخطة ما توفق بين تدارك تلك التهديدات وبين تحقيق طموحات الحكام الفعليين الهادفة لحماية العرش والإرث!. فالمهددات قوبلت بالرضا بفصل جنوب البلاد وأما حماية العرش والإرث فقد قوبلت بتبني سياسة بقاء الإنقاذ، كمعادلة ربطت صيرورة الأول بمصير الثاني ليتكشف من خلالها سر ذلك الإهتمام الخاص بجدية التخلص من الحمولة الزائدة والنجاة بمتبقي المركب لأطول رحلة حكم ممكنة!. وخير شاهد عن هذه الخيبة والأنانية السافرة، هو ذلك المخطط العنصري الذي كشف عنه وزير المالية الأسبق الدكتور عبد الرحيم حمدي والقاضي بعدم إعتبار أطراف السودان في معادلة دولة الحكام الفعليين والتي عبر عنها بحدود ما عرف بإسمه بـ "مثلث حمدي"، والذي أكدته مؤخرا تصريحات الدكتور نافع علي نافع، مستشار سابق لرئيس الجمهورية، عن بناء السودان الحقيقي بحدود ذلك المثلث الذي يشمل محور دنقلا وسنار وكردفان - أي مدينة الأبيض. وهنا نذكر جميعا سياسة التمكين التي إنتهجتها الحكومة منذ أشهرها الأولي، بأشكالها المتعددة المتمثلة في التزكية للتوظيف والإحلال والإبدال للصالح العام([‌ذ])، ما هي إلا وجه آخر من الوساطة والمحسوبية لتطبيقات أولية لمخطط بعيد المدي، تمثل فيما بعد ملموسا في تطوير عوامل إستمرار بقاء الإنقاذ لأقصي ما يكون والتي شهدنا عبر السياسات المتخذة (اما الوثبة والحوار ما هي الا مرحلة اخري لاجل تمديد عمر الانقاذ) بالآتي:
الإستراتيجيات العشر لخداع الجماهير
 بروفسر نعوم تشومسكي :
1- إستراتيجية الإلهاء
 عنصر أساسي للضبط الاجتماعي، تنفذ إستراتيجية الإلهاء في تحويل أنظار الرأي العام عن المشاكل الهامة والتحويلات المقررة من طرف النخب السياسية والاقتصادية، وذلك بواسطة طوفان ...مستمر من الترفيهات والأخبار اللامجدية. إستراتيجية الإلهاء أيضا لازمة لمنع الجمهور من الاهتمام بالمعارف الأساسية، في ميادين العلوم، الاقتصاد، علم النفس، وعلم التحكمية... "الإبقاء على انتباه الجمهور مشغول، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، مأسورا بمواضيع دون فائدة حقيقية. الحفاظ على جمهور منشغل، منشغل، منشغل، دون أدنى وقت للتفكير؛ ليرجع إلى ضيعة مع باقي الحيوانات" كما جاء في كلام تشومسكي نقلا عن نص استخباراتي "أسلحة كاتمة من أجل حروب هادئة"
 
2- خلق المشاكل، ثم تقديم الحلول:
هذه الطريقة تدعى أيضا "مشكلة-ردة فعل-حلول"
نخلق أولا مشكلا، تحدث ردة فعل معينة من طرف الجمهور، بحيث يقوم هذا الأخير بطلب إجراءات تتوقع قبولها الهيئة الحاكمة.
مثلا، غض الطرف عن نمو العنف ، أو تنظيم هجمات دموية، حتى يطالب الرأي العام بقوانين أمنية على حساب الحريات. أو أيضا: خلق أزمة اقتصادية لتمرير -شر لا بد منه يؤديإلي - تراجع الحقوق الاجتماعية وتفكيك المرافق العمومية.
 
3- إستراتيجية التقهقر
 من أجل تمرير إجراء غير مقبول، يجب تطبيقه تدريجيا، - بالتقسيط -، على مدى ثلاث خمس أوعشر سنوات. عبر هذه الطريقة تم فرض ظروف إجتماعية إقتصادية حديثة كليا -الليبرالية الجديدة- في فترات سنوات الثمانينيات. بطالة مكثفة، هشاشة اجتماعية، مرونة، تحويل مقرات المعامل، أجور هزيلة، كثير من التغييرات كانت لتحدث الثورة لو تم تطبيقها بقوة وفجأة .
 
4- إستراتيجية المؤجل
 طريقة أخرى لإقرار قرار غير شعبي، هي في تقديمها ك " شر لا بد منه "، عبر الحصول على موافقة الرأي العام في الوقت الحاضر من أجل التطبيق في المستقبل. لأنه من السهل دائما قبول تضحية مستقبلية بدل تضحية عاجلة. أولا، لأن المجهود لا يتم بذله في الحال. ثم يميل الجمهور إلى الأمل في " مستقبل أفضل غدا " وإن التضحية المطلوبة قد يتم تجنبها. وأخيرا، هذا من شانه أن يترك الوقت للجمهور للتعود على فكرة التغيير وقبولها باستكانة عندما يحين الوقت.
 
5- مخاطبة الرأي العام كأطفال صغار
 تستخدم أغلب الإشهارات كلما توجهت إلى الكبار خطابا، لماذا؟ إستخدام خطاب ولهجة صبيانية جدا، غالبا ما تكون اقرب إلى التخلف العقلي، كما لو كان المشاهد طفلا صغيرا أو معاقا ذهنيا. كلما حاولنا خداع المشاهد، كلما تبنينا لهجة صبيانية لماذا؟؟ بسبب الإيحائية أو ردة فعله خالية من الحس النقدي "كما الطفل
 
6- اللجوء إلى العاطفة بدل التفكير
 اللجوء إلى العاطفة هي تقنية كلاسيكية لسد التحليل العقلاني، وبالتالي الحس النقدي للأفراد. كما أن استخدام المخزون العاطفي يسمح بفتح باب الولوج إلى اللاوعي، وذلك من أجل غرس أفكار، رغبات، مخاوف، ميولات، أو سلوكيات...
 
7/الإبقاء على الجمهور/العامة في الجهل والخطيئة
 العمل على أن لا يفهم الجمهور التقنيات والطرائق والإستراتيجيات المستخدمة في التحكم فيه و إستعباده لذا يكون التعليم المقدم للشعب ضعيف، بحيث تكون وتبقى هوة الجهل التي تعزل الشعب عن رؤية المؤامرة
 
8- تشجيع الجمهور على استساغة البلادة والجمود:
تشجيع الجمهور على تقبل أن يكون أخرقا، أبلها، جاهلا جامدا
 
9- تبديل الرغبة فى الانتفاضة بالشعور بالذنب
 جعل الفرد يشعر أنه هو المسئول الوحيد عن شقائه، بسبب نقص ، قدراته أو مجهوداته. وهكذا، بدل الانتفاض ضد النظام الاقتصادي، يشعر الفرد بالذنب، ويحط من تقديره الذاتي، مما يسبب حالة اكتئابية من آثارها تثبيط الفعل. ودون فعل، لا ثورة .! عوامل فشل الربيع العربي بالسودان
 
10- معرفة السلطة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم
 مثلا خلال الخمسين سنة الأخيرة، حفر التقدم المذهل للعلوم هوة متنامية بين معارف العوام وتلك التي تمتلكها النخب الحاكمة. البيولوجيا، البيولوجيا العصبية وعلم النفس التطبيقي، توصلت الأنظمة إلى معرفة متقدمة بالكائن البشري، نفسيا وبدنيا.. توصل النظام إلى معرفة الفرد المتوسط أكثر مما يعرف هو ذاته. هذا يعني أنه في معظم الحالات، للنظام سيطرة وسلطة على الأفراد أكثر مما لهم أنفسهم
 
 
إن
 
D      الإزدواجية المدني-عسكرية: إن الخلطة المدني-عسكرية في نظام الإنقاذ هي سر تمكين ثورة الإنقاذ وإستمراريتها – المنسوب استراتيجة التحكم في الشعوب + الدكتور نعوم شيموسكي ونظرية إدارة المجتمعات
D      العمل علي تغيير تركيبة القيادة القومية للقوات المسلحة والشرطية مع التغيير الكلي لتشكيلة جهاز الأمن الوطني وتعزيزه ببناء قوة خاصة من جنسه!، مطلقة الصلاحيات ومتعددة المهام، وموازية بل متفوقة في تسليحها وتدريبها علي الوحدات القتالية والمليشيات المساندة الأخري؛ إظهارا للرعب والإرهاب، لردع وملاحقة وحبس وإسكات كل من يجرؤ أو يعبر بما يؤدي لتقويض النظام الحاكم.
D         تطويع الدستور وإعادة صياغة بعض القوانين حيث جاءت جميع التعديلات الدستورية لصالح توسيع صلاحيات الرئيس وجهاز الأمن
 
D      المحافظة علي لحمة المؤتمر الوطني وأزرعه المتعددة، وتمديده بالبلاد عبر ما سمي بسياسة تقصير الظل الإداري، وإظهاره تضليلا كأنه الحاكم الفعلي، وتزيينه بشعار قومية كاذبة خاطئة، بوصفه شجرة وارفة جامعة وضاربة الجذور!.
 
D      تبني سياسة التساهل في التعديات علي المال العام وما ترتب عليها من فساد منظم طال كل مؤسسات الدولة ومرافقها دون إستثناء، في ظاهرة لم يعهد لها السودان مثيلا في تاريخه، تم تركها طلقي وقد غض الطرف عنها دون محاسبة لتلك المؤسسات أو مقاضاة عامليها المتورطين في مقابل ضمان وتوسيع دائرة الولاء للنظام، كوسيلة لكسب أكبر قدر من القواعد لصالحه وإستمرار تأييده. فالحكومة تنفي ظاهرة التعدي علي المال العام جملة وتفصيلا، وخاصة رئيسها الفريق عمر البشير الذي ظل يدافع ويبرئ ثورة الإنقاذ عن هذه التهمة، بل ويهدد بالقصاص من كل من يتهمه في شخصه وأسرته وحكومته دون إثبات!. وملاحظة أخري تؤكد علي درجة ومستوي التعدي علي المال هو إرتفاع معدلات الفقر بالسودان بين سائر المواطنين إلا أن قرناءهم من الجانب الحكومي وخاصة الدستوريين وكبار الموظفين هم من أكثر الناس ثراءا بالسودان. فلو تم المسح لعدد العمارات الجديدة والمركبات الفاخرة بالطرقات لوجد أنها مملوكة بنسبة 85% لأفراد حكوميين. وهنا يحضرنا قول أحد رجالات ثورة الإنقاذ الصادقين، الفريق الزبير محمد صالح، نائب رئيس الرئيس عمر البشير، حيث قال مع بدايات الإنقاذ: (يا إخوانا: نحن ناس بسيطين، أولاد مزارعين؛ لو شفتونا ركبنا العربات، وبنينا العمارات؛ إعرفونا إننا فسدنا!). فالقائل قد إنتقل إلي رحمة مولاه إثر حادث سقوط طائرة في العام 1998م، ولكن الواقع المشاهد من بعد وفاة الرجل يفيد أن العربات الفارهة قد ركبت وبأعداد هائلة، وأن العمارات الفاخرة قد بنيت وبإمتدادات طائلة وذلك من خلال مظاهر للثراء المفاجئ محليا والأخبار الواردة عنه خارجيا وخاصة من دول شرق آسيا أندونيسيا وماليزيا والفلبين. وتأتي الإعترافة المنقولة على لسان نائب الرئيس السوداني وهو يناقش كيفية التصدي للفساد الذي استشرى وسط عضوية الحزب الحاكم. فقد أبدى نائب الرئيس تخوفه من أن يضطر الحزب إلى فصل كامل عضويته إذا رأى أن يفصل كل فاسد في صفوفه. اعتراف خطير ومخيف ومحبط للذين مازالوا يصدقون أن الدولة القائمة في السودان هي دولة المدينة أو دولة الصحابة الأوائل. هذه الإعترافة مثلت القشة قاصمة ظهر البعير، بالإضافة لتقارير المراجعين العامين بالمركز والولايات وتقارير منظمة الشفافية الدولية لثلاث سنوات متتالية، منذ العام 2010م، لتؤكد ذلك تماما!.    وهنا يزعم البروفيسور حامد التجاني الخبير والمحل الاقتصادي ورئيس قسم السياسات العامة والإدارة العامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة، عن وجود نحو (249) بئر بترول في السودان قبل الإنفصال كانت لا تعود معظم عائدات أموالها إلى الخزينة العامة، مؤكدا أن جملة إيرادات البترول حوالي (250) مليار دولارا، وليس (70) مليار كما هو وارد في تقارير المالية السودانية، حيث تذهب بقية الـ (180) مليار دولارا إلي جيب المؤمتر الوطني وليس جيب الشعب السوداني! عن أن هناك 180 مليار دولارا ذهبت لصالح الحزب المؤتمر الوطني  وصف الوضع الاقتصادي في البلاد بانه منهار حيث وصلت نسبة التضخم في البلاد الى ما لايقل عن (50%). وقال البروفيسور حامد في مقابلة مع راديو دبنقا تبث اليوم ان السودان اصبح اليوم من اعلى (5) دول في العالم من حيث الضرائب والجبايات والفساد المؤسسي . ووصف الموازنة العامة المعدة من قبل الحكومة للعام 2015 بانها موازنة التنبؤات الكاذبة ، مشيرا الى ان الحكومة تضع الموانة ، ولكن لا تعمل بها وتصرف في ذات الوقت على بند واحد ( الامن والمليشيات ) (2) مليون دولار يوميا.
 
D      إعتماد سياسة الإسترضاء والإسترضاع تجاه من لهم تأثير سلبي محتمل علي مجريات الأمور بالسودان، ومن أمثلة ذلك عملية تعيين إبني المهدي زعيم حزب الأمة والميرغني زعيم حزب الإتحاد الديمقراطي وغيرهم عبر ما سمي بالحكومة العريضة، وكذا عملية إخلاء موقع النائب الثاني لرئيس الجمهورية إرضاءا لأهل غرب السودان، بدءا بجلب الدكتور الحاج آدم يوسف كنائب لرئيس الجمهورية وإستخلافه من بعد بالإستاذ حسبو محمد عبد الرحمن.
 
D      إنتهاج سياسة فرق تسد كمؤامرة مدسوسة بتزكية ثقافة التصنيف لواقع المجتمع السوداني لعرب وغير عرب، موالين وغير موالين، والنظر إليهم بعين الإقصاء والمفاوتة، مع توافر عوامل التوتر فيما بينهم عبر إفرازات الممارسة السياسية المجحفة والتقسيمات الإدارية الظالمة وعلو منطق سيادة الأرض!. فقد كانت أخصب المياديين لتمرير هذه الثقافة هي مناطق الهامش والتماس الحدودي وما فيها من جرائم بإذن النظام أو حروب بإسمه، ومن موت ودمار وتشرد تحت سمعه وبصره!. وفرت هذه المؤامرة فتنة مستمرة ضربت الحكومة بها عصفورين بحجر واحد؛ النجاح في شق الصف  وإحداث التفرقة ثم الخروج بما يضمن لها وقوف قبائل بعينها معها عبر ما شهدنا ببيعات الولاء لمباركة منطق السيادة وسياسة البقاء!. وتبرز حقيقة ذلك التصنيف أيام إستيلاء قوات الجبهة الثورية السودانية لمنطقة أبي كرشولا وتصريحاتها بالتقدم نحو العاصمة، حيث لوحت الحكومة للتعبئة العامة علي أساس العرق بقدر ما زعمت أن التمرد إستهدف المواطنين علي أساس العرق أيضا –فقتل من هم عربا وترك غيرهم!. فعامل الإنتماء العرقي هو ما يشغل الجلابة وهو ما يريدون توسعة هوته، ولا يعجبهم فيه التقارب ما بين القبائل ولا العودة لماضي التآخي فيما بينها خشية التنبه للمؤامرة والإتحاد ضدها. وخير مثال هنا ما تفوه به معتمد شرق النيل بقوله - مخاطبا حشدا من ذات جنسه، أيام دخول حركة العدل والمساواة للعاصمة السودانية، مايو 2008م: (... إننا لن نسمح بخليفة آخر يجينا من الغرب – إشارة للخليفة عبدالله التعايشي!) - ثم،
 
D      العمل بسياسة تعمد إستبقاء مناطق الهامش وأهل الهامش منشغلين بما يجري في مناطقهم بلا نية حقيقية صادقة لتسوية ما يشغلهم. فالحكومة قادرة علي حسم كل مظاهر التفلت الأمني كما لها بذات القدر الإرادة الكافية لتوقيع تسوية شاملة مع التمرد، وهكذا وعدت الحكومة بل توعدت علي لسان رئيسها عمر البشير، كما سبق ذكره، بأن العام 2014م سيكون نهاية التمرد!، ولكنها تفضله وضعا مستمرا بين بين هكذا([‌ض])، متحكم فيه بشطر حركات التمرد والإتفاق مع بعضها من جهة، ولا بجعلها مهزومة أو منتصرة من جهة أخري. ذات الموقف يتكرر في عدم مكافحة أو مخاطبة أسباب الجريمة والجرائم الفردية أو الخلافات الإدارية وتركها حتي تتطور لصراع قبلي دامي. إنعكست هذه السياسة واضحة في تلك التقارير الأمنية التي ظل يرفعها قصدا وتضليلا المعتمدون للولاة والولاة لرئاسة الجمهورية بهدوء الأحوال وإستتباب الأمن، بينما واقع الحال يكون شيئا مختلفا تماما! –ثم،
 
D      إستخدام نظرية التتويه والتمويه المطورة من جريمة إدخال الجميع في دوامة الإرباك والتغييب، لصرف الأنظار وتوفر الغطاء لتمكن شريحة بعينها في الحضور الغالب والتمثيل الأكبر للتهيمن والتوالي علي حكم البلاد. وهذه واحدة من أخطر السياسات أذية علي المواطن حتي لا يعرف الحكم في الأشياء وأصلها وفصلها. ومن آثار هذه النظرية إنها قد نجحت نجاحا باهرا حتي أن معظم الناس العاديون صاروا ينسجون عليها ما طاب لهم من إشاعات.  وهنا فقد وصف د. فيصل عوض حسن هذه الجريمة، بأنها أحد صور وأشكال إستراتيجيات الـ(شر) في الأرض، والتي من بين تقسيماتها (أي إستراتيجيات الشر) التضليل بإطلاق الإشاعات لتغبيش الـ(وعي) العام وإطالة فترة هذا التغبيش، والـ(تمييع) أو الـ(مُراوغة)، وفرض الأمر الواقع بغض النظر عن القيم والمُثُل أو الحق والباطل. ومن تقسيمات استراتيجيات الشر أيضاً، الحرب النفسية واستثارة ردود الأفعال والتحكُّم فيها والحيلولة دون الإصلاح، ومُحاربة المُصلحين واستبدالهم بآخرين على درجة من الـ(هَشاشة) والابتذال  ومن أكثر ما لفت نظري، هو ما كتب  د. فيصل عوض حسن 16 مايو 2015م بعنوان: إستراتيجيات (الشر) الإسلاموية وإستفتاء دارفور، حيث فند بقوله؛ إنشغل السودانيون خلال الأُسبوعين الماضيين بأمورٍ كثيرة، بعضها (دموي) وبعضها الآخر (مُدهش)، مع تنوُّع في أُسلوب وطريقة النشر والصناعة (الحَبْكَة)، ووجود (إستفهامات) أو ما يُعرف بالحلقة المفقودة، سواء كان الأمر (حَدَثاً) أو (تصريحاً)، فالهدف – وفق المُعطيات – كان إشغال الرأي العام! وعلى سبيل المثال، تصريحات رئيس برلمان المُتأسلمين بعدم (دَفْنْ) كل من ينتقدهم و(ابتلاعها) لاحقاً عقب إيفائها بالغرض وهو إشغال الناس! ثمَّ الـ(جِسْمْ) الـ(مجهول) الذي تمَّ التعامُل معه (دون) معرفة هويته حتَّى الآن، وتَرْكْ هذه الـ(مُهمَّة) للرأي العام! ثمَّ الأحداث الدموية ضد طلاب دارفور، والتي أعقبها الـ(سَمَاح) بـ(جريمة) أكبر فَقَدَ السودانيون على إثرها أرواحاً غالية من أبناء الرزيقات والمعاليا، رغم علم المُتأسلمين بالحشود و(إعلانهم) بل تأكيدهم بوجود قوات (عازلة)، لينتهي الأمر كالـ(سابق) بتشكيل لجنة! وأخيراً، مَتاهة (غسَّان) وما دار بشأنها من دراما وتداعيات، وهي في مُجملها، استهدفت أمراً واحداً هو إلهاء الرأي العام عن مُصيبة يسعى لها الأبالسة في غفلة من الناس! –ثم؛
 
D      إعتماد سياسة الإلهاء والإغراء والإغواء المستهدفة لقطاعات الشباب والشابات والتي تعمل بتناغم بعدة أوجه وإتجاهات بهدف كسب التأييد أو التغييب أو التحييد عن القيام بأي فعل مضاد –من قبلهم للنظام الحاكم. من أوجه هذه السياسة وإتجهاتها الملاحظة في المشهد العام والمعاش منذ قيام ثورة الإنقاذ، نورد أمثلة ثلاثة علي سبيل المثال لا الحصر بالتفصيل الآتي:
   
Ø     الإتجاه الأول متبني بواسطة المؤتمر الوطني –الحزب الحاكم عبر ذراعه المعروف بإتحاد شباب المؤتمر الوطني المعزز بإتحادات الطلاب الموالية للنظام الحاكم. يقوم هذا ببث برامج تفاعلية مدروسة تطرح
Ø     الإتجاه الثاني –جريمة ظاهرة إنتشار المخدرات ومذهبات العقول: الشحنة اللبنانية
Ø     الإتجاه الثالث بث برامج ..... وسائط ..... شبكات الإتصال
 
D      التحكم في تأثير وسائل وآليات تشكيل الرأي العام لصالح إستمرارية النظام الحاكم وذلك بإحكام السيطرة التامة علي الإعلام وكل وسائله المختلفة وتحويلها لأبواق لا تصدع إلا بما يملي عليها، مع موافقة وتأييد إستمرار برامجه وإصداراته الداعمة لخطة فرض ثقافة جهوية محددة هي المتمم لإظهار صورة الجلابة وكأن ما عداهم من قوميات لا تحمل إرثا ولا تاريخا يستحق ذكرا.
 
D       
 
هذا ما علم من وسائل بشأن خطة تطويل عمر حكومة ثورة الإنقاذ والتي يعتبر فيها الرضا بقبول فصل الجنوب أهم السياسات الغير معلنة كخيار مدخر يلجأ إليه عند بلوغ مستوي تلك المهددات المرحلة الحرجة. أما من جهة مهدد الإضطراب المدني فقد إستفادت الحكومة من سأم المواطن العادي ونظرته السالبة للمعارضة الحزبية كبديل فشل في كل محاولاته الإطاحة بها، وأما المعارضة المسلحة وإسهامها في إثارة الشارع، فقد نجحت الحكومة من جانبها في تصويرها بالعلمانية ورميها بالعمالة المخربة وذات الأجندة الأجنبية. فسأم المواطن ونتائج أفعال المعارضة المسلحة المتكررة والتي تضرر منها ذات المواطن أكثر من تضرر النظام الحاكم في عقر داره، إلي جانب الحملة الإعلامية الحكومية المنتظمة ضدها، فقد ضمنت للحكومة من ذات المواطن مكسب المحسوبية والمناصرة الجهوية والقبلية – خاصة بالعاصمة القومية الخرطوم. هكذا فقد الشارع ثقته في معارضة يري فيها عدم التلبية لطموحاته متمنيا زوال قياداتها الهرمة([‌غ]) قبل زوال الحكومة ذاتها. ففي كل مرة يخرج فيها المواطن للشارع يجد نفسه مخزولا من غياب وجوه المعارضة المعروفة ويكون من جهة أخري مفتقرا لقيادة تنظيمية جامعة، هي ما ينقص هذا الشارع لقيام ربيع عربي ناجح بالسودان. وعلي هذا الضياع المحتمل نجد أن عزاء هذه الأحزاب المعارضة ليس في عدم جزمها بفشل ربيع السودان وإنما تصريحات زعماؤها المتكررة بتحول هذا الربيع لحرب أهلية بالسودان، وهي الدعاية المجانية التي جاءت مبرمجة لصالح الحكومة ضمن مؤامرة منظومتها المستحكمة بالبلاد!. فهذه الدعاية فإنها ببساطة تعني تخويف الناس من حرب يخشاها الجميع وهم لا يريدون تكرارها بالسودان كما شهدوها في بلاد غيرهم –في اليمن، مصر، ليبيا وسوريا –حتي ينتهي أمر هذا الربيع الذي طال علي طريقة الصبر علي: "جن تعرفه ولا جن تتعرف عليه!". وخير مثال في هذا الصدد هو حياد ذات المواطن وصمته الكبير عن التجاوب مع إنتخابات أبريل 2015م
 
النقاط الواردة أعلاه، بشأن خطة بقاء الإنقاذ والتي شمل بعضها سياسات التدمير وهدم النسيج الإجتماعي وعمليات التخريب المنظم –سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، هناك إعتقاد جازم بأن عملاء الماسونية –الإسلاميون المندسون هم من يقفون
 
وتوضيحا لهذه المؤامرة المستحكمة بالبلاد والمتسترة خلف الخداع السياسي والتنظيمي وأساليب التمويه المضروبة علي الشعب السوداني للهيمنة والسيطرة عليه، نجد أنها قد إمتدت حتي طالت إتحادات العمال عبر ما سمي حينها بمؤتمر الحوار النقابى الذي إنعقد في أغسطس 1990م، بحجة توحيد الحركة النقابية تحت مسمى المجلس الأعلى للحركة النقابية والتمويه بتضمين معايير منظمة العمل الدولية في لوائحه. ولكن من واقع حيوية هذا التنظيم والتي تكمن في أهميته كعامل إستقرار أو زعزعة للأنظمة الحاكمة –قابل للتفعيل حسب الطلب، فقد بادر الحكام الفعليين وأخذا بالدرس المستفاد من إضرابات العاملين أثناء فترة الرئيس الأسبق جعفر نميري، والتي تطورت لإنتفاضة عامة حتي الإطاحة به؛ بتنظيم ذلك المؤتمر الذي من تاريخه وعلي طريقة (الغراب ما بـ سل عين أخيه - أي لا يفقأها)، تولي رئاسة هذا الإتحاد من هم علي شاكلة هذا المثل؛ كل من الأستاذ تاج السر محمد عبدون، والبروفسير إبراهيم أحمد غندور والذي نال المكفأة بتعيينه مستشارا لرئيس الجمهورية أواخر 2013م، إضافة لتقليده وسام الجمهورية من الطبقة الأولي وذلك للدور والإنشطة الإيجابية الممارسة للتحكم في هذا الإتحاد وعدم قيام أي إضرابات أو إعتصامات طيلة مدد دوراتهم والزائدة عن ثلاثة وعشرين عاما!. فمجموعة المتسلقين الإنتهازيين - من واقعهم الفعلي والإفتراضي داخل الحكومة أو خارجها، عبارة عن منظومة هدفها السيطرة للتوالي علي السلطة، في منافسة حصرية بما لهم من وجود غالب حاسم بأي حكومة قائمة، ووجود فاعل بأي من أحزاب المعارضة بشقيها الحزبي التقليدي بالداخل أو بتجمعها المعارض بالخارج. وهنا فإنه حتي عند حدوث إنقلاب ثورة الإنقاذ يونيو 1989م، تناست ذات الأحزاب ما تواثقت عليه عبر ما أسمته بشرعية الدفاع عن الديمقراطية الموقعة من كل الأحزاب للقيام بعصيان مدني مباشرة ضد أي إنقلابيين مستقبليين. وعلي هذا، فإنها ليست غريبة مبادرة التجمع الديمقراطي الوطني في مؤتمره المعنون القضايا المصيرية للسودان بأسمرا عام 1995م، والتي نادت بمنح الجنوب حق تقرير المصير([‌ظ])، دون الأخذ برأي أهل السودان كلهم، في سيناريو قام رجال الإنقاذ لاحقا بقبوله في بروتكولات مشاكوس الموقعة في يوليو 2002م، وأيضا دونما إعتبار لرأي المواطن السوداني المغيب منظومة (معارضة وحكومة). ولكن من غرائب الصدف أن يأتي البشير ليفصح بالقول: إن حكومته تلقت اعتذارات من قوى دولية، لم يسمها، عملت من أجل فصل الجنوب بغية تدمير الشمال، وأضاف أن تلك الجهات الدولية تطالب الآن بإعادة النظر في إنفصال الجنوب والعمل على إعادة الوحدة بين السودان ودولة جنوب السودان، وقال إن «الأمر حتى لو تم قبوله يتطلب إستفتاء أهل السودان ليقرروا فيه». وأضاف: «أعداء الوطن أصبحوا في حيرة بعد فصلهم الجنوب لدمار الشمال وليس لأي سبب آخر والآن يأتون ويقولون نحن غلطانين (مخطئين) لم نسمع كلامكم ونحن (ندمانين)، ودعونا للتوحد». وقال: «نحن دولة قائمة ولكي ينضم لنا جزء آخر لا بد أن نستفتي الشعب السوداني لأخذ رأيه هذا إذا نحن إقتنعنا».
 
    وهذا الأمر – المنظومة، يؤكده الدكتور قرنق في موقفين؛ الموقف الأول عند نجاح الإنتفاضة وإسقاطها لحكومة جعفر النميري في إبريل 1985م، توددت كافة أحزاب المعارضة وتحالفها الديمقراطي للحركة الشعبية للإلتحاق بالديمقراطية الثانية، ولكن الرجل فضل بقاءه متمردا بالغابة لزعمه أن المٍسألة مجرد تغيير وجوه وحسب!، والموقف الثاني؛ يأتي من إتفاقية نيفاشا، فإنه حينما وقعها وقعها فقط مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم، وإنه لذات الزعم لم يعر ذات الأحزاب المعارضة ولا تجمعها الديقراطي مع ما أقره بحق الجنوب في تقرير مصيره، ولا كل من وقع منها إتفاقا معه أي إنتباه، فإنهم في نظرته وحساباته منذ العام 1955م وإلي العام 2005م، شيئ واحد مهما تصالحوا مع الجنوبيين كمعارضة أو حكومة أو تقاتلوا كشماليين ضد بعضهم البعض!.  ومن كلا الموقفين للراحل قرنق نستخلص أن معارضة التحالف الديمقراطي بشقها السياسي أو العسكري قد إستوعبت الأمر –ذلك الترتيب، مفضلة مسايرة الحكومة الحالية والإلتقاء معها في عدة تقاطعات!. تمرد فى الشرق ومنذ عام 1994 قررت المعارضة الشمالية التي تضم أحزاب: «الأمة» بزعامة الصادق المهدي، و«الاتحادي الديمقراطي» بزعامة محمد عثمان الميرغني، و«الشيوعي» بزعامة محمد ابراهيم نقد، وأحزبا أخرى مثل البعثيين والناصريين، قررت التعامل عسكريا مع حكومة البشير، فكونت ميليشيات مثل: جيش الأمة «يتبع لحزب الأمة)، وقوات التحالف (تتبع لتنظيم التحالف الديمقراطي) بزعامة العميد متقاعد عبد العزيز خالد، وقوات البجة، تحت إمرة تنظيم البجة المعروف في شرق السودان، وهناك قوات الفتح تتبع للحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض التي حلت نفسها لتكون القوات الوطنية الثورية، اضافة الى قوات السودان الجديد التابعة لحركة قرنق في الشرق. وظلت هذه القوات تقوم بعمل مسلح في شرق السودان بتنسيق تحت مظلة التجمع الديمقراطي، ولكن منذ عام 2001 بدأت هذه المجموعات العسكرية تتضعضع إما بسبب عودة أحزابها الى الداخل مثل جيش حزب الأمة الذي تبدد بعودة الصادق المهدي زعيم الحزب الى الداخل، وإما بسبب تقارب حذر بين الحكومة وبعض أحزاب المعارضة. وهناك فصيل آخر باسم «الاسود الحرة» تقوده قبائل الرشائدة في الشرق
 
وجدير بالذكر، أن بروتكولات مشاكوس كانت فرصة سانحة لتحسين علاقة الحكومة المضطربة مع المجتمع الدولي، خاصة في جانب فك "سياسة العزلة والحصار" التي كانت تقودها أمريكا ضد السودان والتي عبرت عنها صراحة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت حينما صرحت في مؤتمر صحفي لها العام 1997م بقولها: (غدا، بمجلس الأمن سأقفل السودان كقفلي لسوستة قميصي هذا –وقد مثلت مؤكدة ذلك بيدها!). ولكن الحكومة تحت هاجس تلك السياسة المفروضة عليها، وسوء قراءتها للمستجدات والمتغيرات والتطورات الداخلية والإقليمية والدولة وما ترتب عليها من تغيير للنظرة ومراجعة للمواقف، فإنها قد فضلت المراهنة علي التعاون في مجال الحرب علي الأرهاب([‌أ‌أ]). وولجت حكومة الإنقاذ هذا المجال دون معرفة ليس لمن تلعب مع ولكن كيف تلعب حيث فات علي رجال مخابراتها أن إهتمام ونظرة المجتمع الدولي للسودان هي ترتيب فصل الجنوب كأولوية وهدف مقصود لذاته، مع الحضور والوقوف التآزري لصالح الأزمة في دارفور، وليس النظر إلي الخدمة المنتظرة من السودان في ذلك المجال. ونسبة لنتائج الفشل في مخاطبة الإرهاب عبر خطط تجفيف منابعه وضرب معاقله، فقد تطلب الأمر لاحقا، التحرك بإجراء عمليات إحتواء للجماعات الإسلامية النافذة، بتغيير أنظمة بعضا من الدول المعنية علي شاكلة ثورات الربيع العربي المستمرة، مع إبقاء خيارات التدخل العسكري مفتوحة، والإستمرار بقصف مواقع الإرهابيين بالطائرات دون طيار المعروفة بهجمات الـ (درون). هذا التحرك كان من غير المحتمل القيام به كلية في حالة النظام القائم الآن بالسودان، المرتب له البقاء لأجل تحقيق ذلك الهدف –فصل جنوب السودان وما يتبعه من أهداف أخري متصلة. وهذا ما جعل عديدا من الدول ذات الغرض بالسودان أن تكتفي بإرسالها مبعوثين خاصين منها للسودان وبإقامة دائمة بالخرطوم، دون أي إنفراج يذكر في محاولة رفع إسم البلاد من قائمة الإرهاب وفك الحظر الإقتصادي المفروض عليه، والذي قوبل فقط بتصفيق الإدارة الأمريكية للسودان العام 2007م بإعلانه أقوي شريك في الحرب علي الإرهاب!، حيث أقتضي ذلك غض الطرف مؤقتاعن النظام الحاكم فيما يتصل بملف المحكمة الجنائية الدولية حتي إكمال عملية فصل الجنوب وما يليه من فصل آخر محتمل أو تسوية تنازلية مرتقبة بشأن مناطق أبيي، جنوب كردفان ودارفور!. إنصبت هذه المواقف معززة بشكل غير مباشر خطط بقاء تطويل عمر الإنقاذ والتي وضح منها إستغلال الحكومة لملف أزمة دارفور لذات الغرض، والذي يعتبر فيه خيارات تطبيق بروتكولات مشاكوس أو العودة للإقليم الواحد، المحك الذي يدعم تلك الخطة أو يعجل بنهاية ثورة الإنقاذ، كغرض فقد كفاءته وإستنفد فعله بمرحلة فصل الجنوب وحسب!.
كتب الدكتور فيصل قاسم صاحب الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة في حسابه في الفيس-بوك قوله عن اجهاض الثورات العربية: (كيف استغلوا البعبع الإسلامي لإجهاض الثورات؟
هناك طريقتان اتبعهما أعداء الثورات في الداخل بالتعاون مع كفلائهم في الخارج:
الطريقة الأولى تتمثل في دفع الإسلاميين إلى سدة الحكم بعد الثورات، ومن ثم تحويل فترة حكمهم إلى جحيم وإفشالها بكل الطرق القذرة، بحيث تكفر الشعوب بهم، وتطالب بإسقاطهم بسبب فشلهم، فيتدخل أعداء الثورات كمنقذين للشعوب من الإسلاميين، وبذلك تصفق لهم الشعوب، فيعودون إلى السلطة بشرعية ثورية.
أما الطريقة الثانية: فتتمثل بإدخال جماعات متطرفة على خط الثورات، فتقارن الشع...وب الثائرة بينها وبين الأنظمة، فتجد أن الأنظمة أقل سوءاً، فتصطف الشعوب إلى جانب الأنظمة التي كانت على وشك السقوط ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة، ويعود الساقطون والمتساقطون الى السلطة بشرعية شعبية جديدة.لعبة مفضوحة، لكن أكثر الناس لا يعلمون.
)
ومع ملاحظة تأخر وصول طوفان الربيع العربي للسودان – الخاص بتمكين وإحتواء الجماعات الإسلامية، وخروجه مما يجري الآن ببقية الدول الراعية للإرهاب من فتن وأحداث متجددة، ونجاته كذلك مما يسمي بالفوضي الخلاقة التي تضرب بأطنابها عددا من دول المنطقة علي خلفية ذلك الطوفان، فإن نتيجة هذا الأمر هو معاقبة المنطقة وخاصة الدول الراعية للإرهاب بشغلها بما يجري فيها من عمليات تصفية حسابات داخلية وحروب طائفية مستمرة وتفجيرات يومية، بهدف الحد من تصدير وتكرار حدوث العمليات الإرهابية بدول الغرب والحد منها، وهذا ما بات واضحا خلال العشر سنوات الماضية. بهذه الخلفية تكون الورقة الرابحة الخاصة بالحرب علي الإرهاب قد أسقطت في يد السودان وحكامه الفعليين خاصة بعد تمام الإنفصال الآمن لدولة جنوب السودان، والتي فاجأت النظام الحاكم بالخرطوم أن فصل الجنوب لم يأتي أكله في وقف الحرب بالجهة الجنوبية للسودان الحالي!. وعلي هذا فإن الأوضاع المتقلبة علي طول الحدود ما بين البلدين، والتي تلقي بظلالها خاصة في منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة، قد مثلت مهدد آخر في مقابل إنجاح سياسة البقاء المتخذة والتي هي الأولوية القصوي عند النظام الحاكم بالسودان. وأخذا بالدرس المستفاد من إنفصال الجنوب مع تهديدات الجبهة الثورية بالزحف نحو الخرطوم، فالراجح أن الحكام الفعليين سيؤجلون النظر في أي مقترح يتعلق بفصل أي منطقة أخري من السودان، بل إنهم سيعملون علي إبقاء كل مناطق الهامش كجدار واقي أو خط  نار عازل لأي تقدم محتمل نحو العاصمة الخرطوم ، هو الخيار الأكثر إحتمالا والذي يعزز من سياسة جعل مناطق الهامش والتماس منشغلة بما يجري فيها، في ظل حكم مجموعة الإنتهازيين المتسلقين للسودان. فالخوف من سيناريو الزحف إلي العاصمة والمؤيد من دول بعينها علي المستوي الإقليمي وغيره وما سيترتب عليه عن عمليات إنتقام ومحاولات قبض علي عناصر النظام المتورطة في كل الحروب الدائرة بأطراف السودان هي المؤرق الحقيقي للحكام الفعليين اليوم. فالنية المبيتة بإستهداف نظام الإنقاذ وقلعه والقبض علي مجرميه المطلوبين لدي محكمة الجنايات الدولية بلاهاي مع تمكين المعارضة المسلحة لتقلد زمام الحكم بالسودان، تظل قائمة عند دول الغرب خاصة بعد ضمانهم فصل جنوب السودان، وهذا ما يبرر توصية المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان، أندرو ناتيوس، عند نهاية مدته والتي دعا فيها بلاده بضرورة ضرب أهداف محددة ومواقع حساسة بالسودان!.
 
إذا فقد نجح الدكتور قرنق في بقائه صامدا لفترة واحد وعشرين عاما، في حرب كان يقول فيها أنه يقاتل عدوا يحاربه بالوكالة!. وبلوغا لهذ العدو الحقيقي –الطرف الثالث –الحكام الفعليين، الذي إستبعدت معهم الحركة الشعبية خيار تمتع البلاد بجو صحي ديمقراطي[‌ب‌ب]، مؤملة فيه بسيادة كتل الهامش علي سدة الحكم لتنفيذ مخطط السودان الجديد سلميا وبلا عنف، فقد إبتدر جيشها الشعبي حربا نفسية علي هذا العدو، والذي عرف تماما كيف يغازل نفسيات عدوه، لكشفه وتعرية ما بدواخله وتقييم ردود أفعاله الممكنة ومقابلتها بما يلزم من إجراء. فمن خلال فلسفة المواءمة المشار إليها لاحقا، وكما شخص قرنق ما تم وصفهم بالحكام الفعليين، فقد تبنت إذاعة الجيش الشعبي بث حملة دعائية شاملة مضادة لشريحة الجلابة، نجحت خلالها في توسيع دائرة شعبيتها بين سائر المواطنين. وهنا تفادت الحكومة وتجنبت من جانبها مجاراة الحركة الشعبية في هذا الإتجاه – ربما لحاجة في نفس يعقوب([‌ج‌ج])!
 
في مقابل تلكم الهجمة الإعلامية والمصنفة بالمهدد الأخطر من خطر الحركة الشعبية ذاتها علي كيان دولة الجلابة، فقد عمدت الحكومة وبشكل عملي، في العام 1991م، من إختراق الحركة الشعبية وشق صفها. فقد تمكنت بالإتصال بجماعة الناصر الإنقلابية بولاية أعالي النيل، مع نجاحها بتحييد بعضا من قوات الحركة الشعبية بولاية بحر الغزال، فيما عرف بالقوات الصديقة بقيادة اللواء التوم النور. جاء هذا الإختراق وقد كان بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد؛ إما الإتفاق مع هذه المجموعات ثم دعمها ضد متبقي جيش الحركة الشعبية، أو خلق بلبلة في داخل صفوف وفصائل الحركة الشعبية تؤدي لقتال بعضهم البعض، وهذا ما حدث وقد تقاتل الطرفان قتالا ضاريا. وكان تصور الإتفاق المتوقع بين الحكومة وفصيل الناصر بزعامة رياك مشار ولام أكول، هو التوصل لتسوية تكن في مضمونها نسخة معدلة عن إتفاقية الوحدة الوطنية المعروفة، إلا أن الطرفين فشلا فشلا ذريعا عندما إلتقيا بنيروبي عام 1995م. وبسبب هذا الإنسلاخ الذي فسرته الحركة الشعبية بالخيانة والتقرب إلي العدو –الحكومة، تفاقم الموقف بين الحركة الشعبية وأولئكم الإنقلابيين مؤديا لإرتكاب أفعال وحشية وصفت بالإنتهاكات لحقوق الإنسان، حتي تطورت الأمور لقتال قبلي بين الدينكا (قرنق) والنوير (رياك مشار)، ما دفع بفصيل آخر وهو الجبهة الشعبية لإستقلال جنوب السودان للإنشقاق عن الحركة الشعبية. مثلت هذه الفترة (91-1995م) أصعب السنوات في مسيرة نضال الحركة الشعبية التي إنتهت بالمصالحة الداخلية والتي ما زادت الحركة الشعبية إلا منعة وتماسكا وقد عاد كل من رياك مشار ولام أكول إلي حضنها مرة أخري منذ إعلان لافون في أبريل 1995م.
 
إستفادت الحركة الشعبية من الدرس، كما أنها في ذات الوقت قد علمت برغبة الحكومة في التوصل إلي تسوية ما، ولكنها في أثناء تلك الفترة واصلت الحركة الشعبية حربها بضراوة ضد الجيش الحكومي ومجاهديه دون كلل في كافة الجبهات من أرض الجنوب. وفي سبيل العمل لأخذ المبادرة بين خياري القتال والتسوية، لوحت الحركة الشعبية في برتكولات مشاكوس تلك، بمفاجأة الجميع بالمطالبة بتقرير المصير من عدو كانت تتوقع منه المكابرة بالرفض "درءا للوم" أكثر من رفضه المطالبة في حد ذاتها، في وقت كانت القوات الحكومية منتصرة في مجمل العمليات العسكرية بالجنوب. فإعتماد خيار القتال بالنسبة للحركة الشعبية وخاصة مع مجيء ثورة الإنقاذ، كانت تجابهه عقبة الإستجابة الواسعة لعمليات التعبئة العسكرية المستمرة، والتي حالت دون إستلام قواتها لأي من عواصم الجنوب الثلاث، طلية تلكم السنوات (89-2005م) وحتي ما قبلها في عهدي الأنانيات الأولي والثانية. أعطت هذه العقبة مؤشرا واضحا وإستفتاءا حاسما للحركة الشعبية بأن جموع الشعب السوداني ما زالت في تبعيتها وتبنيها كقواعد يشد بعضها بعضا قوة الدافعية الدينية([‌د‌د]). وعليه في تلك الفترة، لجأت الحركة الشعبية لتبني نظريتي الهامش والتهميش، بينما الحكومة فقد نجحت مستخدمة عمليتي التوالي والتجييش!. ولكن مع تبدل الأوضاع في السودان، وتراجع مستوي أولوية المشروع الإسلامي([‌ه‌ه]) وتزايد هفوات وسقطات رموزه المتعددة وتعدياتهم المالية المتكررة([‌و‌و])، أخذت وتيرة المحسوبية والعنصرية القبلية وظاهرة الإنتماء الجهوي بالتنامي علي حساب القومية الوطنية والأخوة الدينية([‌ز‌ز]). وعلي خلفية هذه الظواهر المحبطة، فقد خسرت الحكومة بداية الإداري اللامتحزب الإستاذ عبد العزيز الحلو ومعه القيادي الإسلامي داؤود يحي بولاد الذي قال بقوة صلة الدم كأقوي من صلة الدين، منضمين بذلك إلي تمرد الحركة الشعبية، ثم تلاهم من بعد الشيخ الدكتور الترابي منسلخا عنها بسبب تحركاته لتعديل بعض فقرات الدستور التي قطعت الحكومة بجهويتها ورفضها([‌ح‌ح])، والذي تبعه لاحقا كل من الدكتور الإسلاموي علي الحاج محمد والدكتور الجهادي خليل إبراهيم وغيرهم كثر، ثم مؤخرا إنشقاق الجنرال السلفي مالك عقار إلي أن إنتهي الأمر بوقوف جميع حركات التمرد الأخري بالسودان لصالح الحركة الشعبية فيما عرف علانية بإتفاق تحالف كاودا الذي أتي بالجبهة الثورية السودانية، في مقابل بقاء معظم القبائل ذات الأصول العربية مساندة للحكومة السودانية مع بقية أتباع المؤتمر الوطني كأفراد من القبائل الغير عربية نتيجة لمخطط فرق تسد السائد!. 
 
فإنه وعلي ضوء تلك التطورات مجتمعة، إستشعر الحكام الفعليين حجم المخاطر المتنامية والمحدقة بهم، فقبلوا بتر جنوب البلاد، إعتقادا منهم بأنه سيؤدي لإنهاء الحرب في جهة الجنوب حتي تتفرغ الحكومة للقتال في جهتي الشرق والغرب. وعلي ذلك، فإن عمليات التهيؤ للتصويت لصالح حق تقرير المصير، نبعت من رغبة الحكومة السودانية نفسها أولا([‌ط‌ط])، وليس أصلا من رغبة الناخب الجنوبي العادي، والذي كان حينها لم تكن من إهتماماته النظر بعيدا فيما يرمي إليه معني السودان الجديد!.
 
وبإلرجوع لإتفاقية السلام الشامل، فالمؤامرة واضحة فيها بسبب إستبعادها الشعب السوداني وكأنه غير معني بها البتة، حتي جاءت تفسيرات فقرة تقرير المصير خاصة فقط بالسودانيين من أبناء الجنوب، دون إستفتاء كل الشعب السوداني عليها، وذلك لأن كل من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني يدركان حتمية الرفض، أو عكس ذلك ما سيؤدي لتفكيك السودان وزواله من خارطة الوجود إلي خمس دول أول كل قومية عرقية دولة. هذا السيناريو كان في التقدير يعد أيضا من التحديات الكبري للدكتور جون قرنق، ولكن عزاء الحركة الشعبية هو ما لمسته من حكام السودان الفعليين بقبولهم بإضافة فقرة حق تقرير المصير بالشكل الذي أرادته وتريده الحركة الشعبية فقط، حتي لا تتجابه بحقيقة الشعب السوداني التي تعلمها ويعلمها المؤتمر الوطني جيدا في رفضه الإستفتاء علي تقسيم البلاد!. وعليه، فقد شكلت تلك المعطيات في مجملها حقيقة ما يمكن تسميته بتحديات المـواءمـة التي واجهتها الحركة الشعبية للتوفيق ما بين واقـع مألـوف للمجتمع السوداني يتمثل في تلك المبادئ العامة التي بلورها الشعب السوداني من تلقاء نفسه وآمن بها كأسس محترمة للعيش والمواطنة فيما بينهم([‌ي‌ي])، ومستقبل مأسوف غير معروفة أبعاده ترتب عليه ما ترتب من إنفصال لجنوب البلاد، وما يتبع ذلك من إنفصالات أخري محتملة لا تضمن حتي ظهور السودان الجديد الذي كان يناضل ويقاتل من أجله الدكتور قرنق، وما زلات حركتة الشعبية تناضل من أجله. وهكذا تم إنفصال جنوب البلاد كدولة مستقلة، عضو بالإتحاد الأفريقي رقم 54 وعضو بالأمم المتحدة رقم 193، ومرحب بها أيما ترحيب في المجتمع الدولي.
 
كأن تنظيمهم لم يتسبب في تفتيت الوطن..
04-18-2014 07:17 AM
الخرطوم (سونا) كشف المشير عمر البشير رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطنى عن تلقى السودان اعتذارات من قوى دولية عملت من اجل فصل الجنوب بغية تدمير الشمال اذا بها تطالب الان باعادة النظر فى انفصال الجنوب والعمل على اعادة الوحدة بين السودان ودولة جنوب السودان. واضاف ان الامر حتى ولو تم قبوله يتطلب استفتاء اهل السودان ليقرروا فيه.
 
واوضح سيادته لدى مخاطبته الجلسة الختامية للملتقى الرابع لامناء الزراع والرعاة بالولايات والمجلس الاستشارى للامانة مساء الخميس بدار الشرطة ببرى ان ما يواجه السودان من تحديات يتطلب تقديم قيادات شابة لقيادة الدولة والحزب على مختلف المستويات عبر اختيار مباشر من القواعد بعيدا عن القوائم الجاهزة او المطبوخة التى لا تعبر عن راى الاغلبية.
 
واكد البشير جدية برنامج الاصلاح الشامل الذى طرحه الحزب على مستوى الحزب واشراك كل القوى السياسية واصلاح الجهاز الحكومى وقال على الكل ان يبدأ الاصلاح من القاعدة للدفع بقيادات جديدة شابه عبر مؤتمرات بناء الحزب لتحمل مسئولية الدولة التى تتعرض لتأمر دولى، واضافة الرئيس ان السودان لا يخشى الحصار وقال (اعداء الوطن محتارين بعد فصلهم الجنوب لدمار الشمال وليس لاى سبب اخر والان ياتون ويقولون نحن غلطانين لم نسمع كلامكم ونحن ندمانين، ودعونا للتوحد). وقال (نحن دولة قائمة ولكى ينضم لنا جزء اخر لابد ان نستفتى الشعب السودانى لاخذ رايه هذا اذا نحن اقتنعنا).
واشار البشير الى ان مواجهة العداء والتأمرالخارجى يتطلب ان نتجاوز كل الخلافات والصراعات القبلية والجهوية عبر الحوار داعيا فى هذا الصدد لنبذ الصراعات القبلية التى يروح ضحيتها الشباب وتجاوز الخلافات بالحوار
 
فالراحل جونق قرنق، لم يكن في باديء أمره مضطرا لشرح ما يقول، حيث أن معظم المستهدفين من أهل الهامش وأصحاب الأغلبية البرلمانية ليسوا علي درجة من الأهتمام والتشوق إلي الأمر ليعوا ما يقول الرجل، بل أنهم كانوا في غيبة تبعيتهم وولاءاتهم يعمهون([‌ك‌ك])!. وخير مثال علي ذلك شخصيات الدكتور علي الحاج محمد والمرحومين القيادي الإسلامي الأستاذ داؤود يحي بولاد والمجاهد الدكتور خليل ابراهيم محمد من إقليم دارفور وغيرهم من أبناء جبالي النوبة والأنقسنا وشرق السودان. فالمشار إليهم نتذكر جميعا كيف كانوا عند سني بداية تمرد الدكتور جون قرنق وكيف آل بهم المآل نهاية أمرهم –أي الإيمان بمنفستو الحركة الشعبية بما فيه من مآخذ صريحة ضد الإسلام وترحيب بالعلمانية!.
 
اهداف الحركة الشعبية منذ إعلانها الماركيسية والعلمانية مع التمسك بتحرير السودان ثم التحول بطرح شعار السودان الجديد 1986م مواءمة مع التطورات وإعترافا بالأمر الواقع
 
مؤامة الاخوان المسلمين  - الإخوان يشترطون تراجع الترابي عن آرائه الفقهية لطي الخلافات
الإخوان يشترطون تراجع الترابي عن آرائه الفقهية لطي الخلافات-
 
وعليه، فقد رافق ظهور ذلك الشعار شئ من الغموض والتكتم، حتي تساءل حينها السودانيون أنفسهم عن مغزي هذا الشعار الذي جاء متمما ومتسقا مع عبارة "تحرير السودان" الواردة في مسمي الحركة الشعبية، كهدف هو الآخر لم يتسني للجميع فهمه وتفهم أبعاده ومراميه. فامتلأ الشارع بتساؤلات عديدة دارت كلها حول "مماذا يتم تحرير السودان!، وما هو شكل السودان الجديد الذي تريده الحركة!". ومما أربك الناس وزادهم تشويشا في الأمر هو مستوي القبول المتزايد بالخارج وذلك التأييد الذي برز من دول بعينها وخاصة بعيد إستيلاء ثورة الإنقاذ للسلطة([‌ل‌ل])، وذلك لسعة فكر الراحل قرنق وتوجهاته المقبولة وخططه المؤيدة التي نهجها في تمرده. وبرغم تلك الضبابية التي إكتنفت ظهور ذلك الشعار، فإن البعض يري في أنها قد تكون أمرا مقصودا بحد ذاته من طريقة قذفه لإدخال الناس في دوامة الوهم ومراجعة الإهتمام –حتي يسلم كمفهوم يتبع علي علم أو غير علم، ولكن خلاصة الأمر أنه قد تبلور فهم عام، بأن ذلك الشعار وهذا الهدف إنما هي مسارات جديدة خارج نصوص "الأنيانيات" التي كانت تنادي كلها بإستقلال وفصل جنوب السودان عن شماله وحسب، وليس "تحرير السودان" ككل!.
 
وفي هذا الصدد، تبقي مبادئ الحركة الشعبية التي قامت من أجلها هي العقبة الأهم التي تطلبت الإتيان بفلسفة المؤاءمة حتي تتمكن من إستيعاب كافة قطاعات الشعب السوداني وإتجاهاته المتعددة حزبيا وطائفيا وإجتماعيا وسياسيا. هذه المبادئ شكلت قاعدة الإسناد الشعبي للحركة الشعبية وتمهيدا متمما ومهيئا لقبول نقاط المواءمة التي برعت في توليفها وطرحها لعامة الشعب السوداني. وبشئ من عدم الشفافية، لما للأمر من ردود فعل مرتقبة من كافة الأطراف المعنية وخاصة المسلمين، كان هناك تعتيما مضروبا في هذا الإتجاه حتي أن سائر أهل السودان بل وخواصهم يجهلون ما بدواخل الحركة الشعبية، وهم علي ذلك لا يعلمون من الحركة الشعبية لتحرير السودان غير رنانية الإسم وجمالية الشعارات المرفوعة الآخاذة!. وعليه فقد نمت عند المسلمين وجموع السكان ذوي الأصول العربية مخاوفا جعلتهم يتوجسون من نوايا رئيس الحركة الشعبية، الدكتور جون قرنق، معتقدين بناءا علي ذلك بأن مبادئ الحركة الشعبية قد نادت بالآتي:
 
D      علمانية الدولة وإقصاء الدين الإسلامي:
يشكل السودانيون معتنقو الديانات السماوية غالبية السكان وخاصة المسلمين منهم. وهنا تعول الحركة الشعبية علي تلك التبعية المطلقة التي وجدتها من سكان الأقاليم وأهل الهامش تحديدا في تمضية وتمرير هذا المبدأ من خلال تأييد أمرها ومباركة سودانها الجديد - أمل المهمشين المنتظر!. هذا إلي جانب ضمان رضاء الشيوعيين ومن معهم من علمانيين وماسونيين بالسودان بهذا الطرح. فالشاهد هنا علي هذه التبعية علمانية رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد النور وتوجهاته الشيوعية الماركسية والإسرائيلية المضادة للدين الإسلامي. ويبقي الأهم في هذا الجانب هو رضاء الدول ذات الغرض بالسودان بهذا المبدأ المحتمل لما يمثل من نقطة جوهرية لتطبيع العلاقة مع المجمتع الدولي ككل.
 
D      سيادة العنصر ذي الأصل الغير عربي في حكم البلاد:
هذا الأمر تنظر إليه الحركة الشعبية كمسألة مصيرية بسبب الإقصاء المزمن الذي مورس حقيقة بحق هذه العناصر ومعها في كل مناطق الهامش بالأقاليم علي مر سنوات حكم ثورتي مايو والإنقاذ معا. وهذا ما كان يطمح إليه من جهة أخري، جميع من أسماهم الدكتور جون قرنق بالمهمشين، حيث أنه يشكل بصورة مباشرة، إضافة لأنصاره المؤيدين من غالبية الشعب السوداني –ركيزة الدعم للحركة الشعبية ومصدر مساندة شعبية لا ينضب ولا يخبو تدفقا وعزيمة، لسيادة العنصر ذي الأصل الغير عربي في حكم البلاد!. لماذا يقول البشير للصادق المهدي لو ماعملتوا حسابكم حا اكون اخر رئيس عربي يحكم السودان وماذا لوكان غير عربي او غير شمالي ولماذا التخوف؟انا باعتقادي انه لو كان هناك عدل لايمكن ان تتخوف جهة ما من اخرى في مسألة الحكم واتمنى كما فاز المهدي في الانتخابات بمناصرة ابناء الغرب له ,اتمنى ان يفوز واحد من ابناء الغرب بمناصرة من ابناء الشمال اتمنى ان يفوز نوباوي مرشح من حزب تم تأسيسه في شندي او دنقلا ..مع كل الاحترام والود للقراء الافاضل   وهذا الأمر –مبعث إنعدام الثقة، هو ما جعل أصحاب الوجعة المهمشين وهم أكثر الناس تحمسا للتجييش أن يستجيبوا لحركات ثورية تحرير السودان بدرجة أكثر من غيرهم –من الذين يمكن وصفهم بأنهم منتفعين بـ (أنظمة شُلل الأقلية!). وهذا في المقابل ما يؤكد فشل حملة المعارضة الشمالية العسكرية التي قادها تحالفها الديمقراطي عندما قررت في العام 1994م التعامل عسكريا مع ثورة الإنقاذ. وأنه منذ قررت والتي كانت تضم أحزاب: «الأمة» بزعامة الصادق المهدي، و«الاتحادي الديمقراطي» بزعامة محمد عثمان الميرغني، و«الشيوعي» بزعامة محمد ابراهيم نقد، وأحزبا أخرى مثل البعثيين والناصريين، ، فكونت ميليشيات مثل: جيش الأمة «يتبع لحزب الأمة)، وقوات التحالف (تتبع لتنظيم التحالف الديمقراطي) بزعامة العميد متقاعد عبد العزيز خالد، وقوات البجة، تحت إمرة تنظيم البجة المعروف في شرق السودان، وهناك قوات الفتح تتبع للحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض التي حلت نفسها لتكون القوات الوطنية الثورية، اضافة الى قوات السودان الجديد التابعة لحركة قرنق في الشرق. وظلت هذه القوات تقوم بعمل مسلح في شرق السودان بتنسيق تحت مظلة التجمع الديمقراطي، ولكن منذ عام 2001 بدأت هذه المجموعات العسكرية تتضعضع إما بسبب عودة أحزابها الى الداخل مثل جيش حزب الأمة الذي تبدد بعودة الصادق المهدي زعيم الحزب الى الداخل، وإما بسبب تقارب حذر بين الحكومة وبعض أحزاب المعارضة. وهناك فصيل آخر باسم «الاسود الحرة» تقوده قبائل الرشائدة في الشرق.
 
 
 
 
D      طرد العنصر العربي من السودان أو إبقاؤهم تابعين سكانا من الدرجة الرابعة:
هذه المسألة رضي عنها كثير من الأوربيين لما لها من دلالة ذات مغزي محدد وكحجة أخري تدعم ما قاموا به في الأندلس بحق دولة الأمويين هناك وجميع رعاياها –من إبادة ومحو أثر، لئلا تنظر الدنيا إليهم وتصمهم لوحدهم كقتلة وسفاكي دماء في تاريخ العالم. هذه الرغبة مثلت إستدراجا للحركة الشعبية من الخارج للقيام بهذا الفعل، أما في الداخل السوداني، فإنه ينظر إليها من قبل الحركة الشعبية ذاتها ومعها كل من يساندها من الأفراد، كحق يؤيده التاريخ والإتجاهات والتطورات المستجدة علي طول خارطة القارة الإفريقية!. أما من الناحية العقائدية، فإنه سيظل الدين الإسلامي والمسلمين من بعد، العقبة المحتملة أمام تنفيذ هذا الإجراء، الذي يبقي مع كل ذلك مريحا عند البعض من أهل السودان، ومزعجا جدا عند الإخرين منهم!. فالحركة الشعبية كمبتدئ فاعل لهذه الخطوة، فإنها إن نجحت فمكسب لها ولأنصارها، وإن كان فشل فلها وحدها وعليها تحمل الوزر العواقب المترتبة علي ذلك!. 
 
D      إلغاء اللغة العربية وجعل المخاطبة بالإنجليزية كلغة رسمية للبلاد:
من معوقعات تحديد الهوية في السودان تباين الثقافات واللغات فيه، وحتي تضمن الحركة الشعبية إجماعا في هذا الأمر وتفاديا لأي إرباك لاحق، فقد خططت لجعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للسودان الجديد بدلا عن اللغة العربية الأوسع إنتشارا في السودان، بل حتي من اللغة الإنجليزية وأي لهجة لأكبر إثنية عرقية بدولة جنوب السودان ذاتها. فعربي جوبا المتحدث بنبرة لهجة الباري، كان ولحد الآن لغة المخاطبة بالأسواق وغيرها بين كافة الجنوبيين، الذين لم يجتمعوا في تاريخهم علي لغة محلية غيرها، حتي رأينا كيف إضطر الرئيس سلفاكير ميارديت مخاطبة شعب جنوب السودان باللغة العربية في بيانه حول محاولة رياك-باقان الإنقلابية الفاشلة بتاريخ 11 ديسمبر 2013م. فإستخدام عربي جوبا وإتساع رقعة إنتشاره في كافة مديريات جنوب السودان، سيظل أحد الهواجس الإجتماعية والسياسية المحلية والإقليمية بالنسبة للحركة الشعبية.
 
ولأن هذه المباديء إجرائيا متصلة برؤية السودان الجديد البعيدة المدي وليست أمرا ملحا في حد ذاته، فإنه لم يسمع عنها الكثير في خطابات الحركة الشعبية الموجهة لعامة الشعب السوداني أو الرأي العام قاطبة!. ولأجل تمريرها دون التنبه لحقيقة أمرها، إقتضت إستراتيجية الحركة الشعبية أن تتحوط لكل المفاجأت من إنتقادات شعبية وتحفظات سياسية محتملة بشأن مغزي تحرير السودان ودلالات رؤية السودان الجديد وتداعيات هذه المبادئ الغير معلنة!. وهنا بعدما ضمنت الحركة الشعبية التأييد المحلي والدولي اللازمين لتحركها بالثقة المطلوبة، فإنها قد خرجت علي الجميع بفلسفة المواءمة بين مبادئها - القنابل الموقوتة، ومسارها الجديد المخالف لنداءات الأنانيات السابقة؛ لدغدغة جغرافية المنطقة بنفسيات التاريخ، ومعطيات الحاضر لخلق واقع يسمح لها بالمناورة في جميع الإتجاهات لتحقيق الأهداف - تمهيدا لتقبل تلك المبادئ وتجاوب جميع الأطراف معها، وخاصة ضرورة فصل جنوب السودان - كخطوة مرحلية مطلوبة لقيام السودان الجديد!. وتمثلت تلك الفلسفة –أي فلسفة المواءمة في قيام الحركة الشعبية بالتحرك والعمل علي أربعة محاور في آن واحدة – هي بالتفصيل الآتي:
 
D      المحور الأول – بشارة السودان الجديد:
وهي عملية إظهار شعار السودان الجديد وتزيينه لعامة شعب السودان بأنه الخلاص والحل بل البلسم الشافي لكل علل البلاد. وهنا فقد برعت الحركة الشعبية في التصوير والإخراج لصورة سودانها الجديد حتي يكون أكثر تقبلا من كافة قطاعات السودانيين. ومن أميز ما يدعو للإلتفاف حول مفهوم السودان الجديد هو إستيعابه لكافة ثقافات السودان وتوجهات جميع السودانيين ومعتقداتهم ككل. فمربط الفرس بالنسبة للحركة الشعبية هو ليس ما تنادي به من سودان جديد وإنما ماذا يحمل هذا السودان الجديد من مبادئ وقيم – تتضارب تحديدا مع الإسلام والملسمين. فتخوف الحركة الشعبية من تقبل مبادئ السودان الجديد الغير معلنة، يقابله في الإتجاه الآخر من الأحزاب الشمالية ومنظمات المجتمع المدني، تنامي التأييد لمجرد فكرته ومواءمتها لاحقا عبر ما سمي بـ (وثيقة الفجر الجديد) الموقعة بكمبالا في 5 يناير 2013م، والتي هي في حد ذاتها، أهم طرح تكميلي لفلسفة المواءمة هذه!.
 
D      المحور الثاني – نداء المناصرة عبر مفهوم التهميش والمهمشين([‌م‌م]):
وهنا جاء تبني الحركة الشعبية لشعارات ذات دلالة إستقطابية بمستوي جغرافية أرض المناورة، وذلك عبر ما أسمته بالتهميش والمهمشين، وكذا السودان الجديد وغيرها من مصطلحات جادت بها عبقريتها وطرحها لأول مرة في عالم السياسة المحلية والإقليمية. ويجدر في هذه النقطة القول بأن الكثير قد فسر هذي الطروحات، سواءا بنظرة مصلحية أو حيادية علي أنها دعوة للعنصرية، ولكن تحوطات الدكتور جون قرنق للمسألة تجعلهم حينما يسمعون نداءاته المتكررة بالدعوة للوحدة وقتاله ضد الإنفصاليين والتي كان يعنيها ويعمل بها حتي مماته([‌ن‌ن])، تجعلهم مرتبكين في رؤيتهم وبحاجة لإعادة النظر في المسألة ولكن بعيون مختلفة!، وهذا ما يحاول هذا الكتاب فك طلاسمه.
 
D      المحور الثالث: تشخيص عدو مشترك:
وهو سيناريو خلق ’غبينة أومغبنة‘ ضد عدو مشترك محتمل، فإنه وخلافا لـ"منداكورو-Mandakoro" الأنيانيا الأولي والثانية، فقد وقعت دونما بديل في مرمي نيران الإستعداء ما أسمتهم الحركة الشعبية بـ (أنظمة شُلل الأقلية) المختصرة عندها بـ "الجلابة"، كمحل ووجهة للإستهداف ’لفش‘ هذه الغبينة، وذلك بسبب توفر نماذج تصرفات سالبة عديدة محسوبة علي أفراد منهم، إلي جانب حظوتهم بالإنفرادات بحكم البلاد وما ترتب علي ذلك من محاباة وإستئثار بإدارة مرافق الدولة وإستزوارها وإستحوازها وإستحلالها - كأمر مستنكر بداهة وغير مبارك فيه ولا مرحب به من الجميع!. فتمثلت تلك المغبنة في بث حملة مقت ونعت دعائية شاملة مضادة لتلكم الأقلية –تنبنتها إذاعة الجيش الشعبي، تم تصويرهم فيها تحديدا بإعتبارهم آفة السودان وسبب كل مشاكله الراهنة([‌س‌س]). واستمرت هذه العداوة إلي أيام الإستفتاء الخاص بتقرير المصير متمثلة في الحملة الشرسة التي شنت حتي ضد الوحدويين داخل الجنوب وفي الشمال ووصمهم بالخيانة والعمالة للجلابة، مشترطة في الناخب السوي الإبتعاد عن سيطرة الجلابة وعدم الانتظام في بعض أحزابهم الداعية للوحدة. وعلي هذه المناسبة نشير إلي أن فكرة "الكتاب الأسود" إن لم تكن مستلهمة من هذا الإتجاه أو مستوحاة من حيثيات المؤتمر الإقتصادي الأول (والأخير!)، فإنها حتما قد جاءت بشكل أو بآخر تعضيدا موازيا من جهة غرب البلاد لتعميق المسألة ومفاقمتها أيما تفاقم، وذلك بتبيانه الجلابة كفئة مستأثرة بالدولة –بلا منافس، ما جعل ثورة الإنقاذ والحكام الفعليين تحديدا يزدادون تخوفا من حقائق وأرقام ذلك الكتاب التي حواها وتصنيفه وإبقائه تحت طائلة الحظر لهذا اليوم كأحد مهددات الأمن القومي للبلاد في تصورهم وزعمهم!
 
D      المحور الرابع: المخرج الآمن – فصل الجنوب:
وهو الرسالة الموجهة للحكام الفعليين تحديدا، كطعم مجهز يسهل بلعه للخروج الآمن من إغلاق الدائرة عليهم من كافة أطراف السودان. إلا أن التهيؤ لفصل جنوب السودان، وهو التحدي الذي كان يواجه الحركة الشعبية، ليس لتناقضه مع مبادي سياسة تحرير السودان، وإنما لما له من عواقب محتملة بين الجنوبيين أنفسهم، لقصور التجربة عندهم وسيادة النفوذ القبلي في إدارة الدولة المرتقبة، وأيضا لما يمثله من خيبة أمل لأنصار سياسة تحرير السودان وشعار السودان الجديد. فمجريات الأحوال وضغط المجتمع الدولي بضرورة إنهاء الحرب الأهلية في السودان والتي طال أمدها هي ما دعت الحركة الشعبية للتحرك في هذا الإتجاه. وعليه، فإن الحركة الشعبية مضطرة للإتيان بمواءمة ما توفق لها بين كل ذلك. وهنا، فقد جادت قريحة الحركة الشعبية ببلورة إستراتيجية فصل الجنوب المذكورة سابقا، والتي من ميزاتها رضاء جميع الأطراف المعنية بسياسة تحرير السودان بها، وكذا رضا حكومة السودان ذاتها من جهة أخري بفصل جنوب السودان وحتي قبولها طرفا أساسيا في الإشراف علي عملية الفصل كذلك!.
            
وبتحليل بسيط لتلك المحاور، نجد أن فلسفة المواءمة قد فعلت فعلها بكل تناغم وإنسجام في الجمع ما بين المتناقض والمتنافر والمتباعد بين كل أطياف المكون السوداني([‌ع‌ع]). فالمحور الأول نري أنه قد بشر برؤي الحركة الشعبية فيما تنادي به من تحرير للسودان ولما تنادي به من سودان جديد، كسب لها تأييد معظم الأحزاب السياسية التقليدية، حتي أن كثيرا منها أبرم معها العديد من الإتفاقيات والتحالفات. أما المحور الثاني فقد عني به تحريك كل الهامش السوداني لينصب ويدعم المحور الثالث الموجه لتخويف نخبة الجلابة من الذي هو آت وبالأكثرية –"بالبوت أو الصندوق!" – من قول الدكتور جون قرنق لفضائية الجزيرة القطرية (أنا أمثل الأغلبية)، والذي تم إثباته بتلك المسيرة المليونية التي أتت لإستقباله بمطار الخرطوم عند أول مجيء له بعد توقيعه إتفاقية نيفاشا، وهي ذات الأكثرية التي تناولها عبد العزيز بركة ساكن في روايته "جنقو مسامير الأرض". وبصورة طردية، فقد فعل المحور الأول والثاني فعلهما بنجاح مهيئة المحور الثالث المعني بالحكام الفعليين لبلوغ الغاية في المحور الرابع وهي تلك المفاجأة المتمثلة في قبول الحكومة –الحكام الفعليين بحق تقرير المصير تحت مستغلة المؤتمر الوطني –الحزب الحاكم وشماعة برلمانه –المجلس الوطني!. وعليه، يتضح جليا مدي نجاح فلسفة المواءمة هذه التي خرجت لنا بها الحركة الشعبية في ظروف كانت التحديات بالنسبة لها هي أن تكون أو لا تكون، من خروج لمقاتلين مجاهدين وتداعي لطلائع ’دبابين‘ وغيرها من تفويجات لمتحركات عسكرية عليها، وفتاوي جهادية كتلك التي أصدرها في العام 1993م علماء كردفان بإعلان الجهاد ضد سكان جنوب السودان وجبال النوبة أجمع، وما صحب ذلك من حملات إعلامية مضادة علي المستوي المحلي والإقليمي (برنامج العقيد يونس، في ساحات الفدا وتلك الحملة التلفزيونية المشوهة لصور الراحل قرنق). فإنه وبرغم كل هذه التضحيات الحكومية والتحديات بالنسبة للحركة الشعبية، فقد حصل العكس من تحقيق للأهداف لصالح الحركة الشعبية وإنقلاب للسحر علي الساحر، خاصة فيما يخص تحول كثير من القيادات الإٍسلامية الشمالية وغيرها من مكتسبات عززت من رصيد ثورية حركات تحرير السودان علي كافة الأصعدة والمجالات. وهنا قد كشف آخر دراسة لمركز السودان لإستطلاعات الرأي العام في مؤتمر البحوث الكمية والكيفية أغسطس 2014م، عن تراجع عضوية المؤتمر الوطني بشكل عام، وحتي أن نسبة المؤيدين له في دارفور قد إنخفضت إلى الـ (12%).
 
مما سبق نستخلص أن العوامل المؤدية للقطع بحق تقرير المصير، تباين فيها جميع الأطراف المعنيون رغم إتفاقهم علي فصل الجنوب، الذي أيده المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية والإتحاد الأفريقي ودول أخري بعينها([‌ف‌ف]). فمن جهة الحكام الفعليين المباركين بعباءة الدين والعاملين تحت مظلة المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بالسودان ولقناعتهم بإزدياد المخاطر عليهم وإحداق المهددات بهم من كل جانب، فالراجح أن تلك العوامل قد تأتت عندهم لأسباب أمنية وقائية بحتة، متصلة بحماية موروث وموروثات مجموعة الإنتهازيين الطفيلية؛ إستمرارا لتمسكهم بالسلطة، المؤكد علي لسان الدكتور نافع علي نافع المستشار السابق لرئيس الجمهورية، حينما صرح حتي بعد مغادرته موقعه بالتغيير الذي أحدثه الحكام الفعليون في هيكلهم التنفيذي في 7 ديسمبر 2013م – بقوله: (بأننا صفرنا العداد بالتغيير (لربع قرنية أخري).
وسيستمر إخواننا أي في الهيمنة والحكم حتى يصفر عليهم عزرائيل!)([‌ص‌ص])، وذلك حماية للنفس والمكتسبات والمكنوزات من أصول ثابتات ومتحركات بالداخل وأخري خارج البلاد!. وقد أكد هذا في التصريح المنقول عنه بالصحف السيارة يوم 28 سبتمبر 2014م بقوله: (إن هناك من يخططون لتصفية مشروع الإنقاذ من خلال المطالبة بقيام حكومة قومية أو إنتقالية، قاطعاً بأن هذا المشروع لن يستطيع كائن من كان تصفيته بأي شكل من الأشكال، وقال إن حزبه جدد قياداته بنسبة 75% وإن ذلك لم يحدث حتى في حزب العمال ولا الجمهوري).
وهنا، فالسؤال الذي يطرح نفسه، هل أن ما أعلنته الحكومة عبر خطاب الوثبة وما نتج عنه من حوار ديمقراطي تحت ما سمي بالمائدة المستديرة، هو محاولة أخري لتكريس سلطة الجلابة لخمسة وعشرين سنة أخري بتكرار ذات السيناريو الذي كان من خلفه الدكتور حسن الترابي في السابق والذي عاد مرة أخري ذات السيناريو ليقف الآن وبقوة مؤيدا لهذا الحوار. من هذا يتضح أن الخطة تمضي جلية
المستشار الإعلامي للرئيس المصري يقول البشير أخبره بأنهم يخططون لتقسيم السودان إلى (5) دول
كُتب يوم 11.04.2014 بواسطة JEM
http://www.sudanjem.com/_upload/2014/04/b51a23bd5f.jpgكشف أحمد المسلماني المستشار الإعلامي للرئيس المصري عدلي منصور ، ان عمر البشير أخبره بانهم
يخططون لتقسيم السودان إلى (5) دول. وقال منصور في حوار مع تلفزيون (الحياة)، انه قابل الرئيس البشير عند زيارته السودان عام 2005 برفقة العالم المصري أحمد زويل، وان البشير قال لهم انهم يخططوا لتقسيم السودان إلى (5) دول هى دولة في الجنوب، ودولة في الشرق ، ودولة في الغرب في دارفور، ودولة في الوسط النيلي تكون عربية ، ودولة نوبية تمتد مع الجنوب النوبي المصري (دا انا سمعته من الرئيس عمر البشير سنة 2005 ، لما قابلتوا مع الدكتور أحمد زويل). بالنظر للخارطة المرفقة، فإن ما سيبقي من السودان يمثل حقيقة حدود دولة مثلث حمدي المزعوم!
   http://yanair.net/archives/36809
 
ولذا فإن أمر فصل الجنوب قد تم حسمه خارج نطاق المهنية الدستورية للدولة، وعلي أسس غير رسمية ذات طابع جهوي، ضاربة عرض الحائط بمؤسسية الدولة ومرجعيتها، دون مراعاة لقيم الشعب السوداني وإرثه ومبادئه. ويلخص هذه الشخصنة للشأن العام، ما ورد علي لسان السفير محمود عبدالعليم بقوله وهو بالقاهرة: "إننا لن نحارب مصر من أجل حلايب!". فالحركة الشعبية كانت تعلم بحقيقة هذا التوجه - شخصنة الشأن العام -  حتي أن ما أثارة عدد من النخب الجنوبية حول محاولات الحكومة تعطيل عملية الإستفتاء المجدول بتاريخ 9 يناير 2011م كان مفسرا من قبلهم بأنه عملية لتطويل الفصل لمجرد نهب المزيد من بترول الجنوب وحسب!. فالحركة الشعبية كانت علي يقين وإطمئنان من نية الجلابة في تقسيم البلاد. ويعزز هذه النية هو نجاح زحلقتهم للأمر لداخل قبة البرلمان – المجلس الوطني لإضفاء الشرعية عليه عبرموافقة البرلمان وقد كانت مهزلة وشرعنة باطلة، وهي ما ستبقي وتظل وصمة عار سالبة بحق البرلمان عهد الفريق عمر البشير والحركة الإسلامية – السودان عموما. والخلاصة، فإن طبيعة تأييد الحكام الفعليين لفصل جنوب السودان نبعت من دواع أمنية جهوية وليست دستورية، متصلة بتلك الحاجة والمشاعر الملموسة، التي عكسها مدي إرتياح كثير من عوام الجلابة وخواصهم لفصل الجنوب!. فالإستاذ الطيب مصطفي صاحب جريدة الإنتباهة السودانية ومحرك ما يسمي بمنبر السلام العادل  .
  وتأكيد كل ذلك، يبينه نهج اللامبالاة المنطلق من أرضية ذلك الإرتياح والمتخذ لمجرد إقرار ذلك التأييد وعدم النظر فيما ورائه كخير إريد بأهل السودان أم شر، وعدم قياسه بميزان الشرع كأمر تباركه السماء أم لا!. وعليه، دونما تردد، فقد حسمت أنانية الحكام الفعليين - دون إنتظار فتوي أو تقدير جدوي - عملية إنفصال جنوب السودان، بالنظر إليه كأمر مستعجل في حساباتهم ومطلوب إنجازه كيفما أتفق. فدلائل أنانية الحكام الفعليين لفصل جنوب السودان تتمثل في النقاط الآتية:
 
D      مخالفة شرع الله بالتنازل عن أرض مسلمة لصالح حكام كفرة علمانيين([‌ق‌ق]).
D      التقرير فوق الدستور بشأن مصير الدولة السودان –ضربا بالسيادة الدستورية للشعب!.
D      مخالفة المرجعية الدستورية إنتهاكا لتوصيفات دولة السودان فيه (دستور السودان للعام 1998م).
D      التعجل لفصل جنوب السودان حتي دون حسم مسار حدود البلدين وغيرها من مسائل شائكة وأخري عالقة كعملية تفويت النظر في عدم الوصول لتسوية ديون السودان الخارجية بين البلدين وإرجاء مناقشتها لاحقا. فإنه وحتي قبيل إعلان نتيجة الإستفتاء علق الرئيس البشر بقوله: (نحن عارفين الجنوبيين صوتوا للإنفصال بنسبة 99%، وما زعلانيين، ومبروك عليهم دولتهم! وهذا ما أكده لاحقا نافع على نافع لوكالة رويترز قبيل 24 يوما من تاريخ إقتراع الجنوبيين – بإعترافه قائلا: فشلنا.. والجنوب سيختار الإنفصال ويجب عدم خداع النفس.. نحن عجزنا في الحفاظ على وحدة السودان
D      الرضا بفترة قصيرة بحدود الست سنوات والإعلام الرسمي ينقصها لخمس لإختبار الوحدة الجاذبة، كان هم الحكام الفعليين طيلة ذلك الوقت هو سرعة إنقضاؤها وليس تحقيق أي نجاح فيها لما شابها من قصور مقصود – في،
D      التلكؤ في ضخ ميزانية محفزات الوحدة الطوعية وبطؤ تنفيذات برامجها التنموية الموعودة –ثم،
D      تعمد الخطاب الحكومي تغييب الدعوة لبرنامج الوحدة الجاذبة وعدم التبشير بها حتي في وسائل الإعلام.
D      التنكر لمطلب الجنسية المزدوجة للجنوبيين ورفض إقامتهم ومضايقتهم وإشاعة عدم قبولهم بين المواطنين تعجيلا "بكشتهم" وترحيلهم. وهذه تدحضها أكبر نتيجة إقتراع للوحدة مع الشمال التي صوت لها الجنوبيون القاطنون بدارفور لسعة الترحاب بهم، حتي خطط المؤتمر الوطني عبر محسوبيه بالضعين لعمل ذات المضايقات بهم ببعض معسكرات تجمعاتهم بولاية شرق دارفور.
 
وهنا ربما يجئ السؤال حول دعم الحكومة لمعارضات الجنوب، فالقول الراجح أنها ليست لزعزعة الحكم أو خلق الإضطراب الداخلي فيه، وإنما نكاية من فعل الشئ بالشئ فيضم ودعم الحركة الشعبية لمتمردي دارفور، ولذا جاء دعم الحكومة لمعارضة الجنوب من هذا القبيل. فهناك مليشيات مدعومة من الخرطوم تقتل الأبرياء ونحن لانستطيع محاكتهم في حالة بقائهم في الشمال مثلا قبريال تانج كان متواجدا في الخرطوم وغيرهم من المتمردين.... فهذا الموقف التعلق بالبشير يلخصة هذا الموقف: يبدو وكأن هناك نية مبيتة لملاحقة الرئيس البشير هل هذا صحيح؟؟
- نحن في الجنوب لسنا من الذين يحبون الإنتقام من الآخرين –ويكمن أن نعفو عن كل الذين أجرموا في حق شعب الجنوب والبشير مهما كانت المسافات متباعدة بيننا وقع معنا اتفاقية سلام والاتفاقية تعني أن نترك الماضي ونتوجه صوب المستقبل- ونحن في الجنوب غير معنيين بموقف الجنائية تجاه البشير، مثلا إذا قبضت المحكمة علي البشير وبقي النظام (بنافع وخال الرئيس) ماذا نستفيد نحن من هذه الخطوة- والبشير في النهاية فرد حتي ذهب للجنائية لن ترجع أرواح الضحايا ولن تحل فضية دارفور. المهم نحن لاتحركنا المرارات الشخصية، فقط نريد تنمية وإستقرار الجنوب وغدا من يدري ربما إنقلب البشير علي الاخوان المسلمين مثلما فعل جعفر نميري ونحن حاليا نشاهد بوادر هذا الصراع وربما تحول البشير إلي ديموقراطي علماني ونبقي في حاجة إلي وجوده. ويغادر الطيب مصطفي إلي الحجاز.
 
أما من جهة الطرف الثاني، فقد سبقت الاشارة أعلاه بان الحركة الشعبية وجيشها الشعبي تخطيط مستحكم وامر مبرم يهدف لتحقيق الغاية بعناية وتناغم –ألا وهي فعلا ظهور "السودان الجديد"، الذي بشر به لأول مرة الدكتور جون قرنق مؤسس الحركة الشعبية ومهندس "ثورية تحرير السودان". وعلي ذلك يعتقد أن العوامل الدافعة للحركة الشعبية لرجوعها لخيار فصل الجنوب (أهداف الأنانيات) إلي جانب تحقيق الأهداف الإستراتيجية المذكورة آنفا هي لقناعتها بأهمية الخطوة تلهفا لتحقيق شعار السودان الجديد ولو جزئيا أو ما يمكن إعتباره مرحليا بإخضاع السودان للتجربة وما يلزم ذلك من توابع وتعهدات([‌ر‌ر]). عليه فإن الأسباب المعجلة لأجراء فصل الجنوب من قبل الحركة الشعبية، ربما تبقي في خططها مجرد كوامن؛ منها ما هو وقتي إستنفد في حينه، ومنها ما هو مستمر باقي، ومنها ما هو مستقبلي مدخر لوقته – يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:
 
D      فرض الإنجليزية كلغة رسمية دون الأخذ بلغة المخاطبة السائدة "عربي جوبا"، إيذانا ببدء نهايتها، وذلك عملا بالتوجه الأفريقاني وفقا لمفهوم رؤية السودان الجديد!.
D      جاهزية تدفق صادر البترول كمورد لدعم الموازنة، محفز آخر يعجل بإجراء فصل الجنوب!
D      إستبعاد خيار سودان ديمقراطي تحت هيمنة منظومة الجلابة بالرغم من أن إتفاق مشاكوس ضمن في حالة تأكيد الوحدة قيام نظام ديمقراطي علي أساس إتفاقية السلام الشامل([‌ش‌ش]). ففي ظل عهد ثورة الإنقاذ، إن كل الممارسات الديمقراطية في كافة مستويات الحكم قد أدت لتداول السلطة بين نفس عناصر الحكام الفعليين أو مناديبهم بأجهزة الدولة المختلفة([‌ت‌ت])؛ نقلا، تبديلا، إحلالا أو إبقاءا وهو ما ينافي مبادئ السودان الجديد، الأمر الذي دعي الحركة الشعبية لسحب مرشحها ياسر عرمان من الإستمرار في الإنتخابات الرئاسية للعام 2010م. فإستبعاد هذا الخيار قد عبر عنه أيضا الأمين السياسى لحركة العدل والمساواة السودانية الإستاذ سليمان صندل حقار، والعالم يترقب بدء مفواضات السلام مع حركات دارفور المسلحة، منتصف فبراير 2014م –بقوله: لا سلام ولا حرية ولا عيش كريم ولا إعتراف بالتنوع الثقافى فى ظل نظام المؤتمر الوطنى. الفجر الجديد القادم يصنعه شباب السودان تحت أسنة الرماح وبالعمل المعارض الدؤوب والثقة فى أنفسهم وفى المسقبل وفى ربهم من قبل ومن بعد. جحافل ثوار الجبهة الثورية أكثر عزيمة وإصراراً وإستعداداً لمزيد من التضحية والثبات على خط النار فى هذه المرحلة الحرجة.
D      تبني فلسفة المواءمة للعبور بخطة فصل جنوب السودان كقاعدة إنطلاق لبناء السودان الجديد!.
D      الإستمرار في دعم ثورية تحرير السودان وجبهة تحالف كاودا بشكل مباشر أو غير مباشر.
D      التمسك ببرنامج السودان الجديد والمواصلة فيه بحزافيره برؤيا مؤسس الحركة الشعبية وعقيدة جيشها وعزيمته النضالية حتي بعد قيام دولة جنوب السودان، أي أن مجرد قيام هذه الدولة لا يعني إكتمال صورة السودان الجديد الذي بشر به الدكتور قرنق!.
D      التخوف من سقوط حق تقرير المصير وضياع فرصته نهائيا في حال قناعة الجنوبيين بالوحدة الجاذبة وإستفتائهم لصالح الوحدة (وهو الخيار الأكثر إحتمالا لو كان الدكتور قرنق حيا!).
 
أما في جانب المجتمع الدولي والدول ذات المصالح والمطامح المحتملة بالمنطقة أو الدول ذات الأهداف الخاصة بمعارضة توجهات السودان، فإن عوامل الوقوف مع طلب إقرار حق تقرير المصير بالإتفاقية وتأييد إنفصال الجنوب وأي خط إنفصال لاحق محتمل، ودعم برنامج إستفتاء تقرير المصير، تبقي واحدة كما ذكرنا في مصفوفة مؤشر تقرير المصير سابقا، لأن المجتمع الدولي غير معني بمخاطبة أهل السودان في شأن داخلي ينظر إليه بحساسية تسويغ تقرير المصير الغير مبررة أخلاقيا ولا قانونيا!. فعوامل التأييد المذكورة في الفقرتين أعلاه هي خاصة بأسباب التعجل بالإستفتاء حول تقرير المصير وليس تقرير المصير في حد ذاته، كأمر أقرته الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني علي أسس مصلحة النظام وليس علي أسس القواعد المجتمعية. أدناه مواقف تأييد المجتمع الدولي لفصل جنوب السودان كما أوردنا سابقا ولكن بشيء من الإيضاح بالنقاط الآتية:
 
D      تفكيك السودان لتطلعاته وتوجهاته الغير مضمونة تخوفا من تكرار سيناريو .......... آخر.
D      تقسيم السودان لكيان شبه عربي مسلم بشماله يضمن قيام دولة علمانية مسيحية صرفة بجنوبه.
D      علاقات السودان المزدوجة والمشبوهة بأنظمة وتنظيمات تعتبر إرهابية إقليميا ودوليا –ثم،
D      تزايد فرصة القضاء علي الحركات السلفية الجهادية والتي يمثل السودان من أحد البؤر المفرخة والمفوجة لها بالمنطقة([‌ث‌ث]) بدءا من معتقليه بحركة طالبان، مرورا بمغامريه في عملية تهريب السلاح لحماس إلي مشاركيه ضمن جهاديي مالي بغرب أفريقيا مؤخرا.
D      فصل الجنوب يعني رفع الحرج في مسألة شمول الحظر الإقتصادي وذلك بحصره في معاقبة السودان فقط دون شعب دولة الجنوب مع إبقائه كذلك ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب حتي إشعار آخر([‌خ‌خ]). 
D      توفير حاجز أمام المد الإسلامي بالمنطقة عبر الضغط المسيحي والمنظمات الكنسية العاملة بالمنطقة.
D      إيجاد فرص مخابرات وبناء قواعد حربية كسيف لتوجيه الموارد والطاعة لأجل ديمقراطية متحررة
D      دعم خطة مشروع السودان الجديد القائمة علي تطوير علاقات بناءة مع دول الغرب وتبني العلمانية وركل الشريعة الإسلامية.
D      تفضيل إبقاء السودان في حالة عدم إستقرار مستمرة إستفادة من الوضع المتأزم في معظم أطرافه وهذا ما يتوافق مع تعليق مشكلة دارفور دون تدخل حاسم لأجل تمرير الأجندات وغيرها من أهداف  إضطرابية.
 
فما يجب التنبه إليه بجدية للذين أربكهم إلتزام الدكتور جون قرنق بوحدة تراب السودان ولم يفلحوا في فهم ما يشير إليه معني السودان الجديد وما وراء ذلك، عليهم إعادة قراءة خطاب الحركة الشعبية في الفترتين؛ الفترة الحرجة ما بين مقتل مؤسسها والإستفتاء بالإنفصال، والفترة الحاسمة لمستقبل إتجاهات الحركة ومبادئها المنظورة من أول خطاب ألقاه الرئيس سلفا لمناسبة الإستقلال إلي آخر إشارات أمين الحركة الشعبية باقان أموم الداعية للمواجهة في ظل الهجمات التي قام بها الجيش الشعبي داخل أراضي السودان. فالدلالة واضحة بحيث أن الحركة الشعبية مشروع ماضي فيما أسس له وهو تحرير كل السودان، وتتمثل إشارات ذلك مبدئيا في سر تمسك الحركة الشعبية لتحرير السودان بإسمها كاملا دونما تعديل، مع إبقاء ذات المسمي علي متمردي جنوب كردفان والنيل الأزرق بالسودان، ثم إلتزام حكومة جنوب السودان بمبدأ تحرير السودان، وعهودها المرتبطة بذات الأمر وخاصة تعهد الرئيس سلفا لما أسماهم إخوة في الدم؛ في دارفور، جبال النوبة والأنقسنا – بعدم نسيانهم عن سائر أهل السودان!. وهذا ما يحاول هذا الكتاب فك طلاسمه بنظرة حيادية مجردة وقراءة لما بين السطور لثورية تحرير السودان، بدءا من منفستواتها وخطاباتها كمفاهيم مستجدة علي الشأن السوداني والسودانيين، ومن ثم صيرورتها كدلالة للإستلهام لنشوء أي تمرد تلا الحركة الشعبية لغاية الآن أو المستقبل الآجل!.
 
الدكتور جون قرنق كان يقر بالقوميات العربية والثقافة العربية كتعميمات في مكون الهوية السودانية، ولكن حينما يتعلق الأمر بالتخصيص فإنه يعمد عدم ذكرها كأجناس تماما كما في مخاطبته لعدد من أسري جيش الحكومة بمنطقة ياي في العام 1997م، وذات الأمر كرره بوضوح الرئيس سلفا كير في ذلك التعهد الذي قطعه علي نفسه بعدم نسيان الحركة الشعبية لإخوتها في الدم أثناء خطابه لمناسبة ولادة دولة جنوب السودان عام 2010م. تعزز هذه المواقف ذلك التوجه المتبدي بضرورة ظهور السودان الجديد بثوب الأفريقانية الذي تقوم بقصه وحياكته الحركة الشعبية!. فإنه وحتي كتابة هذه الأسطر، تمضي الخطة حثيثة بإستنساخ منهج ومبادئ الحركة الشعبية علي كافة الحركات المتمردة الآن بالسودان –لتحقيق تلك الأهداف التي بنهايتها يمكننا أن نري سودانا جديدا. فالسؤال مرة أخري، ما شكل هذا السودان الجديد؟. لقد طفحت بعض الإشارات مدللة بأنه سودان علماني، ذي توجه أفريقي وقد قيل بلا عروبة وبلا إسلام!. فهل أمة السودان مقبلة علي بلاء أكبر مما إبتليت به علي خلفية هذه المخطط المقصود منه التمهيد لنشوء تباغض أو صراع عرقي ذي طابع أفريقي-عربي يفضي لإستعمار طرف لطرف آخر أو تنزيحه وطرده([‌ذ‌ذ])، أم يتحول الأمر لحرب ملحمة بين مسلمين مؤمنين وآخرين علمانيين متنكرين للدين أو لا دينيين –وهو الراجح المحتمل!.
 
فأي مستقبل ينتظر هذا السودان، وكيف يمكن للحركة الشعبية وتحالف الجبهة الثورية السودانية ومن آمن من الأحزاب السياسية بوثيقة الفجر الجديد أن يضمنوا جميعهم سودانا آمنا بهذا التصور - تلك التوجهات وهذا المخطط!. ما الضمانات الملزمة للأقاليم المخطط إنفصالها لاحقا حتي ترضي بإعادة الدمج لإقامة هذا السودان الجديد، أم أنها ستظل دولا مستقلة إلي الأبد مستفيدة فقط من ذلك المخطط!. ما هو الموقف الدولي أو العربي أو الأفريقي المرجح إتخاذه من الذي يجري نحو كارثة محتملة ووشيكة الحدوث بالسودان! إلي أي مدي يمكن توقع إنخراط القوميات ذات الأصول العربية في إتجاه تكوين وبناء السودان الجديد إستفادة من الماضي وتفاديا للمزيد من إراقة الدماء، إعترافا بواقع التصاهر وأخوة الدين!. هل لثورية تحرير السودان بدائلا أخري وخططا غير معلومة لتحقيق شعار السودان الجديد كما رسم دون أي مصادمات وإراقة دماء. الإجابة، أن الأمر كله هو منفستو الحركة الشعبية المعني بأرض المليون ميلا، أرض السودان التي نال إسقلاله بها العام 1956م، كأكبر دول أفريقيا والعالم العربي، وفي موقع أبي إلا أن يكون بوتقة للتواصل والتلاقح العربي الإفريقي مهما أنكر المنكرون!.
إنتهي هذا الباب من كتاب ثورية تحرير السودان الذي من المتوقع صدوره كاملا في غضون الأشهر المقبلة –الكاتب
المؤلف: الشعب السوداني - يناير 2014م
 
 
 
دارفور لا يمكن ان تعيش مع بقية السودان وبهذا الاسلوب الا في اطار حكم ذاتي كامل..قوات الجنجويد يشرف عليها البشير.
مناوي : دارفور لا يمكن ان تعيش مع بقية السودان وبهذا الاسلوب الا في اطار حكم ذاتي كامل..قوات الجنجويد يشرف عليها البشير.
تاريخ جنوب السودان لا يعرف عنه إلاَّ القليل قبل عام 1820.. وبدأ كثير من الأوروبيين رحلاتهم لاكتشاف منابع النيل.. خلال فترة الحكم التركي قبل عام 1885عيّن الخديوي «حاكم مصر» بعض الأوروبيين كمديرين للاستوائية لخدمة أغراضه ومد نفوذه وقد اشتهرت فترة الحكم التركي وفترة حكم المهدية 1885 - 1899 بغارات جلب الرقيق التي قام بها بعض الأوروبيين والمصريين وأهل شمال السودان مما نجم عنه شعور زائد بالكراهية وولّد خوفاً شديداً تجاه الشماليين.. بالطبع فقد حُرِّمت تجارة الرقيق بعد الفتح المصري الإنجليزي عام 1899. من ناحية الدين والمعتقدات فأغلبية سكان شمال السودان يعتنقون الدين الإسلامي أما معظم سكان الجنوب فلا دينيين وقد بدأت الارساليات المسيحية عملها في الجنوب منذ عام 1848وتم زيادة نشاطها وتنظيمه بعد الفتح في عام 1899 وقد سمح لكل من الإرسالية الكاثوليكية والإرسالية البروتستانية بالعمل التبشيري في جنوب السودان مع تكليفها بمسؤولية نشر التعليم بين أبناء وبنات الجنوب بل وقدّمت لها إعانات مالية من الحكومة بدءاً من عام 1927.
يعد التاريخ السياسي لجنوب السودان من الملفات المهمة لفهم طبيعة السودان الخاصة، حيث تضافرت مجموعة من العوامل علي تقسيم السودان معنويًا قبل أن تصبح حدوديًا في القرن التاسع عشر عندما استعمرت بريطانيا السودان مع مصر. قامت السياسات الاستعمارية علي اظهار الاختلافات الإثنية واللغوية والعرقية والدينية، وفرقت المملكة المتحدة في التعامل مع الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم، فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدي الأوساط المسيحية في الجنوب أن الشماليين هم تجار رقيق. وبعد جلاء القوات بريطانيا وانفصال السودان عن مصر طالب الجنوبيون أن يكون لهم نظام خاص لهم داخل الدولة السودانية الموحدة، وهو الأخذ بنظام الفدرالية، ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة إنه يؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي. في أغسطس 1955 تمرد بعض أعضاء الفرقة الجنوبية من الجيش السوداني بإيعاز من المملكة المتحدة ضد الشمال، حيث كانت هناك شكوك لدي الجنوبيين على سياسات وزارة إسماعيل الأزهري التي تشكلت في يناير من نفس العام. وفي عام 1958 وبعد تولي إبراهيم عبود للسلطة قامت الحكومة العسكرية باتباع سياسة التذويب بالقوة مع الجنوبيين، وأدي ذلك إلى مطالبة الأحزاب الجنوبية وعلي راسهم "حزب سانو" باستقلال الجنوب، كما تم تشكيل حركة أنانيا التي بدأت عملياتها العسكرية في عام 1963، وبعد الشد والجذب تم بحث تسوية سلمية للصراع، حيث عقد مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965. وفي عام 1972 تم توقيع اتفاقية أديس أبابا والتي أعطت للإقليم الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد، إلا أنه في يوليو وسبتمبر من عام 1983 أصدر الرئيس جعفر نميري عدة قرارات أطاحت بالاتفاق منها تقسيم الإقليم إلى ثلاثة أقاليم ونقل الكتيبة (105) وبعض الجنود إلى الشمال وإتهام قائدها كاربينو كوانين بإِختلاس أموال، كما تم إرسل قوات لإخضاعها فأدي ذلك إلى هروبها إلى الادغال الاستوائية لتصبح فيما بعد نواة لجيش الرب، فكلفت الحكومة العقيد جون قرنق بتأديب الكتيبة، إلا أنه أعلن انضمامه إلى المتمردين مؤسسًا الحركة الشعبية لتحرير السودان ولها جناح عسكري عبارة عن جيش، وأعلن إن هدف الحركة هو "تأسيس سودان علماني جديد" قائم على المساواة والعدل الاقتصادي والاجتماعي داخل سودان موحد، وقام برفع شعارات يسارية فحصل علي دعم من إثيوبيا وكينيا خصوصًا الرئيس الإثيوبي منغستو هيلا ميريام. ثم التحول عنها لما لها من معارضة من كافة السودانيين واستبدالها بشعار السودان الجديد كشيئ من المواءمة
وبعد الإطاحة بنظام جعفر نميري عبر انتفاضة شعبية عام 1985 كان هناك أمل في التوصل إلى اتفاق مع الحركة، ولكنه فشل بعد اجتماع رئيس الوزراء الجديد الصادق المهدي مع قرنق بعام 1986. وفي نوفمبر من عام 1988 تم إبرام اتفاق بين قرنق ومحمد عثمان الميرغني في أديس أبابا والذي نص على تجميد قرارت سبتمبر 1983، ولكن هذا الاتفاق لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ بعد انقلاب يونيو 1989 بقيادة عمر البشير والتي تبنت شعار "الجهاد الإسلامي" ضد القوى الجنوبية مستعينة بتسليح مليشيات تدعى قوات الدفاع الشعبي، وحققت الحكومة عددة انتصارات عسكرية.
وفي أغسطس 1991 وبعد سقوط نظام منغستو في إثيوبيا وانشقاق الحركة الشعبية، حاولت الحكومة الاستفادة من هذا الانشقاق فأجرت الاتصال منفردة مع لام أكول بوثيقة عرفت باسم "وثيقة فرانكفورت" والتي وقعت في يناير من عام 1992، إلا أن الحكومة السودانية أنكرتها بعد ذلك. وفي مايو 1992 وتحت رعاية الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا أجريت الجولة الأولى للمفاوضات في أبوجا، ثم الجولة الثانية في مايو من عام 1993، ولكن لم تسفر هذه المفاوضات عن شيء. وتضاعفت الجهود الدولية من خلال "منظمة الإيغاد" إلى أن تم توقيع اتفاق اطاري يسمي "بروتوكول ماشاكوس" وذلك في يوليو من عام 2005 والذي أعطى للجنوب حكم ذاتي لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات، وحق تقرير المصير وفرصة للجنوبيين لتفكير في الانفصال، كذلك أعطى الفرصة في بناء مؤسسات الحكم الانتقالية كنوع من الضمانات. وفي 9 يناير 2005 وقعت الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، والذي نصت بنوده على:
  • حق تقرير المصير للجنوب عام 2011.
  • اجراء انتخابات عامة علي كافة المستويات في مدة لا تتجاوز عام 2009.
  • تقاسم السلطة بين الشمال والجنوب.
  • تقاسم الثروة.
  • إدارة المناطق المهمشة بين الشمال والجنوب.
  • الترتيبات الأمنية.
يا البروف، هه البخليك تنعم بخيرات بلدك منو؟ الماسونيين، المتأسلمين أم المتأسرلين؛ هؤلاء جميعا هم المنافقون الجدد؛ المندسين في الحكومة، في الحركات المسلحة وفي المعارضة الذين لا يهمهم جميعا سوي إحتراق السودان وإبقائه مشتعلا اليوم وغد وفي كل مرة؛ لا تعلمونهم الله وحده يعلمهم! الفرصة الوحيدة لإختبار من هم أبناء السودان المخلصين هي تعقب التصريحات الدالة دائما علي الفتنة والخراب، وتعقب الإقتراحات المؤيدة لتخصيص القطاع الحكومي وتدمير المشروعات، تعقب من هم لا يؤيدون ضبط الشارع وتمكين شرع الله في الارض. نعم ان عدم الرضا بالنظام القائم هناك عدة طرق يكمن اللجوء اليها دون سفك الدماء- بتطبيق حق ما يمكن تسميته بالعصيان الصامت -بالاتي:
1- طرح صوت الثقة في الحكومة ببقاء العاملين بمنازلهم. فالعصيان الصامت لمدة أسبوع واحد اقوي سلاحا من محاربة الحكومة والدخول معها في مواجهات تكون سببا في دحخول الاخرين الذين لا يهم سوي (مديدة حرقاني)
 
 


[‌أ]-الواقع السوداني المألوف هو ذلك التمازج الإجتماعي الذي تآلفت عبره أمة السودان مكونة هذا السودان بالشكل الذي ظل به ملتحما منذ الثورة المهدية وإلي إنفصال الجنوب كدولة مستقلة الآن (أنظر ص 6/الهامش5). أما المستقبل المأسوف هو تلك النتيجة لتلك العوامل التي طرأت خاصة بعيد الإستقلال وأدت إلي ذلك الإنفصال وربما مزيدا من الإنفصالات المحتملة التي بها سنري سودانا غير ما كنا نري!
[‌ب]- يؤكد ذلك بقاء الحركة الشعبية وجيشها معا كأقوي مؤسستين بالدولة وبلا تعديل حتي في التسمية المقرونة بـ(تحرير السودان!)، إلي جانب إحتفاظ  أتباعها بعد الإنفصال من متمردي النيل الأزرق وجنوب كردفان بذات التسمية المختصرة حاليا بـ (SPLM/A-N) كأكبر حركة تمرد الآن بالسودان.
[‌ج] - مصداقية الدكتور قرنق مرتبطة بمبرره للإنفصال ومفهومه للمواطنة ورؤيته للعروبة والإسلام في السودان كدولة موحدة!
[‌د] - "إرجع يا عب، دورك بالصف!" قالها أحد الضباط الجلابة بالجيش للعقيد الدكتور جون قرنق مباشرة حينما جاء لتقديم ملف خطة إسكانية ووجد عددا من الضباط أمامه، فاستأذنهم للتخطي بعدما شرح لزملائه أن أمامه محاضرة بجامعة الخرطوم يود الإسراع إليها، ولكنه حالما وصل إلي شباك التقديم فاجأه ذلك الضابط بتلك العبارة الجائرة والجائزة في أدبيات جنسه. وكرد فعل، مزق د. قرنق ملفه وخرج مسرها في نفسه حتي أعلن تمرده عام 1983م علي "النميري" حينما أرسله لقمع تمرد بمنطقة بور ولكنه إنضم له مدفوعا بتلك العبارة!. هكذا روي أحد الضباط الشهود الذي فضل عدم ذكر إسمه.
[‌ه] - من غرائب الأمور الدالة حتي علي شيئ من السخرية، ملاحظة كيف قبلت وزارة التربية والتعليم السودانية تمرير مادة تربوية تحمل الإسم "منقو" وهي الإيحاءة للقرد الصغير عند أهل شمال السودان والذي أطلق كرمزية لطفل من جنوب السودان فرض عليه أن يقول: "منقو قل لا عاش من يفصلنا"
[‌و] - فقد رأي د. فرنسيس دينق في كتابه صراع الرؤي –بأن هذا التوجه هو محاولة لفرض أنموذج الهوية العربي-إسلامية بالجنوب –بقوله: (إفترض الشماليون بشكل عام بأن هويتهم تعتبر النموذج القومي، وما كان سائدا في الجنوب صورة مشوهة فرضها الإستعماريون للإحتفاظ بالبلاد منقسمة).
[‌ز] - لقد كان القاسم المشترك للتعليقات علي هذا الموضوع في الأنترنت علي نحو: (إذا كانو بجتهدوا لمرضاة الله، فلماذا الإعتذار إذاً - "وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ"). فإذا لم يشمل إعتذاره ذلك الإقصاء والكراهية والفساد والعنصرية وما نتج عنها من تقسيم للبلد ودماء سائلة تمردا وحروبا عرقية –فمن أي شيئ يعتذر، أم كان يعني التردي الأخلاقي وإنتشار الرزيلة وتفشي المخدرات!!!
[‌ح] - أنظر الهامش (أ) بالصفحة (24).
[‌ط]-هذه المصفوفة محاولة لقراءة تقرير المصير من زاوية تفهم الظروف المؤاتية لولادته وزاوية  تفهم ردود الأفعال وتفهم المخاطر المترتبة عليه.
[‌ي]- مناورة حكومة جنوب السودان إختلاق قضية وكسب إعتراف دولي يؤيد إدعائها في تبعية مناطق أبو هجليج، شريط بحر العرب ومربع الردوم.
[‌ك]- كشف الرئيس سلفاكير صراحة في خطابه لمناسبة الإحتفال بميلاد دولة جنوب السودان –قائلا: (بأن لدينا إخوة في الدم في دارفور، وجبال النوبة والأنقسنا ... لا ننساهم!)، وهذا ما ذكره تماما عام 1989م بيتر أدوك نيابا في كتابه سياسة التحرير في جنوب السودان ص/20/طباعة مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي/عام 2005م. (...أن تحديدا واضحا لآمال جنوب السودان ولمواطنيهم في جبال النوبة، الأنقسانا، دارفور والبجا يجب أن ترسم!).
[‌ل]- خيار إنفصال هذه المنطقة مع إنضمام بعضا من أجزائها لدولة جنوب السودان يبقي واردا، إلا أن بعد نظر الحكام الفعليين لن يؤيد هذا التوجه بل سيعمل علي بقائها بجسم الدولة السودان كجدار واقي أو خط  نار عازل لأي تقدم محتمل نحو العاصمة الخرطوم. وعليه فإن بقاء المنطقة مشتعلة  كخطر كامن أو ماثل كما هو الآن هو الخيار الأكثر إحتمالا في ظل حكم مجموعة الإنتهازيين المتسلقين للسودان - (أنظر الفقرة 3/ ص16).
[‌م]- كتاب تفتيت السودان، إنظر ص/6، الطبعة الأولي/مكتبة جزيرة الورد، المؤلف/ محمد النعيم أبو زيد.
[‌ن]-(إذهب للقصر رئيسا، وأنا أذهب إلى السجن حبيسا!)، هكذا قال الشيخ الترابي للجنرال البشير تمويها للعالم!، عندما تواءما/تموءما (كهنوت وعسكر) للإستيلاء علي السلطة في العام 1989م. وظلت المواءمة بينهما متقدة "هي لله، هي لله!" حتي تفاصلا عداوة منذ العام 1999م وإلي الآن. فالراجح أن الرجلين كان كل منهما يتربص بأخيه لعلمه بحقيقة أخيه الآخر، ولذا كان رد فعل البشير حاسما بشأن حيل الشيخ الدالة علي توجهه لتقلد زمام الأمر. 
[‌س] -علي غرار deep state of Nazi
[‌ع]- كالتعاون الإستخباراتي الذي خانوا به من أووهم من قاعدة وجهاديين أخر(د. أسامة أحمد عيدروس في الفقرة/3  من بحثه بالإنترنت بعنوان:Why Does Sudan Remain in The List of Terror)، وكذا تنفيذات خطط الماسونية التخريبية لحكر وتدمير إقتصاد البلاد. (إشارات الصحفي إسحق أحمد فضل الله عن الماسونية والماسونيين بالسودان، وإعترافه بأن الانقاذ دمرت السودان)  http://amanaseer.ahlamountada.com/t6157-topic  
[‌ف]- لا نقول أن غرنق لم يحالفه الحظ في التسمية، ولكن واقع الحال يشير إلي أنهم غير ذلك من بعض مظاهر الفقر المشاهد علي عوامهم خاصة بشمالي  السودان، ولكنها هي المجموعة المتسلقة التي إستأثرت بالكعكة في كل مرة منذ أعوام الـ 1960م وإلي الآن، بغض النظر عما إذا كان غالبهم جلابة أم لا. فالجلابة كالبقارة تسمية محلية مرتبطة بالمهنة لقبائل الإقليم الشمالي من جعليين بشندي، شايقية بكريمة، ونوبة محس بدنقلا وحلفاويين وغيرهم. يري علي مترفيهم آثار النعمة والحكم من حظوة تمتعهم بتداول السلطة والثروة ما جلب عليهم نقمة نتج عنها ما نشاهد من تمردات بالبلاد. فإجتماعيا فإنهم ليسوا علي تلك الدرجة من التناغم فيما بينهم ولا هم ممن  يناصرون حزبا واحدا، ولكن مع تطور الأحداث بخروج الترابي وتمرد دارفور ظهر من بينهم ما سمي بكيان الشمال الذي يمثله كبار قياداتهم بالدولة، متبوعا لاحقا بحركة تحرير كوش كفصيل ظاهره تبني شعار السودان الجديد وباطنه مقابلة ذلك الكيان الراعي لسيناريو تفتيت السودان كآلية تخطط عرقيا لكيان إقليمي لدولة كوش النوبية المرتقبة ما بين السودان ومصر!.
[‌ص]- راجع مقالته بعنوان Beyond Darfur بالرابط: http://www.foreignaffairs.com/articles/63399/andrew-natsios/beyond-darfur
[‌ق] - من براءة عمدة الجعليين حسن نمر مما إلحق بعموم أهله عبر الرسالة التي أراد تبليغها للعقيد قرنق عام 2003م والتي كلف بها الدكتور منصور خالد بنقلها له، والتي أوردها في كتابه "تناقص الأوتاد وتكاثر الزعازع - ص/282" –بالنص: (لي رسالة أرجو أن تبلغها للدكتور جون قرنق إن لم يكن قد بلغها له ياسر عرمان الذي حملته نفس الرسالة إبان زيارة وفد الحركة للخرطوم) –قلت: ما رسالتك ؟! ... أجاب: أبلغه (إن الذين يرموننا بالعنصرية لا يعرفوننا وأنقل له إني سأكون على رأس مستقبليه في الخرطوم لاصطحبه معي للمتمة، يشرب القهوة مع أهلها) –تعليق الكاتب: الإصرار علي تبليغ هذه الرسالة ربما ينطوي علي مناورة ما أكبر من قائلها ولكننا في هذا المقام من هذا الباب نحملها علي حسن النية!.
[‌ر]- من إشارات د. غازي صلاح الدين والتي زعم فيها أواخر مايو 2013م أن الإسلاميين الحقيقين بدولاب الدولة الآن لا يتجاوزون الـ 20% فقط.
[‌ش]- جزم الرئيس عمر البشير بنهاية التمرد في السودان بحدود العام 2014م، هي أيضا من قبيل مفردات الخطاب الإسلامي والتوعدات المعهودة.
[‌ت]- من إختيارات العقل تنازل الدولة عن مشروعها الإسلامي وتحللها عن مبادئ بيانها الأول لصالح الإنتحاء الجهوي الصارخ بالبلاد وهو ما شفع للواء قوش وود إبراهيم بالبراءة في محاولتهم الإنقلابية خلافا لرفاقهم مجموعة اللواء الكدرو الـ28 الذين أعدموا رميا، وفي الـ28 رمضان عام 1990م، حيث الثورة في عز عنفوانها، دون مراعاة لحرمة الشهر الفضيل ودون تقدير لمشاعر الناس وأسر الضحايا وأطفالهم الذين لا ذنب لهم وهم يستعدون لإستقبال عيد الفطر المبارك!.
[‌ث] - وهذا ما أوجزه الدكتور غازي صلاح الدين العتباني زعيم حزب (الإصلاح الآن)، بالخرطوم 5 يناير 2014م، بوصفه لرئيس جمهورية السودان، المشير عمر البشير، بأنه أصبح أستاذاً في فن البقاء وإضاعة الفرص التاريخية للبلاد، معتبرا أن إتخاذ الإجراءات الصورية من قبل النظام الحاكم وتسويقها لتكون إصلاحات ستزيد من هوة الثقة بين الحكومة والمواطنين. http://www.ahewar.org/news/s.news.asp?nid=1520215
[‌خ]- هذه المواقف المخذلة هي ما دعت الدكتور قرنق للتنبه ووصف الأحزاب السياسية موالية كانت أو معارضة للنظام الحاكم بأنها شيء واحد، حتي كما أوضحنا لاحقا بالصفحة 15 الفقرة 2، أنهم جميعا في نظرته وحساباته منذ العام 1955م وإلي العام 2005م، بأنهم "شماليون" مهما تصالحوا مع الجنوبيين كمعارضة أو حكومة أو تقاتلوا ضد بعضهم البعض!.    
[‌ذ]- الإحالات والإقالات الجماعية التي نفذتها الحكومة عبر برنامج ما سمي بالصالح العام ضد كل ما هو غير إسلامي بالخدمة العسكرية والمدنية معا.
[‌ض]- تسريبات ويكيليكس المتعلقة بسياسة فرق تسد التي تبناها رجال الإنقاذ لحكم البلاد –الدكتور غازي صلاح الدين أنموذجا. المصدر المحامي بارود صندل رجب: http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-12383.htm                                                                                 
[‌غ]-أمثال الشيخ حسن عبدالله الترابي زعيم الحركة الإسلامية ورئيس حزب المؤتمر الشعبي وهو يقارب الثمانين، الأمام الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة وهو يقارب الثمانين، وكذا الشريف محمد عثمان الميرغني زعيم الختمية ورئيس حزب الإتحاد الديمقراطي. أما الشيوعيون فإنهم حتي زعيمهم فقد رحل عن عمر يفوق السبعين وقد شهد قبل موته وهو في رئاسة الحزب أولي المظاهرات الفاشلة للربيع العربي بالسودان.
[‌ظ]- مأمورية اللواء الهادي بشري إلي أسمرا في ثياب المعارضين تحت (هيئة القيادة الشرعية للقوات المسلحة التابعة للتجمع الوطني الديمقراطي برئاسة السيد «محمد عثمان الميرغني»)، والتي وصفها الإعلام الحكومي وروج لها بأنها إنشقاق لجنرال كبير عن الجيش، ولكنها في الواقع مهمة أمنية بحتة ليس لشق صف المعارضة كما روج أمنيو النظام وصدقهم العوام تبريرا لعودته المستغربة، بل إنما كانت لتوصيل رسالة محددة لذات التجمع الديمقراطي، يعتقد بأنها كانت الضوء الحكومي لتمرير منح الجنوب حق تقرير المصير عبر المعارضة، وقد عاد بعدها الرجل للسودان ملتحقا بعمله وكأن شيئا لم يكن - مترقيا في رتبه العسكرية إلي أن عين واليا بالشمالية والنيل الأزرق مؤخرا. كان أيضاً مديراً لجهاز الأمن عقب سقوط حكومة نميري في 1985م.
[‌أ‌أ]- يتجشم جهاز الأمن الوطني والمخابرات هذه المخاطرة، خاصة في أيام اللواء صلاح قوش، في الوقت الذي تضع فيه الولايات المتحدة السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ 1993م، إضافة للعقوبات الاقتصادية منذ 1997م، وفرض الحظر على مبيعات السلاح منذ 2003م. للمزيد، راجع مقالة الأستاذ حافظ يوسف حمودة - المحامي، بعنوان: (سر العلاقة بين الخرطوم والارهاب الدولي والولايات المتحدة) بتاريح 8 نوفمبر 2013م المنشورة بموقع حريات – الرابط: http://www.hurriyatsudan.com/?p=134486
 
[‌ج‌ج]- إكتفت الحكومة بالسخرية فقط من شخص د قرنق وبشكل محدود، دون الإضطرار للرد بالمثل، تفاديا لحساسية الأمر بالنسبة لها وخروجه من دائرة السيطرة، لما يترتب عليه من ردود أفعال، تخشي منها إتساع دائرة إتهامها بالعنصرية والقبلية والمحسوبية والجهوية، ونسب ذلك كله لمجموعة الجلابة - المسمي المحظور تناوله والمتجنب ذكره حتي في المكاتب. وعليه فإن عدم ذكر كلمة جلابة بخير أو شر في الإعلام أو في المناهج التربوية القديمة والحديثة، كانت أمرا مقصودا حتي صارت عادة يؤاخذ قائلها بالعنصرية ويرمي بالرجعية!. فمصدر كلمة جلابة الدارجية من الفعل جلب يجلب جلبا وهو جالب، وأول من قالها منذ أكثر من مائة عام هم عرب غرب السودان (البقارة)، وكانوا يقصدون بها التجار الشماليون الجالبون ببضاعتهم من جهة بحر أبيض وأم درمان، وذلك تشبيها لهم بصفة الجلب المتعارفة عندهم، وهي التنقل بالبضاعة بغرض السوامة. فيقال للبدوية جالبة إذا أخذت منتجات ألبانها لسوق أبعد بقصد البيع السريع أو الربح، ويقال أيضا ذاك سوق جلاب أي لكثرة وارد المعروضات فيه. ومنذ ذلك الحين صارت كلمة جلابة وجلابي تطلق علي كل من هو من قبائل شريط نهر النيل وصارت اليوم هي الأوسع إنتشارا بحجم إنتشار الجلابة في مرافق الدولة - مراكز المال ومقالد الحكم!. وللمناسبة هنا، فقد قال أحدهم لماذا لم نسمع كلمة جلابة في الراديو أو نجدها في الكتب المدرسية في مقابل كلمة البقارة الشاملة لقبائل المجموعة الجنيدية بالسودان، خاصة بالأطلس الرسمي للدولة الذي أشار لهم بالبقارة ولم يشر لغيرهم ممن هم بشريط النيل بقبائل الجلابة! فقيل له: (الـ ماسك القلم ما بكتب عمره "شقي"!).
[‌د‌د]- نحسب أن هذه العقبة هي أيضا من المعوقات الكامنة أمام علانية الماسونية والعلمانية بالبلاد والتي تمرر أجنداتها فقط تحت عباءة النفاق خلافا "لمواءمة الرفاق!". فعند ظهور الرسومات المسيئة لرسول الإسلام خرج كل الشعب السوداني صوفية وأنصار سنة فداءا لنبيهم الكريم محمد (ص).
[‌ه‌ه]-إقرار د. أمين حسن عمر المنشور بصحيفة آخر لحظة السودانية عددها 1841/28-08-2011م بأنه: (ليست هناك  فرصة لتطبيق المشروع الحضاري!)، والذي أعلن فشله من قبل الإسلامي الجنوبي المعروف عبدالله دينق نيال عبر فضائية الجزيرة القطرية عام 2010م.
[‌و‌و]- الإسلاميون بالسودان يؤخذ عليهم تبني طريقة الغاية تبرر الوسيلة للإطاحة بالحكام، ومن أمثلة ذلك قيامهم بتخزين السلع بل حرقها وطرحها بالبحر أحيانا أخري. ففي العام 1983م من عهد الرئيس النميري، ضبطت الأجهزة الأمنية رموزا منهم عبر أحد السماكة الجنوبيين المدعو إيانق دينق، وهم يقومون بشراء كل رغيف الخبز بالعاصمة وتحميله علي شاحنات وتفريغه بالنيل قبل طلوع الفجر ولحوالي الإسبوعين، مما أدي لإقالة محافظ العاصمة المثلثة مهدي مصطفي الهادي وتعيين بدلا عنه اللواء المعروف بـ مصطفي جيش.
[‌ز‌ز]- الرئيس البشير يصف المعارض فاروق أبو عيسي بأنه رجل بلا قبيلة أي ليس له من يسانده في معارضته، وهناك من يقول بأن مستشاره غازي صلاح الدين يقع ضحية الإزاحة من مناصبه بسبب  ضعف وزنه القبلي   http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-109516.htm
[‌ح‌ح]- تفاقم ذلك الخلاف إلي أن حل الرئيس البشير المجلس الوطني البرلمان بقرارات 4 رمضان الشهيرة، والإتيان بمجلس يتفق ورؤي الحكام الفعليين.
[‌ط‌ط]- تكثر الإشارات عديدة في هذا الإتجاه علي المستويين الرسمي والشعبي (الجلابي)، ويعتبر موقف الدكتور حمدي الجرأة المعبرة صراحة عن هذا الإتجاه حينما صرح بأن هذا البلد أي السودان سيضيع، مؤكدا أن هناك حديثا بعد نيفاشا لحل قضية دارفور بنفس نموذج الجنوب.
[‌ي‌ي]- أسس العقل الجمعي في تكوينات المجمتع السوداني، نعتقد علي أنها بنيت علي تلك الإنتمائية السودانية بلمحتها ونبرتها الجاذبة التي تزداد شدة بين السودانيين كلما تغربوا عن وطنهم، وتربط بينهم بأرض الوطن بتلك الوشائج وذلك التقدير المتبادل والعهود المحترمة التي يزينها تمسكهم بدينهم وحبهم جميعا لنبيهم. هذه القيم شكلت أهم مكونات مبادلة الأحاسيس الوطنية بين السودانيين بعضهم البعض، داخل الوطن أو خارجه. وعليه فإن تطور العقل الجمعي تبلور مع دخول الإسلام أرض السودان حتي بلغ شأوه بقيام دولة المهدية التي إلتف حولها كل بني السودان بتجرد ووطنية لم يشهد لها مثيلا حتي الآن. فالدين الإسلامي لمرونته إنجذبت نحوه كل قبائل السودان بعادتها ومعتقداتها التي أخذت تتشذب رويدا حتي تلاشي ما يتعارض منها مع هذا الدين الجديد الذي لم يسجل له فرض تعاليمه كما يزعم بحد السيف أو غيره: TERRAMEDIA: Themes in Afro-Arab Relation/Page 20/p2: Mohamed Omer Beshir/Ithaca Press, 13 Southwark St. London
[‌ك‌ك]- لمسنا هذا الأمر حتي عند ظهور التمرد في دارفور، فإنه وفي العام 2003م قد إتصل بي أفراد من أحد الأحزاب المعارضة، ويبدو أنهم مكلفون بالعمل علي إستقطاب فئات من شباب الإقليم للإنضمام لذلك التمرد، فحينما طرحوا علي الأمر وضرورة تأييده والإلتحاق به، خطر ببالي سؤال واحد بعدما أكدت لهم إيماني بمظلمة الإقليم وإختلافي معهم في آلية التعبير المتمثلة في حمل السلاح –لما لها من عواقب، سألتهم لماذا لم يتم طرح الأمر للقبائل العربية والتنسيق معها لضمان بناء الثقة وتفادي عمليات الشقة المحتملة بسبب هذا التغييب، فردوا علي "أن العرب غير جاهزين لتفهم الأمر وكتمان سره، وأن الخطة ماضية لإفهامهم له لاحقا وليس هذه الأيام".
[‌ل‌ل]- ذلك التأييد مرتبط بنظرة الدول المغروضة بالسودان بداية ثم سودان الإنقاذ ثانية وشعارها "أمريكا روسيا دنا عذابها، وهويي يا الأمريكان ليكم تدربنا/تسلحنا!" والذي زاد من النظرة سوءا، ثم تأتي طامة إيوائه لزعيم القاعدة وعناصر جهادية وتكفيرية أخري تتميما لسوء النظرة حتي وصم السودان بالإرهاب منذ سنة 1993م وإلي الآن. أفرزت هذه التوجهات التي إستحدثتها ثورة الإنقاذ بالبلاد فكرا شوه صورة البلاد وسماحتها الدينية، إنعكس في تلك الأحداث الإرهابية الدخيلة التي روعت أمن المصلين بالمساجد وحتي أموات المقابر بالسودان. ففي هذا الصدد، فإن محاولة إغتيال الرئيس مبارك ومساندة المخلوع مرسي هي محسوبة علي هذا الفكر المستجد بالسودان والمتنامي بالمنطقة والمشرف عليه من رموز بعينها بالدولة وخارجها معا! (قارن الهامش:3/الصفحة:13).
[‌م‌م] -البروفيسور مصطفى حسن بادي (طب جامعة الخرطوم) قدم تشخيصا بل تعريفا دقيقا للتهميش –دون الإشارة للدكتور جون قرنق كأول من نطق به!، إلا أن صياغه جاء في قالب أسلوب سياسة التمويه لمغايرة الواقع بمحاولته تعميم التهميش بنسبه لكل المواطنين وليس للمهمشين تحديدا مع إحتمالية إختارهم له بأنفسهم!  –بقوله: (التهميش كمفهوم سياسي اجتماعي علينا أن نفهمه جيدا ونتعرف على أسبابه وكيفية معالجته حتى نتمكن من دفع التطور الديمقراطي في السودان في الاتجاه الصحيح وحتى لا نعود إلى المربع الأول لممارسات الماضي، إذا لم يستطع المواطنون الاستمتاع بكل العوامل والظروف التي تمكنهم من الإدراك والفهم والمعرفة الواضحة والمشاركة الفعالة والمؤثرة في جميع شئون حياتهم، فهم مهمشون ولا يغير من شانهم إذا كان هذا التهميش باختيارهم أو كان مفروضاً عليهم!) - صحيفة "الرأي العام السودانية" بتاريخ 16/5/2003م.
[‌ن‌ن]- يتمثل هذا بشكل أوضح في حديث القائد جون قرنق لأسرى الجيش السوداني عام 1997 بمدينة ياي حينما قال : "وناس برضو بيقولوا السودان لازم يكون عربي، ونحن برضو بنقول لا، القوميات العربية جزء لا يتجزأ من قوميات السودان، لكن موش كل الناس عرب، وده برضو واضح. فنحن بنقول يا جماعة كدي الطائفية والانحياز للجنس ده، كدي نسيبو، ونبني دولة بتاعتنا كلنا.. بيقولوا العروبة في خطورة.. الثقافة العربية ثقافة سودانية، جزء من الثقافات بتاعة السودان، ده ما فيه شك، لكنها واحدة من الثقافات.. النوير عندهم ثقافة، والفور عندهم ثقافة، والنوبة عندهم ثقافة، والدناقلة والبجة والدينكا عندهم ثقافاتهم، وكل الثقافات دي هي البتكوّن السودان.. ومافي واحدة من الثقافات دي مهددة، مافي خطورة على أي واحدة منها، سواء كانت ثقافة عربية أو افريقية أو غيرها في السودان.. فالتعدد الثقافي ده حاجة حلوة، حاجة كويسة، ما بطالة. خلينا نبني بيها السودان الجديد النحن بنتكلم عنه ده" -(صحيفة أجراس الحرية - أكتوبر 2008)
 
[‌ع‌ع]- التجمع الديمقراطي، تحالف كاودا، وثيقة الفجر الجديد ثم مؤتمر جنيف يوليو 2013م التي كلها جمعت بين عناصر ذات أهداف ورؤي وتوجهات وأيدلوجيات وإثنيات مختلفة ومتباعدة.
[‌ف‌ف]- بهذا التأييد وكخيار آخر، يمكن أن تفصل الحركة الشعبية الجنوب بالقوة وتعلن دولة وتنال عضوية الـUN  تماما كما فعلت الصهيونية بذات القدر!.
[‌ص‌ص]- وهذا هو تأكيد آخر للمقولة الشائعة علي لسان الحكام الفعليين بأنهم باقون حتي "تسليم الراية للسيد المسيح!" والتي أباح بها اللواء يونس في مقابلة معه بقناة الشروق، آخر يونيو 2013م، حول أحداث منطقة أبي كرشولا.
[‌ق‌ق]- هكذا دعا منفستو الحركة وهكذا كانت مواقف الإخوان المسلمين بالسودان رئاسة د. الحبر يوسف نور الدائم، والتي تلتها مطالب جماعات السائحون الجهادية، ثم مؤخرا جماعة حماة الشريعة –أرض النيلين http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=jxZpk6taRS0
[‌ر‌ر]- قيام السودان الجديد علي ما يبدوا برنامج باهظ التكلفة للحركة الشعبية لتنفيذ تحرير السودان بعد الإنفصال لما يتبع ذلك من تحديات تتمثل في الآتي:
       i.     الإستمرار والإلتزام بكامل منفستو الحركة الشعبية الداعي صراحة لقيام السودان الجديد علي تراب دولة السودان بحدود الإستقلال عام 1956م.
      ii.     الإيفاء بدعم وإيواء الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات التمرد الأخري وإيواء قادتها مع مخالفة ما يستجد من تعهدات تناقض هذا التوجه.
    iii.     دعم تطلعات وطموحات سكان السودان من أصول الممالك والساطنات القديمة الناظرة للسودان الجديد كأمل مرتجي ولجوبا كقبلة حج سياسي.
    iv.     الإلتزام بتمرير مرادات الدول ذات الغرض بالسودان وإملاءاتها القاضية بتفكيك وتدمير دولة السودان عاجلا أم آجلا.
     v.     تبديد سحابة الفشل بتوطيد حكم مهني راشد بدولة جنوب السودان مع مخاطبة التمرد المتزايد والتنافر القبلي المزمن في كافة أصقاعها.
    vi.     مجابهة شبه إستحالة فصل دارفور والشرق إلي جانب معوقات تطبيق نفس بروتوكولات مشاكوس مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال.
فإن هذه التحديات هي في مجملها مهددات أمنية خطيرة تستدعي خضوع برنامج السودان الجديد لشيء من التمحيص، مما سيؤدي لبروز تيارات تكتفي فقط بفصل الجنوب وتحسين العلاقة مع السودان.
[‌ش‌ش] - في أثناء الإنتخابات الرئاسية للعام 2010م، ساد إعتقاد بفوز مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية وهو ما دعي بعض المراقبين للقول بأن المؤتمر الوطني توصل لتسوية ما مع الحركة الشعبية أدت لإنسحاب مرشحها لإفساح المجال للرئيس عمر البشير للفوز بشكل أو بآخر، ولكن ليس من ثمة مؤشر يدل علي ذلك، حتي جاءت تصريحات ياسر عرمان مؤكده لإنسحابه للتزوير المتوقع، وهذا هو ما أشارت إليه جينداي فريزر مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية حينما شككت في قيام هذه الإنتخابات بشكل حر ونزيه وبلا عنف، كأمر زاد من قناعة عرمان بالإنسحاب.
[‌ت‌ت]- يعتقد البرلمانيون وكذا أعضاء المجالس المحلية بالولايات بأنهم منتخبون من قواعدهم، ولكنهم في واقع الأمر ما هم إلا مناديب تمثل الحكام الفعليين بشكل رأسي قاعدي وليس قاعدي رأسي كما يتوهمون وهم بمقاعدهم داخل تلك القباب –المجالس التشريعية بالولايات أومجلس البرلمان بإم درمان.
[‌ث‌ث] -عملية إعتقال النيجيري المشتبه في تفجير محطة بصات نيا نيا عضو بوكوحرام خريج جامعة أفريقيا العالمية  -انظر الاديان –الدول الغربية تحظر طلاب جامعة افريقيا العالمية
[‌خ‌خ]- جهود السفير الأمريكي جوزيف دي ستافورد بالسودان، بلقاءاته برجال الدين في مايو ثم نوفمبر 2013م بالخرطوم وفي سابقة غير متوقعة، يرجح أنه قام بها لمخاطبة تنامي هذه الحركات الجهادية بالسودان، كمسعي آخر ظاهره الدبلوماسية وباطنه صفقات الإحتواء!. وبما أن أولوية الإدارة الأمريكية هي مواصلة الجهود مع الحكومة الحالية للتوصل لتسوية ما بشأن منطقة أبيي وعقد إتفاق سلام مرض مع كافة المتمردين، فالإعتقاد الجازم أن هذه اللقاءات كان غرضها أساسا التقرب من الوهابية السودانية لإشتمالها غالب الإخوان المسلمين وكافة السلفيين والتكفيريين كجهة نافذة يمكن عبرها إحتواء هذه الحركات الجهادية ولوعن طريق دعم ثورة - سورية كانت أومصرية النموذج!، في حال عدم التوصل لأي تسوية بشأن أبيي أو إتفاق سلام مع الجبهة الثورية بالسودان.
[‌ذ‌ذ]- (أن العرب دخلوا دارفور وأدوا رسالتهم في نشر الإسلام والثقافة العربية وعليهم أن يعودوا إلي من حيث أتوا) هكذا كان التهامس جاريا بهذه الكلمة، كحل لأزمة التعايش في دارفور إبان الإقتتال الذي طال القبائل العربية والقبائل الغير غربية الأصل في الفترة ما بين 87-1997م، إلي أن تفوه بها صراحة أحد الرموز المحلية بدارفور ضمن نخبة من قبيلة الفور في لقائهم بوفد ألماني زائر في ذات الشأن بمدينة نيالا عام 2000م.