Tuesday, 4 March 2014


 

-        وفي ظل هذه الاوضاع تدخلت الايغاد وقد طرحت في منبرها الحركة الشعبية المطالبة بالكونفدرالية 1998م –فتحي الضو  -ص 434

-        اعلان طرابلس –فتحي الضو الهامش رقم 6 ص 449

-         

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ثـوريــة قــرنق

ماهية الوحدة وسيناريو الإنفصال – نظرة تحليلية

 

     إن فصل الجنوب هو لأكبر حدث في تاريخ السودان، وإنه لمن واجب التاريخ تحديد من المسؤول عن ذلك وما دوافع من قالوا نعم لذلك، وما العوامل التي هيأت لذلك الفصل. فبوادر المشكلة بدأت منذ عهد الإستعمار الإنجليزي وظهرت جلية مع بداية الإستقلال وكانت هناك فرصا تسمح بتفادي كل ذلك، إلا أنها تعمقت أكثر بسبب تمحور السلطة وإحتكارية الثروة وتكريس قيادة العسكر، وهي لثالوث الهيمنة الذي إنعكس بجلاء في فرص التوظيف والتعليم والتمويل التي خدمت فئة وإقليما بعينه، مما أنتج مفاهيم التمايز والشعور بالإستعلاء والنظر للآخرين بعين الدونية والإستحقار حتي تمتع البعض وإستأثروا بمدخرات البلاد وإكتوي آخرون حتي شبعوا نعوتا لعقود بوصمة (يا عب!). فانكشف الستار لتكون صورة المشهد المعاش ثورة لأجل التحرير والعدل والمساواة؛ منها من يقول لا بد من أن تشرق الشمس من جديد في سودان جديد، ومنها من يجزم بالفراق والإنفصال الأبدي، ومنها من يقول لا  بهذا ولا بذاك! فإذا، علي أي مشهد تستقر الصورة!
عندما أطلق الراحل الدكتور جون قرنق شعاره "السودان الجديد"، عضد ذلك بمقولاته الشهيرة التي ظل يرددها في كثير من مناسبات الحركة الشعبية؛ بأنه وحدوي، ليس إنفصالي، وأنه يؤمن بوحدة السودان؛ وحدث ما لم يكن محسوبا في البال، وما لم يحمد عقباه، وهو إنفصال جنوب السودان!. وعندئذ، تدافعت مشاعر الدهشة والحسرة والأسي عند كل سوداني غيور أولا ومسلم ثانية أن يري عزته وكيانه –السودان مجتزءا إلي إثنين. قد حز الحزن في النفس طويلا بعد ما صوت الأشقاء الجنوبيين للإنفصال في سابقة هي الأولي في السودان، قضت بمنحهم حق تقرير المصير في دولة لم تكن يوما من الأيام إلا بلدا واحدا. وفي تلك اللحظة من ذلك اليوم، الجمعة 9 يوليو 2010م، كان هناك من يغالبون النفس من هول الصدمة بين التصديق والتكذيب وتصفيق المحتفلين بشطر البلد الحبيب – علهم أن يجدوا ما يعزوا به النفس في مقبل الأيام!.


 

وطرأ تساؤول حينها، إستبعادا للمصادفة – أنه، أن لا بد من تنسيق وتوفيق ما بين دواعي شعار السودان الجديد ومقولات قرنق الوحدوية وسابقة "حق تقرير المصير!"، يناغم أو يسيغ حالة "التناقض والإنسجام!" –المناورة التي يمكن تشخيصها بـ "متلازمة غرنق!" التي رافقته بإتزان في الشخصية وهو محارب ومفاوض وسياسي متميز في كل ذلك. وهذا ما يدعو للقول بين شعار الحركة ومناصرة قائدها لخيار الوحدة وما حدث من إنفصال بسبب تلك السابقة، بأن ما جاءنا به الدكتور جون غرنق دي-موبيور، من تمرد بإسم الحركة الشعبية لتحرير السودان في يوم الإثنين 16 مايو 1983م وتحت شعار السودان الجديد، وما ترتب علي ذلك من تداعيات وتطورات علي المستوي الجغرافي، السياسي، والإجتماعي قد وضعت الحركة الشعبية في مأزق الماهية والكنه، ووضعت فكر الرجل ذاته في مخاطر كلفت الحركة الشعبية منذ أشهرها الأولي إلي زمن الإنفصال وبعده أن تواجه بما يمكن تسميته بتحديات المواءمة بين سمة ذلك التناقض والإنسجام التي إتصفت بها الحركة في تركيبتها ومحتواها ومظهرها وطرحها في مقابل كسرها لهاجس وحاجز الواقع السوداني المألوف([‌أ])!.

 

ففي أشهرها الأولي، أي بعيد إعلانها، خاضت الحركة الشعبية قتالا ضد بعض المنادين بالإنفصال من أعضائها، إنتهي بإسكات ذلكم النداء الذي ظل أحد الكوامن المستترة، حتي تبين أمره لاحقا كأحد أهم بنود إتفاقية السلام الشامل، الموقعة ما بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم في يناير 2005م. وبتوقيع تلك الإتفاقية وما نتج عنها، يبرز سؤال؛ هل إنتفي غرض الحركة الشعبية بتحقيق إتفاقية السلام الشامل، وبلوغ مرادها بفصل الجنوب؛ أم أنها فعلا نكصت بذلك عن مبادئ مؤسسها الراحل الدكتور قرنق مكتفية بتأسيس دولة جنوب السودان - وحسب!. ولكن الوقائع ما بعد إتفاقية السلام، ووفاة الدكتور قرنق وحتي تحقيق الإنفصال وبعده، كلها تشير إلي غير ذلك. فلم ينتفي غرض الحركة الشعبية مع فصل الجنوب([‌ب])، ولم تحد هي قيد أنملة عن مبادئ مؤسسها تلك –المشار إليها لاحقا. وعليه فإن الراحل قرنق كقائد حربي كانت مصداقيته كغيره من الثوريين محكومة بالخدعة في الميدان والمناورة السياسية في النضال([‌ج])، ولا نقول بأنه قد كان مخادعا متعمدا المراوغة وأنه كان يفعل ما لم يقصد، بل إنه وبشكل جاد كان يعي ويعني ما يقول بوحدة تراب السودان – بالنظر إليه ككيان واحد والتعامل بشأنه كدولة متحدة وبرؤية وحدوية!.

 

فإذا لماذا وقع ذلك الإنفصال!. قبل الإجابة علي هذا التساؤل، فإنه لتلتمع في أذهان الشعب السوداني كل تلك المآسي التي تبادلها الطرفان –الجنوبيون والشماليون؛ من ذلك الذي حصل لعشرات المدنيين الشماليين في توريت أغسطس 1955م من مزبحة وسلب ونهب، وإلي ذلك الذي حصل بمدينة الضعين مايو 1987م في المحرقة التي راح ضحيتها أكثر من أربعمائة مدني من قبيلة الدينكا. هذه المآسي وغيرها من أحداث وتطورات مصحوبة بنقض للعهود والمواثيق، إلي جانب الوصم بصفة العبودية والدونية و’الحشرية!‘، ما هي في مجملها إلا أعراض تعبر بداية عن طبيعة النظرة المتحورة واللاإيجابية المتبادلة ما بين الشعبين، وليس عن معضلة الإنفصال في حد ذاتها، والتي جاءت كعلاج أقوي مائة مرة من شكوي التأزي والمضايقة ذاتها، والتي كان يزداد وقعها دون وازع أو رادع كلما إتجهنا نحو المركز –ولاية الخرطوم!. فالمطالبة بتقاسم السلطة والثروة، والإيمان بالتنوع الثقافي والإعتقادي والإعتراف بالآخر، وإنتهاج عملية ديمقراطية سليمة للبناء الوطني، هي في الواقع عبارة عن مسكنات سياسية لجملة من الإفرازات أو الأعراض لحالة واحدة، هي الهيمنة التي منشأوها تلك النظرة اللاإيجابية، والتي يجب ضبطها في النفوس ومعاقبة من يقوم بفعلها، للحد منها ومكافحتها، حتي يضمن إجتثاثها كمستبطن كامن مهدد للأمن والسلم الإجتماعي!. وهنا حينما سئل الدكتور جون قرنق عن معني التحرر الذي يقصد، قال: (ما تسألوني عايز أحرر الناس من منو ... إسألوني عايز تحررم من شنو!) –أي من الذي ما بأنفسهم، وهذا ما يتطابق مع القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالي: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)!. ولكن غياب الوعي القانوني بين سائر الأفراد، وعزة النفس المسيطرة في ذات الإنسان السوداني، إلي جانب عدم وجود تشريع قوي لمخاطبة هذا الجرم - المهدد للتماسك الإجتماعي، هي جميعها ما تجعل كثير من الناس يلجأون لأخذ الحق باليد خاصة في جانب هذا الإستعلاء –حمية الجاهلية، وما يؤذي بها من إساءة وإزدراء وإحتقار!. ولوجاز لنا التطرق إلي عالمية هذا الإستعلاء كظاهرة ممتدة كما نسمع ونشاهد اليوم حتي في دول الغرب المتحضر من إساءات متكررة للرياضيين السود وخاصة لعيبة كرة القدم ذوي الأصول الأفريقية، فإن هذا لا يعطي تبريرا لغيرهم من أهل المنطقة من إعمال حمية الجاهلية بأي شكل من الأشكال ورسالة الإسلام تنهي عن ذلك تماما –بقول الله سبحانه وتعالي: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وإنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)

  

فبالعود لمكون هذا السودان، وعمليات التلاقح التي نشأت فيه ما بين المجوعات السكانية، نجد أن السلطنات والممالك القديمة القائمة بالسودان، كانت جميعها بما فيها أرض جنوب السودان مناطقا منفصلة عن بعضها الآخر –إجتماعيا وثقافيا وحضاريا. إلا أن النظرة الواقعية في هذا الجانب لتعطينا حقيقة ملموسة في الأرض، مفادها أن كل تلك المملكات والسلطنات ما كانت لتصبح هذا السودان لولا مجئ دين الإسلام الذي قارب بينها فتوحدت أمة ضربت أروع المثل في التمازج الإجتماعي فيما بينها، غير أن الجنوب –بسياسة المستعمر، قد صار منطقة مقفولة حتي إنفرط عقده لذلك الحد الذي عبرت عنه حركات الأنانيا وتبنته لاحقا الحركة الشعبية لتحرير السودان بدعوي حق الإنفصال. وبما أن دخول الإسلام للسودان لم يكن مصحوبا بأي أعمال عنف جسيمة تذكر، فإنه قد مثل لتلك الأجناس والمجتمعات المتباينة الوعاء الذي لم شتاتها والوسيط الذي ذابت فيه كل الحواجز التي كانت تفصل فيما بينها. هذا الواقع أشار إليه الدكتور جون قرنق حينما إلتقي به لأول مرة بعد تمرده الدكتور منصور خالد في أبريل 1986م بمنطقة كوكدام، وسأله بتجرد عن شعوره فيما يخص الوحده الوطنية السودانية، فكان رد الدكتور جون قرنق بأنه كلية مع الوحدة؛ ثم سأله عما إذا كان هو معارضا للإسلام والعروبة، فكان رده بالنفي القاطع، مبينا أنهما عناصر توحيد وليستا آليات تفريق!. فبالنظر إلي طبيعة التآلف ما بين المجتمعات السودانية، نجد أن عمليات التداخل والتواصل بين الأفراد والمجموعات القبلية لتنساب بشكل طبيعي وقد كانت هي البداية الناجحة للتشكيل القومي للدولة السودانية، والتي أعاق الإستعمار نموها بفرضه لسياسة المناطق القفولة بأراضي الجنوب، حتي جاء السودان مولودا مشلولا بعد أن نال إستقلاله بكامل حدوده كأكبر دولة في قارة أفريقيا والوطن العربي معا. فهذا الواقع الذي ولدت به دولة السودان وقد فشلت جميع النخب السودانية منذ أول حكومة وطنية بعد الإستقلال في مخاطبته وإحتوائه، فإن الحكام الفعليين من ذلك ليمثلون الطرف الأساسي في تفاقهم أزمة السودان في جنوبه وبقية أطرافه –ليس بحكم تهيمنهم في السلطة وإنما يعود ذلك لتلك النعرة والنبرة التي يتفوهون بها وهم في السلطة أو خارجها كمواطنين عاديين. وعليه، فإن عملية قبول الجنوبيين بالحكم الذاتي، هي ما تؤكد عدولهم عن مطلب الإنفصال إلي شكل آخر من الوحدة بين الشمال والجنوب عبر تلك الإتفاقية الموقعة ما بين الحكومة ومتمرديهم الأنانيا عام 1972م، إلا أن عدم مخاطبة تلك النظرة وإستمرارها دون رادع قد أدي فيما بعد لإجهاض كل ذلك، حيث كانت هي الدافع وراء إنضمام الآلاف من الجنوبيين وغيرهم لتمرد الراحل قرنق([‌د]).  

 

ومما لا شك فيه، فإن الإسلام الذي أقر به الدكتور جون قرنق لا يعني به إسلام إخوان السودان المسلمين –"الجبهجية" ولا شيخهم حسن عبدالله الترابي وكل من تتلمذ علي يديه!. وأما العروبة التي قال بها فإنه أيضا لا يعني تلك العروبة المنبثقة مما يسمي بجامعة الدول العربية هي الكارثة التي جيئ بها لتوحيد الشعوب العربية ولكنها في الواقع هي من قصمت أمة الإسلام إلي عرب وغير عرب، وهي بدلا من أن تعمل لأجل تحقيق أهدافها فقد أصبحت الآن أكبر آلية تفتيت وأداة لتمرير أجندة الفوضي التي تضرب بأطنابها عديدا من البلدان العربية.  فالحكام الفعليين وتوطيدا لحكمهم فقد بعثوا بفريق من الإسلاميين من أبنا المناطق المجاورة لجمهورية أفريقيا الوسطي لنقل تجربة الإنقاذ هناك وتطبيق أنموذج الكحام الفعليين الذي ريثما بدأ الرئيس ميتشيل بتطبيقه بعزل كل ما هو غير مسلم في دواوين حكومته حتي ثار عليه مثقفوا البندا ولم يقتفوا بادية قومية التعايشة ودورها المتناغم في تحبيب الإسلام لسكان شمال أفريقيا الوسطي وتعلمهم اللغة العربية  فالإسلام والعروبة في السودان ليستا من مواليد هذه المنطمة وهي بتسميتها تلك لأمر مشوش

 

 

وإستقراءا لتلك الحقبة البادئة منذ فترة الحكم الثنائي إلي تاريخ الإستقلال وحتي تمرد الدكتور قرنق، نجد أن العوامل التي أدت لتطور مشكة جنوب السودان تزداد تعقيدا مع السنوات وتعاقب الحكومات إلي أن بلغت أوجها في عهد ثورة الإنقاذ الحالية.

 

D      نظرة المستعمر:

الهروب المتعمد الغير إخلاقي للمستعمر في تركه مشكلة دون حل كان هو السبب في خلقها –مما أعطي الجنوبيون الفرصة للتعبير عن مطلبهم بقوة السلاح لرفضهم الإندماج مع الشماليين في دولة واحدة. وعندما أستعمر البريطانيون السودان عام 1898 ، وضعوا القبائل المستعربة فوق القبائل الأفريقية السوداء. وقد وصف عالم الأجناس ك. سيلجمان، الذي دعمته حكومة الخرطوم الاستعمارية لدراسة لجماعات السكانية بالسودان، وصف القبائل الجنوبية بأﻧﻬا "متوحشة" وقد تعامل البريطانيون باحترام شديد مع مجموعات الشمال المستعربة، كما عبروا عن إحترام عظيم لهويتهم العربية-الإسلامية، وشجعوها

D      افشل النخبة الوطنية في جدية التعاطي مع الأمر مع قصورهم في توفير خدمات

D      النخب الجنوبية:

النمو الفكري للنخب الجنوبية ورؤيتهم لمشكلة جنوب السودان

D      العامل الخارجي –تقاطع المصالح وإعادة التوازنات: 

 

تلك النتيجة – أي الإنفصال تأخد أبعادا مختلفة تتباين في كل مرة  تمرد جنوب السودان والمطالبة بالحكم الذاتي بحق تقرير المصير ثم لا حقا الإنفصال – ولرسم المخطط التالي يوضح مسار مشكلة جنوب السودان وكيف آلت لما هي عليه الآن تتمثل في الآتي:

 

 

اذا ماذا حدث الهزة لهذا التماسك هم الجلابة غالبا ما تشوبها وقفة إلي الوراء ونظرة توجس معتبرة في طبيعة النفس البشرية، مبررها غاية التعارف للتآلف فيما بينها، وهنا يسود الإعتقاد أن الشعوب مع تقدم الحياة وتطور العلاقات الإنسانية ما بينها   ولذا جاءت نتيجة الإستفتاء في تقرير المصير بالإنفصال!. وهنا فقد عزا الناشط في مجال حقوق الانسان الدكتور محمد جلال هاشم، هذه النتيجة لتعرض الجنوبيين للإضطهاد والإحتقار بعد أن شنت عليهم دولتهم حربا شعواء إتخذت سمت الحرب الدينية الجهادية ... وهم أكثر شعب قدم ضحايا في تاريخ الحروب الاهلية ... بلغ مليونين ونصف المليون من أهل الجنوب.   فليس هناك من معني يقتضي الرجوع للوراء لإعمال تلك المحازير الإحترازية كان الراجح هو زوالها وليس تطورها لنظرة أخري والطموح لتحقيق الذات وتكامل الشخصية وتحقيق العبودية الخالصة لله وحده بذكر اسمه الاعظم

 

ولكن يظل عدم المساس بأصل المشكلة الكامن في طبيعة تلك النظرة الدونية المعني والإقصائية المرمي من جانب المركز لباقي الأقاليم، سيجعل من كل حلول التجزئة التي يفرضها النظام الحاكم في السودان، وتقريرات المصير المحتملة وحتي الإنفصال الذي وقع من ناحية أخري، كعمليات تفريق بين خصمين متي ما وجدا فرصة للتقاتل تقاتلا!. وعليه، فإنه حتي مع محاولة التطبيب بالتكامل الثقافي بين الشمال والجنوب في أعوام 1965م، عبر منع المدارس التبشيرية وتوحيد المنهج التعليمي بالسودان علي طريقة التغني بنشيد "صديقنا منقو –قل لا عاش من يفصلنا([‌ه])" وغيره، وما تبع ذلك من أغنيات معتبرة([‌و])، فقد كانت قابلية ظهور ذات الأعراض لذات المرض الكامن هي الأكثر إحتمالا، وهذا ما أدي بدوره لتجدد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في العام 1983م بعد إتفاق الوحدة الوطنية عام 1973م، وأدي لإنتقالها وإستنساخها بذات الأعراض والكوامن لدارفور عام 2004م ولشرق السودان عام 2005م وللجنوب الجديد للسودان –ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان عام 2010م، والمستمرة حتي كتابة هذه الأسطر!.

 

وبطريقة أخري، فقد عبرت عن تلك الأعراض أيضا، الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، بخط أمينها الإستاذ ياسر سعيد عرمان، الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وسكرتير الشؤون الخارجية للجبهة الثورية السودانية، بقوله: (أن المشروع الوطني الراهن يقوم على معايير في غاية الضيق والمحدودية، لطالما أدت إلى تهميش وإقصاء أغلبية السودانيين على أسس دينية وثقافية وعرقية واقتصادية وسياسية، علاوة على ممارسات الإقصاء والتهميش القائمة على أساس النوع). فمرد كل هذا يرجع لتلك النظرة اللإيجابية وإفرازاتها المتمثلة في تطور إضطراب الشعور بالوطنية وإهتزاز الحس القومي للدولة وهويتها معا، وما غاية مطلب إنفصال دولة جنوب السودان، كما أوضحنا في هذا الكتاب، هي مجرد مرحلة مؤقتة متخذة لأجل تحرير السودان، بالتسمية التي ما زالت تتمسك بها الحركة الشعبية كشعار وهدف لتحرير كل السودان!. فتحقيق رؤية السودان الجديد، تظل تتماشي مع هدف تحرير السودان، لتؤكد مرحلية إنفصال جنوب السودان الذي وقع، وهو أيضا ما عبر عنه الإستاذ عرمان، حينما قال: (لا شك أن إنفصال الجنوب يمثل خطأً إنسانيا فادحا يمكن جبره وتصحيحه عن طريق إيجاد شكل آخر للوحدة بين دولتين مستقلتين ذات سيادة. فقد آثر جنوب السودان إقامة دولته المستقلة بسبب غياب مشروع شامل لبناء الأمة، علاوة على غياب عملية سديدة للتشكيل الوطني تقوم على خصائص الواقع السوداني الموضوعي، وعلى التنوع التاريخي والمعاصر الذي يتسم به السودان. وتأسيسا على إلتزامنا بوحدة القارة الإفريقية وبتحقيق رؤية السودان الجديد، فإننا على إيمان عميق بإمكانية الوصول إلى وحدة بين السودان وجنوب السودان تقوم على الاحترام المتبادل لسيادة كل واحد منهما. وسنواصل العمل من أجل بلوغ هذا الهدف. فالإتحاد الأوروبي يقدم مثالا جيدا وملهما على إمكانية حفظ التوازن اللازم بين سيادة كل واحدة من الدول المستقلة الأعضاء فيه، جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الوحدة فيما بينها جميعا). فهذا البيان يوضح أن الحركة الأم أي الحركة الشعبية لتحرير السودان والحركة الشعبية – قطاع الشمال هذه، كلاهما شيء واحد؛ في الرؤي والأهداف، وخاصة فيما يتعلق بإنجاز مقاصد شعار السودان الجديد.

 

فمدار مشكل السودان، هي نخب الشعبين وصفوتهم وفشلهم في التمسك بالقدر المتوفر من قيمة الإنتماء الوطني والإندماج القومي للدولة وعدم مباركة ذلك والإرتقاء به، وكذا فشل بحثهم عن الإتيان بهوية جديدة غير الهوية التي تآلف بها السودانيون وتعارفوا وتعايشوا علي أسسها فيما بينهم. فمأساة هذه المخاطرة هي إسهام هذه النخب في تضييع الهوية السودانية، وفشلهم التام في إعادة إنتاج تلك القيم أو إرجاعها لما كانت عليه في الثلاثة عقود قبل وبعد إستقلال السودان، وما ترتب علي ذلك من فلتان في الأمر أدي إلي تلك المباغضة وذلك الإقصاء والجهوية الممارسة بحق بعض منهم دون سواهم. فقواعد الشعبين وعلي ما تتمتع به فيما بينها من تواصل وتفاهمات لا تحدها حدود، خاصة في مناطق الهامش والتماس - إذ لو ألقي النظر فيها وما تحمل من بشريات في معاني المواطنة والقومية والهوية الملموسة في تلقائية الإلفة والسماحة المعاشة بين سائر قوميات السودان، لوجدوا فيها علاجا يضمن إنصهارا بين هذين الشعبين ويُؤمِن وحدة بين البلدين!. ويمضي في هذا الإتجاه الناشط في مجال حقوق الانسان الدكتور محمد جلال هاشم بقوله؛ أنه برغم القواسم المشتركة الكثيرة ما بين الشماليين والجنوبيين، إلا أن الدولة السودانية لم تعمل إلا على إخفائها –أي لأجل إحداث التفرقة وإيقاع الإنفصال!. فأولئكم النخب وتحديدا الشماليين منهم وحفاظا علي ما اكتسبوا من وضعية وسترا لما عليهم من مآخذ، فإنهم قد آثروا التمسك بمواقعهم ومكاسب معايشهم – خشية ضياع تلك الوضعية وخشية المعاقبة علي ما إقترفوا من جرائم بحق الوطن ومواطنيه. فحديث صاحب جريدة الإنتباهة السودانية، الطيب مصطفي، لوكالة الأنباء الفرنسية، بتاريخ 21 نوفمبر 2013م هو مصداق ذلك –حيث قال عن الرئيس البشير –أنه: (يريد الإستمرار في السلطة –أي ترشيح نفسه لإنتخابات 2015م، ليحمي نفسه من المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرات إعتقال بحقه بتهمة إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور!). فإنهم قد سهل الأمر عندهم وهان حتي قدموا الأنانية مبدءا علي حساب الوطنية، فجاءت جميع مخرجاتهم بشأن مخاطبة تحديات البناء الوطني المستجدة ومعيقات التشكيل القومي للدولة السودانية، عكس ما كان متوقعا، بل تشويها للوطن مع سبق الإصرار - إقصاءا وكراهية وفسادا وعنصرية، وهي لأركان الإستعلاء العرقي النابع من حالة ِ"التماهي" التي شخصها عالم الإجتماع الدكتور الباقر العفيف في دراسته بعنوان (متاهة قوم سود ... ذوو ثقافة بيضاء)، والتي أصبحوا الآن يتمجدون بها علي حساب بقية أهل السودان جميعهم!، وهي ما إعتذر عنها –أي تلك التشويهات، رئيس البرلمان الجديد د. الفاتح عز الدين عندما تولي مهامه ديسمبر 2013م، في أول تصريح له – بقوله: (ستكون بداية جديدة، ... إننا نعتذر للشعب السوداني عن أي تقصير حدث من ثورة الإنقاذ طيلة الـ «25» عاماً، مؤكداً أنها كانت تجتهد لمرضاة الله!)([‌ز]).

 

وعلي ذلك يتضح جليا، أن تراكمات تلك النظرة اللاإيجابية قد فعلت فعلها ونخرت في عظم النسيج الإجتماعي للأمة السودانية فازدادت هوة المباغضة وتوسعت دائرتها علي مر الأيام والسنوات. وبما أنها تمثل جوهر المشكلة في السودان، فإنه لم ينظر إليها مباشرة بقدر ما أهتم بأعراضها كمن يحاول إطفاء النار بمقارعة لهبها ودخانها وشررها دون الوصول لأصل جذوتها. ولكن من رأي آخر يقول أن عدم التعرض لمشكلة السودان من الزاوية العلمية أو حتي العرفية الدينية هو أمر محسوم بحد ذاته من طرف الحكام الفعليين، لما يترتب عليه من كشف للمستور وتشخيص للبادئ والمسؤول!. وبذلك التغول والهيمنة حتي في إتجاهات الصراع الدائر في السودان وإدارة المشكلة فيه، وجد المجتمع السوداني نفسه مختلجا في رغبة التغيير ومنظماته مضطرة للمسايرة دون فرصة للتعبير!، فكان البديل هو الغابة وصوت الرصاص والتقتيل؛ حتي علا منطق القوة علي منطق الحجة، ليراق الدم وتزهق الأرواح، ثم الجلوس إلي طاولة المفاوضات، وقوعا في فخ المثل القائل أن "الدم يضيع القضية!" –أي حجة جوهر المشكلة!. وعليه، فقد كان غرض الحكام الفعليين في إدارة مشكل السودان في إطارها الداخلي، هو تسويف أمرها بذلك المنطق وتلك الحجة، حتي أنهم قالوا في هكذا مرة وفي غيرما مناسبة، إنهم لم يسمعوا إلا لصوت البندقية وإلا لمن يحمل سلاحا ويتمرد ضدهم. وتأكيدا لهذا التوجه، تأتي نظرة ذات الترتيب المغايرة لحل مشاكل السودان وأزماته دون التعرض لجذور المشكلة، بفرضها حلولا جزئية خاصة مع حملة السلاح، وبنمط تلك الإتفاقيات التمويهية، التي ما هي إلا تجديدا لبيعات التبعية؛ إستمرارا لخضوع أطراف السودان وأقاليمه، وليس لأجل إحداث التغيير الكلي المرتجي أوالتحول اللازم المبتغي من مركزه –الخرطوم، المرتب له السيادة والسلامة وعدم المساس!. وهكذا تتضح لعبة الخداع في تضييع جوهر القضية بذلك التسويف والتمويه المغاير([‌ح])، وهكذا يتضح مدي خطأ التناول لتلك النظرة اللاإيجابية –المرض الإجتماعي المستعصي الذي تعطلت به مصالح العامة وإستفادت منه مآرب النخبة الخاصة، حتي أخذت المشكلة طريقها حصريا لغرف العمليات العسكرية، فجاء التشخيص خاطئا وجاء العلاج قاتلا –أي الإنفصال!. وبمعني آخر، أن تلك النظرة –بذلك التأطير الداخلي لإدارة مشكل السودان –تولاها أولئكم النخب من منظورهم "البيروقراطي" الذي أضفي عليها مسحة التسييس، فخرجت من سياقها الإجتماعي ومن المخاطبة عبر "البساط الأحمدي!" الذي يعني "حلا بالأيدي ولا حلا بالأسنان!"، إلي إستخدام خيار القوة ليكون الحل حرفيا بمعناه وهو "الفصل" ما بين المتحاربين، تماما كما شخص العسكر وعالج نخبة البندر –لتفويت النظر في البعد الأخلاقي للمشكلة والذي يستوجب مبادرة الإعتذار ورد الإعتبار من الطرف الجاني للمجني عليه –وهو كل الشعب السوداني، تفاديا لأي إنتقام محتمل، وهذا ما دعي أمين الحركة الشعبية السابق الإستاذ باقان أموم للتصريح بمعاقبة الشماليين بإستعمارهم خمسين عاما كما إستعمروا جنوب السودان كذلك!.

 

وبالنظر إلي فرص التسوية لحل مشكل السودان من الداخل، فقد كانت متأثرة بالعامل الخارجي الذي فرض نفسه بطموحات ثوار ثورية تحرير السودان وأطماع بعضا من الدول ذات الغرض بالسودان التي أخذت بالمشكلة لمستوي الجوار الإقليمي والإتحاد الأفريقي ومن ثم سائر المجتمع الدولي. وتظهر هذه المسألة واضحة  غرض الحكام الفعليين هو إدارة المشكلة في إطارها الداخلي، وتسويف أمرها بمنطق القوة وتلك الحجة المضيعانية، حتي أنهم قالوا في هكذا مرة وفي غيرما مناسبة، إنهم لم يسمعوا إلا لصوت البندقية وإلا لمن يحمل سلاحا ويتمرد ضدهم!. فقد جعل منها الحكام الفعليين فرصة سانحة كان غرض هو تسويف أمرها بذلك المنطق وتلك الحجة،     وهذا التأطير المعني بإدارة مشكل السودان داخليا يبدو علي أنه سياسة مبررة إذا ما قسناه علي مشكلة السودان في إقليم دارفور من تماطل المجتمع الدولي  الإتجاه لتؤكده المحاولة الإنقلابية ضد الرئيس سلفا كير بمدينة جوبا عشية 11 ديسمبر 2013م، والتي جاءت كما قيل علي خلفية تطبيع العلاقة ما بين دولتا جنوب السودان والسودان عبر إتفاق صرح رئيس الدولة بأن من  “التجار الدارفوريون بالجنوب يروون وقائع نهب وحرق متاجرهم : ما رأيناه يفوق وحشية الجنجويد”

 

لم تتنبه النخبة الجنوبية لاصرار الدكتور جون قرنق عن الوحدة لانه يري فيها ذوبان لكثير من المشكلات التي قد تنشا ما بين الجنوبيين انفسهم –ففي الوحدة هناك فرصة

 

ومثالا علي ذلك انفصال دارفور المحتمل بنداء حق تقرير المصير الذي لوحت اليه بعض حركات دارفور المسلحة. فان تم ذلك، فان السيناريو الذي دث بدولة جنوب السودان هو الاقرب للحدوث في دارفور ذاتها حيث الزغاوة يسطون علي الاقليم الفور يتمسكون بنسبة الارض اليهم والعرب يقولون بالسيادة لهم

 

كالتي يفعلها آل المهدي في ملاحقة أفراد الجيش السوداني ومن ثم الحزب الشيوعي في عملية مقتل الأمام الهادي العام 1975م حوالي الكرمك.  

                                             

فبعيدا عن أي تأويل يرمي إلي منهجية هذا الإنفصال والنظر إليه كمرحلة مقصودة، وكذا القول بأنه مجرد مناورة تكتيكية جيئ بها كهدنة من نوع آخر، فالحركة الشعبية في رسالتها ورؤيتها نجدها أمر مستحكم مرتب له بعناية؛ تعززه قوة جاذبية شعارها المعروف، وتغذيه مرونة طريقتها الإستيعابية لكل الأعراق والثقافات، إلي جانب تمتعها بروح الإعتقاد بين كافة الأيدلوجيات ومفاهيم التحررات. فقد وفرت كل هذه المرتكزات مساحة للمناورة قفزت بالحركة الشعبية إلي مستويات الإقليمية والعالمية، حتي كسبت صداقة ودعم عدد من الدول المتباينة كاليمن، ليبيا، إسرائيل، إثيوبيا منغستو، يوغندا، أمريكا وغيرها من بلدان أخري شرقية وغربية!. أما علي المستوي الداخلي فقد سمحت هذه المناورة لقادة الحركة برفع رايات التهميش والمهمشين دونما تضارب مع مبادئها حتي كسبت بها معظم أهل الهامش وحركاتهم المتمردة التي آمنت بدستورها وتبنت شعاراتها، كما سمحت لقواعدها أيضا عند إستفتائهم في تقرير المصير بحرية إختيارهم الإنفصال دونما تحرج مع قادتها الذين ظلوا يدعون لعكس ذلك، حيث أنها نجحت في حمل الجنوبيين ليكون خيار الإنفصال مسألة شخصية لكل فرد منهم، مما خلق عندهم إنفعال إيجابي تجاه الإنفصال تمظهر في ذلك الإقبال على التصويت. أما في جانب الحركة الشعبية كثورة وكأكبر منظمات النضال في أفريقيا، فإنها ولإقتضاء الحال - عملت جاهدة علي فرض تقرير المصير في أجواء التفاوض، كنقطة جوهرية ينعدم فيها الحرج وتتساوي عندها كل المتناقضات، يسندها في فرضها تفهم الوسطاء ونوايا الدول الراعية والضامنة للتفاوض من جهة، وفوق ذلك كله؛ تأتي رغبة حكومة السودان الملموسة بشكل جدي من جهة أخري!. فهذه الرغبة الغير مبررة والمعززة بمواقف سالبة لبعض الشخصيات النافذة بالخرطوم برفض الجنوبيين والوحدة معهم، مع ما صحبها من تحرك شعبي مسعور لتضليل المواطنين بأن الإنفصال هو الحل وأن الجنوبيين هم مشكلة إنطلاقة الشمال وتطوره –كحملة موجهة نحو المستهدفين الجنوبيين، كانت بالنسبة لهم بمثابة "رفع الفروة للجافلة!".

 

لهذه المناسبة، أنه من المهم الإشارة إلي أن العوامل الفعلية وراء بلورة وإخراج وتمرير حق تقرير المصير وجعله أمرا واقعا ومقبولا بدرجة أكبر وبلا خلاف ظاهر عليه، نبعت من ترجيح كفة الرغبة فيه من جميع الأطراف المعنية به مباشرة والمهتمة به شأنيا، علي كفة التخوف من آثاره وتداعياته المحتملة (عواقب ما بعد تحقيق المصير) علي المديين القصير والبعيد، والتي لم تأبه بها الأطراف المعنية مطلقا ولم يعرها الوسطاء كذلك أي إنتباه يذكر –مأخوذين بحبكة الإتفاقية وسلاسة سيرها، رغم ما صحبها من حادثة مقتل قرنق وشبهتها وتداعياتها، وذلك سعيا لقيام الإستفتاء في تاريخه المحدد؛ ثقة في أمن وسلامة إجرائه وضمان نتيجته الأكيدة بإختيار "لا للوحدة!". حتي جاءت النتيجة التي أعلنتها مفوضية إستفتاء جنوب السودان، بأن عدد من  صوّتوا للإنفصال يساوي (2,391,610) ناخباً بنسبة تفوق الـ (98%) في مقابل (3,650) صوّتوا لصالح الوحدة. وهنا فقد عزا الناشط المذكور سابقا الدكتور هاشم، هذه النتيجة لنظام الإنقاذ بقوله: (الناخبون أناس تعرضوا للإضطهاد والإحتقار بعد أن شنت عليهم دولتهم حربا شعواء إتخذت سمت الحرب الدينية الجهادية ... وهم أكثر شعب قدم ضحايا في تاريخ الحروب الأهلية ... بلغ مليونين ونصف المليون من أهل الجنوب ... هذه النسب العالية في نتائج الإستفتاء تعود في جانب كبير منها إلى سياسة الإنقاذ الإقصائية!). وعلي ضوء ما سبق، الجدول أدناه يوضح عوامل تمرير تقرير المصير، كما رؤيت بالتخمينات الآتية:

 

مصفوفة مؤشر تقرير المصير([‌ط]): تقدير نسب رضاء الأطراف في مقابل نظرتهم للدوافع والمبررات*

 
الأطراف المعنية
دوافع الرفض
دوافع التأييد
الرضا
المبررات/الغاية
(عوامل التأييد)
أطراف ورعاة الإتفاقية
الحركة الشعبية لتحرير السودان
- الخوف من سيناريو دولة فاشلة (إداريا وماليا).
- الخوف من الهيمنة والإقصاء وتجدد الإقتتال القبلي.
- سيناريو إنهيار الدولة علي خلفية ما ذكر أعلاه!.
- التمتع بتحقيق الذات أفرادا ودولة
- الشعور بقيمة الحرية والإستقلالية
- توفير فرص عيش أفضل وكريمة
98%
خطوة ضرورية لتحقيق حلم
السودان الجديد:عدالة، حرية، إزدهار
المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم
وبرلمانه)
- الخوف من التنبه الشعبي من فهمه كمؤامرة إثنية.
- الخوف من ردة فعل إقليمية للحركات الإسلامية.
- الخوف من المؤاخذة الدينية والتاريخية مستقبلا.
- أخذ السلام كأولوية وبلوغه بتحمل قطع الجلد
- تحقيق الإنفراج والإنفتاح مع العالم الخارجي
- التغامز  بفارق الثقافة والعادات وغيرهما
68%
تخدير الشعب برهان وحدة جاذبة
(تمويهات المؤامرة)
الوسطاء والضامنين
- الخوف من إنتقال عدوي الفصل لدارفور وغيرها.
- التحفظ علي أهداف الحركة الشعبية الأخري.
- الفشل في توفير وإستغلال الدعم المالي والفني معا.
- المساهمة في إرساء السلام الإقليمي والعالمي
- إنذار للدول الأخري المشابه بأهمية العدل والمساواة في الرعاية والحقوق والثروة والسلطة
90%
- رفع إسم السودان من قائمة الإرهاب
- الإسهام بحل باقي مشكلات السودان
- خلق إستقرار وإيجاد فرص تنمية
أطراف ذات تأثير محتمل – عاجلا  أم آجلا
المواطن السوداني
-رفض منطق التقسيم مبدءا (الإحساس بوحدة الدولة)
-مخالفة الشرع والدستور (إرث المهدية ودم الشهداء)
-إزدياد المخاطر المحدقة بالسودان (إنتقام  الجنوبيين)
- حفظ النفس أولي من حفظ المصلحة الوطنية
- الإعتراف بإستحقاق الجنوبيين لدولة منفصلة
- الجنوبيون عبء لإنطلاقة السودان وتطوره
20%
التنعم بسودان جديد بلا أفريقية ولا علمانية (إنتباهة الطيب مصطفي!)
الدول ذات الغرض بالسودان
-التخوف من نكوص سوداني بسبب خروقات  SPLA
-التخوف من تعطل المصالح وزيادة الإضطرابات
-التخوف من عزوه كمؤامرة دولية تفرز فعل إرهابي
- تفكيك بلد للتطلعاته وتوجهاته الغير مضمونة
- إيجاد فرص مخابرات وبناء قواعد حربية
- نجاح الفصل سابقة إيجابية لمزيد من التفكيك
95%
- إيحاد حليف إستراتيجي بالمنطقة
- إمكانية تحول السودان لبلد راشد
- ضمان إنفتاح السودان علي الغرب
العالم الاسلامي
- إعاقة مد الإسلام وتحويل مسلمين لأقلية في بلدهم.
- ولادة بلد كاره للإسلام  يعني صوت ضد ه في مؤسسات التمويل ووكالات الأمم المتحدة وغيرها
الإعتراف بفشل الحلول السابقة والحسم عسكريا
الإعتراف بضعف الإهتمام وفرط عقد المسألة
حماية الإسلام من تكرار مأساة الأندلس وغيرها
05%
إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية
(من وعد حكومة السودان)
التبشير الكنسي
-التخوف من إتهام مجلس الكنائس وتعطيل مصالحه  -تحول السودان لبلد متطرف عصي علي  النشاط الكنسي
-خسارة الأرث المسيحي المتمدد وفقدانه منطقة نشطة
-توسع مضايقة مسيحيي السودان مع فقدهم لنصرائهم
- توفير حاجز أمام المد الإسلامي بالمنطقة
- إمكانية تفتيت السودان كقوة إسلامية محتملة
- ظهور بلد نصراني يعتبر إضافة رصيد للميسحية ومكسب دافع للتبشير الكنسي
95%
إمكانية تحقيق شعار السودان الجديد
(إقصاء الإسلام وإعلان علمانية دولة السودان المتحدة –ولو بعد حين!)
المحيط العربي
(دولا وأفرادا)
-مهدد جديد وخطير علي الأمن العربي القومي
-سابقة إنفصال الجنوب حجة لإنفصال باقي الأقاليم
-مهدد للثقافة العربية والإسلامية ونهاية لعربي جوبا
-عدم الإيمان بعروبة السودان –شماله وجنوبه
-توفير بيئة أكثر أمنا لفرص الإستثمار العربي
-إعتبار حرب الجنوب معوق تنمية للسودان
10%
فصل الجنوب يعني حل لأزمة الهوية والإنتماء الإقليمي للسودان
دول الجوار
-التخوف من تأثير الإنفصال كسيناريو قابل للطبيق
-رفع شعار "السودان الجديد" يعني إستمرار الحرب
-عودة اللاجئين إزالة عبء إجتماعي وإقتصادي
- فرصة لإعادة التوازنات الإقليمية بالمنطقة
50%
مساحة السودان الكبيرة رمز للهيمنة ودافع للغطرسة علي الآخرين
 

*هذه التحليل مبني علي نتائج إستقراء الوضع العام ونتائج كثير من النقاشات النوعية المتصلة وغيرها من تدوينات وآراء منشورة أو مسموعة حول إقرار  تقرير المصير هذا، والذي لم تسعف الظروف الراهنة بإجراء إستبيان علمي لإضفاء الموضوعية عليه والواقعية المطلوبة (الكاتب).

 

ومن ذلك نخلص إلي أن تضمين حق تقرير المصير في إتفاقية السلام الشامل كان جزءا من تلك المناورة المضمونة النتائج بالنسبة للحر كة الشعبية، أما وقوع الإنفصال الذي تلاه، فيبقي مجرد مرحلة، أو هدنة أو هدف من أهداف الحركة المعلنة والغير معلنة نحو تحقيق رؤية السودان الجديد! ولذا فإن إختيار "لا للوحدة" كان تعبيرا عفويا بالنسبة للجنوبيين العاديين، وأما بالنسبة للنخبة منهم، فقد كان أمرا مدروسا لدوافع سياسية أكثر منها إجتماعية، لأجل تحقيق أهداف إستراتيجية محددة متصلة بمبادئ الحركة الشعبية وطموحها الدائب لرؤية السودان الجديد. عليه، من وجهة نظر النخبة هذه، نقدر أن الأهداف الإستراتيجية وراء قيام دولة جنوب السودان، أي إستراتيجية  فصل الجنوب تتلخص في الآتي:

 

D      للوصول لمستوي الندية الحقيقية مع الخرطوم لأجل التناطح السياسي، وغيره من أخذ ورد بشأن تنفيذات متعلقات إتفاقية السلام الشامل المتصلة بأي محلقات محتملة أو مستجدات أخري([‌ي])، يسمح تصميم الإتفاقية بالنظر فيها كمطالب مغفلة أو مرجأة عمدا، سهوا أو تكتيكا!.

 

D      لضمان حرية التمكينات العسكرية لقوة دفاع دولة جنوب السودان العاملة تحت راية جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكذا بناء القواعد العسكرية الأجنبية وحتي قيام التحالفات مع الكيان الإسرائيلي أو غيره إن دعي الداعي لذلك.

 

D      تبني سياسة الضغط العسكري بإعتماد تكتيكات رفع سقوفة المطالب خارج حدود الأهداف المرجوة عند الحركة الشعبية، وهي حق تقرير المصير لفصل جنوب السودان كمرحلة أولية. فالحركة الشعبية كان في ظاهر مطالبها تحرير كل السودان كحد أعلي، ثم المطالبة بجعل حدود جنوب السودان بحدود كوستي وأطراف مدينة نيالا كمناورة إعلامية، ثم النزول لحدود الجنوب المعروفة للعام 1956م كحد أدني هو المطلوب وهو ما تم بالفعل!. وتجاوزا لإتفاقية السلام الشامل من بعد مضي أكثر من سبعة أعوام علي توقيعها، وتعارضا مع برتكول أبيي، فقد مارست الحركة الشعبية نفس التكتيك بخلق التوترات الحدودية بمحاولة ضمها لشريط الميل 14 بحر العرب ومربع حفرة النحاس، إلي جانب وقوفها ودعمها للجبهة الثورية السودانية. فهذا الضغط العسكري مع مناورة رفع سقوفة المطالب سيبقي سيفا مسلطا علي رقبة الحكام الفعليين للسودان، في مقابل المساومة معهم كحد أقصي للفوز بهذه المناطق كاملة بشكل أو بآخر وعلي رأسها منطقة أبيي البترولية.

 

D      لتوفير سند معنوي لقوميات سودانية ورعاية أبوية لأقليات سكانية مستهدفة([‌ك]) بأصيلتها، تري فيهم جميعا الحركة الشعبية مساندا لها في مآربها السودانوية وتوجهاتها الأفريقانية إستدرارا لعطفهم أو إستدراجا لهم للإنضمام لدولة جنوب السودان أو للإلتحاق بقاطرة الإنفصال التي تجرها ماكينتها!. هذا الأمر تفسره تلك التسهيلات الرسمية التي زادت من تنامي أعداد رعايا هذه القوميات بمدن جنوب السودان، في مقابل المضايقات الممارسة بحق العديد من المقيمين والتجار الشماليين الأخر بجنوب السودان خاصة بعيد إعلان التصويت لصالح تقرير المصير، ثم تطور الأمر لإعتداءات متكررة عليهم دون حماية من السلطات المحلية بعد الإحتفال بإستقلال دولة جنوب السودان، مما إضطر معها جميع التجار "الجلابة" إلي إنهاء أعمالهم ومغادرة أرض الجنوب –الذين في المقابل، حل بدلا عنهم تجار جدد من أبناء الزغاوة وغيرهم من قبائل غرب السودان ووسطه.

                                                                                                                                                                                                                                                         

D      لخلق بيئة حاضنة للحركات المعارضة ولأي ثورات ضد الخرطوم تؤمن بمبادئها وطموحات شعاراتها (تصدير ثورية تحرير السودان للسودان حتي يعود السودان مرة ثانية بلدا موحدا كما تصوره د. قرنق!).

 

فما يجري بالجنوب الجغرافي للسودان بالمناطق التي تشمل ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان، من فوضي الحرب الدائرة هناك وما نتج عنها من أزمة إنسانية أخري بالسودان، هو ليس من صنع الصدفة. فكلا الحكومتان – السودانية والجنوب-سودانية لمسؤلتان من ذلك، لعلمهما بما سيترتب علي ذلك؛ من قتل ونزوح وتشرد ولجوء بسبب تمسكهما بالموافق رغم إختلافها. فالأولي تقع مسؤوليتها من واقع نسخ ولصق نفس الممارسات بالمنطقة والتي أدت لتمرد جنوب السودان سابقا وقادت لإنفصاله والمتمثلة في الهيمنة والكفر بالتنوع وعدم الإعتراف بالآخر. أما الثانية - حكومة جنوب السودان، فتقع مسؤوليتها من خلال تبييت النية في طبيعة وجود الحركة الشعبية بالسودان بعد توقيع إتفاقية نيفاشا وإستقلال الجنوب، الأمر الذي ضمن في اليد خروج الوالي الفريق مالك عقار، وعودة الرجلان عرمان والحلو للغابة عبر خطة الحركة الشعبية لتصدير ثورية تحرير السودان لهذه المنطقة، بعدما ترشح الأول لإنتخابات رئاسة الجمهورية والثاني للإنتخابات الولائية للعام 2010م. ومع كل ذلك، تقول الحركة الشعبية –قطاع الشمال، أن سياسات حكومة السودان تجاه المنطقة والتي عبرت عنها خطب الرئيس عمر البشير، عقب إنفصال جنوب السودان كخطابه الشهير الذي ألقاه في مدينة القضارف وغيره، قد وضعت الأساس اللازم لشن حرب جديدة على جنوب كردفان و النيل الأزرق معا. وهذا ما يبرهن كيف رفض الرئيس البشير نفسه إتفاق السلام الذي توصلت إليه الآلية الرفيعة المستوى التابعة للإتحاد الإفريقي بقيادة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثامبو مبيكي مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال، الموقع بأديس أبابا بتاريخ 28 يونيو 2011م، والذي كان يهدف إلى إنهاء الحرب في جبالي النوبة والأنقسنا. وعليه، المتوقع أن هذه المنطقة ستظل ولوقت طويل مسرحا للعمليات العسكرية حتي سيادة رؤية السودان الجديد علي سائر أرض السودان بمفهوم الحركة الشعبية لتحرير السودان وهو الإحتمال الأبعد رجوحا، أو حتي يصل الطرفان –السودان ودولة جنوب السودان لوحدة ربما أشبه بوحدة الإتحاد الأروبي الحالية، وهي الضامن الأقوي والعامل الأقرب لإستدامة السلام والإستقرار ليس بهذه المنطقة وحسب، وإنما لكل باقي أقاليم السودان وأطرافه المترامية الأخري. فبقاء هذه المنطقة علي صفيح ساخن تحكمه طبيعة تكوينها السكاني المتداخل علي إمتداد أراضيها بين مجموعات متنوعة عرقيا وثقافيا، من أصول عربية وغير عربية على حد سواء؛ من فونج ونوبة وكريج وبعضا من القبائل العربية الرعوية المحازية وغيرها، في مقابل/مع تشتت ولاءاتها بين الحركة الشعبية والحركات المتمردة من جهة، والحكام الفعليين ومؤتمرهم الوطني حاليا ومليشياتهم المساندة من جهة أخري([‌ل]). شغلهم بمهرجانات شباب الوطن للألهاء

 

فإن عزم حكومة جوبا المضي قدما في خطي برنامج الحركة الشعبية المتبني لخط المواجهة مع الخرطوم وتأزيم المواقف ليؤكده عدوانها علي السودان وهي بعمر السبعة أشهر من قيامها. فتبني هذا الخط هو الإتجاه المرسوم من قبل الحركة الشعبية للرئيس سلفا للسير عليه، حيث أنه بالملاحظة تأكد عدم رضا قيادات الحركة الشعبية بأي نوع من التقارب الذي يترتب عليه فرض ترتيبات أمنية علي الحدود بين الدولتين السودان وجنوب السودان، خاصة في ظل حكومة ثورة الإنقاذ الحالية بالسودان. وعليه، فالرئيس سلفا محكوم بذلك الإتجاه، وأن أي حياد عنه وخاصة إعادة تشكيلة الحركة الشعبية وقيادتها العسكرية، ربما تنشأ عنه مخاطر غير محتملة بدولة جنوب السودان. فإعتماد الخيار العسكري والإنفاق عليه كان الخيار الخطائي دون الأخذ بأولوية ترسيخ علاقة الأخوة والمنفعة مع السودان، أو خلق الإستقرار بالداخل ونشر ثقافته والعمل علي بناء مؤسسات دولة وليدة هي أحوج ما تكون إلي ذلك!. فما يدعو للحيرة هنا، تأكيدا علي ذلك العزم، هو ليس الإتفاق المعروف بـ "إعلان جوبا" في يناير 2006م، والذي جاء بجنرال الجيش الشعبي ماتيب نائبا للقائد العام، عبر عملية الدمج بين قوات دفاع جنوب السودان وجيش الحركة الشعبية، والذي زاد عدد القوات من 30,000 إلى 130,000 جنديا، بغرض رفع الكفاءة والجاهزية القتالية، بل إنما هي تصريحات المستشار الرئاسي وسكرتير عام الحركة الشعبية باقان أموم –المذكورة آنفا، والتي أدلي بها من بعد مضي أكثر من عامين علي الإنفصال، داعيا فيها الجنوبيين إستعمار الشمال خمسين عاما كما إستعمرهم!. فهذه الرغبة تكشف عن مدي أطماع الحركة بإحتواء كل السودان!، والمتصلة بتعجل الجيش الشعبي القيام بإعتداءاته علي عدة مواقع داخل حدود السودان؛ من أبي هجليج، شريط بحر العرب، إلي منطقة الردوم بجنوب دارفور وغيرها؛ كرسالة تؤكد أولا مدي إرادة وقدرة الحركة الشعبية في التعاطي مع أهدافها - بأن فصل الجنوب لا يعني عندها نهاية الحرب، ثم تبرر ثانيا عدم قيام حكومة دولة جنوب السودان بحل أو بإعادة هيكلة أو صياغ الحركة الشعبية ذاتها، مع إستبقائها وجيشها بكامل هيكله وقواته، وتحويلها بذات الوضعية إلي حزب سياسي؛ تهيمنها علي مقالد الحاكم بجوبا بحق تأسيس الدولة الجنوب-سودانية. ومن هذا القبيل، يزعم رئيس السودان الحالي عمر البشير عن أن إستخبارات الحركة الشعبية هي الحاكم الفعلي لدولة جنوب السودان([‌م])، بغض النظر عن كونها تمثل سياسيا الحزب الحاكم، بالرغم من تعدد الأحزاب التي تمثل هي مجرد جزء منها!. كل هذا الأمر تلخصه بوضوح تصريحات رئيس دولة جنوب السودان ورئيس الحركة الشعبية، سلفاكير ميارديت، التي أدلي بها مطمئنا عامة أعضاء الحركة الشعبية إثر صراع داخلي نشأ فيما بين أعضائها بمدينة واو، سبتمبر 2013م، حينما قال بأن الفرص والتمثيل الحكومي سيطال الجميع وأن الحركة الشعبية – بلا منافس، هي من سيحكم البلاد مائة عاما!.

 

إذا تلك هي الحركة الشعبية وتلك هي أهدافها الإستراتيجية وراء فصل الجنوب، وذلك هو تقرير المصير وتداعياته ومخاطره المحتملة، ونحسب أن الحكومة في الخرطوم تنظر وتعلم بحقيقة الحركة الشعبية، ومدركة في الوقت ذاته لأبعاد إستراتيجيتها هذه ومقصودها من وراء تقرير المصير، ولكن ماذا تري هذه الحكومة من كل ذلك؟ وكيف تنظر من جهة أخري للحركة الشعبية كظاهرة قابلة للتمدد والتقليد؟. فلو تقدر أن الحركة الإسلامية في السودان التي يعتبر المؤتمر الوطني جزء منها هي من يحكم السودان([‌ن])، لكانت الإجابة الرفض القاطع لتقرير المصير ومواصلة القبض علي الزناد لردع الخروج عن السلطان والعود لمربع التفويجات والمتحركات الجهادية التي كنا نشاهد. ولكن النتائج جاءت غير ذلك، فالحركة الإسلامية في السودان هي من غضت الطرف وتركت طواعية أرضا مسلمة تنتزع كفرا من بعد إسلام، وتتبدل علمانية من بعد إستشهاد وحور عين!. إذا قطعا، إنها ليست الحركة الإسلامية من يحكم السودان ولا حتي الحزب الحاكم أو المجلس الوطني البرلمان، بل هي شريحة تقدر بـ 3% من السكان؛ هي من أسست لحضور "شبكي إستخلافي" في كل مفاصل الأمر بالسودان، منذ سبعينيات القرن الماضي، بطريقة أشبه بما يسميه المصريون اليوم بـ"الدولة العميقة!")[‌س](. فصار محسوبوها هم من ينظرون في الحركة الإسلامية، ويوجهون بالمؤتمر الوطني ومجلسيه القيادي والشوري، وهم من يقررون بإسم حكومة السودان، ومن يمررون الأجندات الأخري([‌ع])، وحتي من يسيطرون علي معارضة التجمع الديمقراطي الوطني بالخارج. فإنهم المنظومة المتكاملة ممن أسماهم قرنق مباشرة بـ (الجلابة!)([‌ف])، ومن أشار إليهم بشكل أدق المبعوث الأمريكي السابق للسودان أندرو ناتسيوس بـ (سكان وادي نهر النيل القابضين علي زمام السلطة لقرن من الزمان)([‌ص])، وإنهم ذات من أسماهم د. منصور خالد بطريقة أخري بـ (النخبة/الصفوة) في مؤلفيه بعنوان "النخبة السودانية وإدمان الفشل" و"حوار مع الصفوة". فالأنظمة المتعاقبة علي حكم السودان، منذ عهد الإستقلال وإلي ثورة الإنقاذ الحالية قد قدمت للعالم أكبر مثالا لنظام سيطرة القبيلة والقبلية في العصر الحديث –كظاهرة حتي تأثرت بها دولة جنوب السودان المنشقة، وذلك بأبشع صور إساءة إستعمال السلطة وتقديم أسوأ إنموذج للديقراطية المزورة في العالم الثالث. فدولة الجلابة بالسودان تعتبر أقوي نظام عرقي مثل خلاصة العنصرية الإثنية والعالم يودع القرن العشرين، ومثل أول دولة تتمسك بها إلي الآن والعالم يستقبل القرن الواحد والعشرين!

 

ومزاوجة بين تلك التسميات، يقترح الكتاب للتحول الملحوظ في المبادئ والقيم عند أولئكم النخبة الصفوة، الإشارة إليهم بـ "مجموعة الإنتهازيين المتسلقين Climbers Opportunists Group" وليس بـ "شُلة الأقلية" الدالة إلي الجلابة –نأياً عن تشخيص شريحة سكانية بعينها، ذلك لأن هناك رموزا منهم، هم أيضا من أخلص بني السودان، ولكنها تلك المجموعة هي من تسببت بالنبذ عليهم([‌ق])، تماما كما تفعل البصلة الفاسدة!. فحينما يشير الكتاب إلي فئة "الحكام الفعليين" يقصد بهم مجموعة الإنتهازيين المتسلقين!، ولكن عند الإشارة إلي شريحة الجلابة إنما يعنيهم بالمفهوم العرقي والجغرافي معا، من إشارة قرنق-ناتسيوس إليهم المأخوذة من واقع سيادة دولة المكوك الغير معلنة!، وهم علي ذلك –إفتراضيا حكام السودان الآن!. أما نخبة الدكتور منصور خالد وصفوته وقد تحولوا لإنتهازيين([‌ر]) فهم "الحكام الفعليين" ممن تسلقوا الحكم بعباءة الدين أو بالبزة العسكرية تارة وبالوطنية الزائفة للأحزاب السياسية تارة أخري. فمن خلال تصور الفرق بين الإثنين –الحكام الإفتراضيين والفعليين، وملاحظة وجه الشبه بينهما وسر إرتباطهما، نجد نوعا من المواءمة أشبه بمسرحية لعب الأدوار لتمحور تداول السلطة!. فالسؤال – كما برهن الكتاب الأسود بالحقائق وأكد بالأرقام، أي أيديولوجية أو ديمقراطية ندعي في هذا السودان، بل أي عدل ومساواة نتكلم عنها وما تزال عمليات الإقصاء والمحاباة والعنصرية والجهوية هي الطابع المميز للحكم فيه. ألا يتبرأ الإسلام وتنكر الديمقراطية من تهيمن فئة سكانية بعينها وإستئثارها بكافة المرافق الحيوية والوزارات السيادية بالدولة، وتوجيهها لفرص التنمية والإستثمار والتمويل دون معيار لرقعة جغرافية بعينها دون سائر الأقاليم. أليس يعيش السودان إستعمارا داخليا أبقي بذات القدر علي رموز بعينها قادة وحكاما إلي ما بعد سن المعاش وأحيانا حتي الممات، وأبقي علي غيرهم من أقاليم ومجتمعات أخري أتباعا فقط، إلي ما شاء رب العباد!.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   

 

فالرئيس الحالي لجمهورية السودان المشير عمر البشير، كأحد من هؤلاء الجلابة، فإنه حينما يتذكر إلتزامه بالحركة الإسلامية تلك، كان يخرج لنا بمفردات الخطاب الإسلامي وتوعداته المعهودة([‌ش])، التي منها علي سبيل المثال تهديداته لنظيره سلفاكير بالعودة للحرب ورجوعه للغابة بخاطبه الشهير بالقضارف، وتكراره لذات الأمر مع أركو مناوي موقع إتفاقية سلام دارفور بأبوجا، وكذا مهاجماته حول نشر قوات دولية بدارفور، وردود أفعاله بشأن مذكرات الجنائية الدولية، وغير ذلك الكثير، إلي جانب إعترافه بخطأ فصل جنوب البلاد أثناء مؤتمره الصحفي الخاص برفع الدعم عن المحروقات في سبتمبر 2013م. ولكنه حينما يمس الأمر بقاء حكمه فإنه يفكر بعقله لا بعواطفه - أي بعيدا عن تلك المفردات وغيرها من توعدات، فيقرر بما تمليه عليه مصلحة البقاء بالسلطة علي حساب مبادئ الحركة الإسلامية([‌ت]). وعلي هذا الأساس، فقد كان نظام الدولة الإثنية في السودان والمتمثلة في تمحور تداول السلطة وجغرافية إنتمائها المستترة بزيف الشعارات المرفوعة والمبادئ المعلنة، كانت هي النظرة الأشمل للحركة الشعبية لطبيعة الحكم في السودان ومحور إهتمامها به لأجل التعامل مع ذلك الحاكم الفعلي للسودان، عبر ما أشرنا إليه فيما سيأتي لاحقا بفلسفة المواءمة!.

 

فالإجابة حول مدي علم الحكومة السودانية بحقيقة الحركة الشعبية وأبعاد إستراتيجيتها المشار إليها آنفا، تتضح من تلك التسريبات القائلة بأن الحكام الفعليين في عهد الإنقاذ قد أدركوا جيدا أن الدكتور جون قرنق - كما الشيخ حسن نصرالله، كان يعني ما يقول!، خاصة تهديده الشهير "أنا بشرب قهوة في شندي/متمة!"، والذي إنعكس في تصرفات أبناء الجنوب القاطنين بمدن العاصمة السودانية وإستباحتهم للأفراد "الجلابة" نهبا بالأحياء الطرفية، وتعديا عليهم أثناء المبايعات بالكناتين والمطاعم (وجبات عشاء الفول المصري)، وعند إستخدام المواصلات العامة؛ وكذا عندما تجرؤا بخلق حالة من الفوضي الدامية بالعاصمة المثلثة عند مقتل قائدهم نائب الرئيس السوداني وزعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق عينه!. وتبرز الإجابة جلية بعيد المفاصلة مع الدكتور حسن الترابي وما ترتب عليها من تداعيات أمنية خطيرة علي الساحة السودانية ككل، تسرب علي إثرها إمتثال الحكام الفعليين للأمر الواقع، وإعترافهم بأن الإنقاذ تحت ذلك التهديد "القرنقي" وما تبعه من مفاصلة "ترابوية" أتت بالتمرد في دارفور، هي آخر فرصة متاحة لهم، حيث لا مجال لهم كشريحة للحكم مرة أخري، لا عبر صناديق الإنتخابات ولا عبر الإنقلابات، أي كما يتردد "لا بالبوت ولا الصندوق!"؛ كتنبوء منطقي نتيجة ذلك التهديد وتلك المفاصلة وتداعياتها!. فالذي قاله ناظر الجعليين لعرمان ومن ثم لد. منصور خالد هو أشبه بمامورية اللواء الهادي بشري حيث فسر منصور خالد ذلك بأنه وطنية من ذلك الناظر ولكن الواقع ففي افتتاح مؤتمر الحزب الاتحادي الديمقراطي في القاهرة(4/5/2004) اعترضني رجل التقيته للمرة الأولى وقدم نفسه- حسن نمر عمدة الجعليين- استقبلت الرجل بما يجدران استقبل به مثله من الترحاب،ثم استمعت لما أراد أن يفضي به إلي ، قال(( لي رسالة ارجوان تبلغها للدكتور جون قرنق إن لم يكن قد بلغها له ياسر عرمان الذي حملته نفس الرسالة إبان زيارة وفد الحركة للخرطوم)) قلت :ما رسالتك ؟!..أجاب: ابلغه ((إن الذين يرموننا بالعنصرية لا يعرفوننا وانقل له إني سأكون على رأس مستقبليه في الخرطوم لاصطحبه معي للمتمة ،يشرب القهوة مع أهلها))..

قصة شرب قرنق القهوة في المتمة أسطورة روجها سخفاء العقول لتأجيج الغضب الشمالي ضد قرنق بان كل الذي يبتغيه هو إذلال الشمال وكيما يبلغ الإذلال غايته اختاروا هدفا له- أهل السروج والخيل..(الكتاب-تناقص الاوتاد وتكاثر الزعازع ص 282) إنتهى الاقتباس من الكتاب....

 

وعلي وقع تلك الأحوال ووطأتها والنظر إليها بعيون الحكام الفعليين، يمكننا قراءة الوجه الحقيقي لثورة الإنقاذ. فبداية كان ذلك الترتيب الذي جاء بالإنقاذ إلي سدة الحكم، كما ورد في الرواية المعروفة ما بين الرئيس البشير والدكتور حسن الترابي، ثم محاولة إنقلاب الأخير علي الأول والتي حسمها ذات الترتيب لصالح الأول، ثم يستمر نفس الترتيب محافظا علي وجوه بعينها بالحكومة ومبدلا ومغيرا أخري بأخري، لتتضح صورة ذلك الوجه الذي تباينت سمات ملامحه بين الإدعاء - "هي لله هي لله، لا للسلطة ولا للجاه!" والتنازل عنها وعن سائر طموحات المشروع الحضاري لمستوي الأنانية وحفظ الذات!. وفي ظل تلك الأحوال وظروفها التي تلت والمتغيرات التي أعقبت والحقائق التي تبدت، عن واقع التجربة لنظام الإنقاذ؛ وجد المجتمع السوداني نفسه مشلولا بأزمة بديل، وتفاجأ الجوار الإقليمي متأرجحا تارة بين التأييد والتنكيل، والمجتمع الدولي ملوحا بعصا المصالح والتطبيل!. أعطت هذه المواقف جميعها فسحة لنظام الإنقاذ لم يستفد منها في توفيق أوضاعه، بل سخرها لتوضطيد حكمه وإستحكام قبضته بذات الترتيب الذي يقف من ورائه أولئكم الإنتهازيون المتسلقون([‌ث])، الذين هم بالضرورة مؤتمر وطني ظاهرا، وباطنا شيعة وصوفية، وشيوعية وعلمانية، ووهابية وماسونية – في تجمع متناقض، وحبكة قالوا إنها شجرة جامعة إلا لمن أبي!. وهكذا كانت فلسفة ذلك الترتيب، الذي كشف من طبيعة ذلك الإحتشاد كيف أنه أدخل الجميع في دوامة الإرباك والتغييب، حتي تنصرف الأنظار ويتوفر الغطاء لتمكن شريحة بعينها في الحضور الغالب والتمثيل الأكبر للتهيمن والتوالي علي حكم البلاد. فهذه الشريحة هي الحاكم الفعلي جنسا وجهة وهي الوجه الحقيقي فكرا وترتيبا لثورة الإنقاذ، الطامحة لمجرد بقائها في السلطة ولو علي حساب الوطن –أرضا وعرضا وعقيدة وتوجها!.

 

عليه، فإن تلك الحقيقة كما تبدت واضحة للمهتمين بالشأن السوداني، من خلال ذلك الإدعاء والتنازل عنه وأنانية الحكام الفعليين وطموحاتهم المعلومة، هي ما تبرر من ناحية أخري؛ كيف وجدت المخابرات الأجنبية ضالتها في الحكومة والمساومة معها – تحت ذريعة الحرب علي الإرهاب – لتمرير أجندتها الخاصة بفصل الجنوب وضرورة فتح المعابر في المناطق المضطربة للتحرك الآمن لطواقم المنظمات الإنسانية والبعثات الدولية، وما صحب ذلك من إتصال وتعاون نجحت فيه تلك المخابرات وحكوماتها في تحقيق كل أغراضها في مقابل ترك الحكومة وشأنها!. وجدير بالذكر في هذا الإتجاه هو ذلك الضغط المضروب علي السودان حول تدفق صادر البترول والنظر إليه كعامل مهم في تقوية النظام الحاكم فيه. عليه فقد بدأ الصراع على النفط بين الشمال والجنوب من خلال لعبة النفط وصراع المصالح في موارد أفريقيا حيث بروز الصين وماليزيا في مقابل خروج شركات النفط الأمريكية تحديدا من السودان.   أين ذهب النفط السوداني وكيف تم استغلال عائداته؟ وقد تعرض باستفاضة الى الدور الحاسم الذي لعبه النفط في تأجيج الحرب الأهلية أولاً، كما عطف على الدور الذي لعبه النفط – في مرحلة لاحقة - في الدفع باتجاه السلام، من حيث أنه عزز القدرات العسكرية للحكومة المركزية مما انعكس على ميادين القتال، فكانت لها اليد العليا. وهو الأمر الذي دفع تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) الصادر في فبراير 2001، والذي تبنته ادارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لأن تنصح الحركة الشعبية بأن تجنح الى التفاوض المدعوم من حكومات الغرب بغرض الوصول الى سلام عادل واقتسام عائدات النفط، بدلاً من العمل على تعطيل الانتاج وايقافه. وتلك زوايا شديدة الأهمية في تقديري من الوجهتين التاريخية، حيث الدروس والعبر، والاستراتيجية حيث المستقبل المحفوف بالتساؤلات، لم تنل حظها من البحث والدرس المستحق   فظهور النفط في السودان يتعارض مع ذلك الحصار الذي تفرضه الإدارة الأمريكية علي السودان وما يهمها فيه تضرر جنوب السودان من ذلك حيث سعيها لضرورة فصله لتجنيبه مضار ذلك الحصار. وعليه فإن إستمرار تدفق النفط  وما نتج عنه من دخول لرؤوس أموال أجنبية وتمويل صناديق إستثمار بما فيها صندوق النقد الدولي الذي أخذ في توفيق الأوضاع وتطبيعها مع السودان البلد الذي طالما هم بطرده منه في يوم من الأيام، كان الضربة القاضية لفكك نظرية الاحتواء المزدوج للنظام السوداني ومحاصرته وعزله إقتصاديا ودبلوماسياً، مما أضر في النهاية بمصالح المعارضة السودانية ومجموعات الضغط الأجنبية التي تساندهما. عليه فقد حاولت معارضة التجمع الوطني الديمقراطي وحزب الأمة إعاقة تصدير النفط بإعتدائها ثلاث مرات علي الخط الناقل للنفط الخام، ولكنها لم تفلح لإنهيال الإدانات الشعبية من الداخل عليها. ثم تكفلت الحركة الشعبية بالأمر حيث وضعت إيقاف ضخ النفط وتصديره شرطاً لازماً لوقف إطلاق النار الدائم بينها وبين الحكومة، إلا أن الحزب الشيوعي السوداني الذي هو من أقرب المقربين إليها قد رفض هذا الشرط تماما، متهما الدكتور جون قرنق بعدم الإلتزام بالقضايا الوطنية الكبرى!، وهكذا رفضت أيضا بقية الأحزاب السياسية الأخرى، حتي حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي رغم إتفاقه مع الحركة الشعبية في فبراير 2004م فيما عرف بـ (تفاهم جنيف)، ما جعل الدكتور جون قرنق يصرف النظر عن هذا الشرط نهائيا([‌خ]). ثم جاءت مجموعات الضغط المسيحي والكنسي بمطالبة الكونغرس والإدارة الأميركية لتكثيف الضغط على الشركات العاملة في بترول السودان وبخاصة الشركات الكندية والأوروبية، لوقف العمل والإنسحاب من السودان، وإلا لخضعت لعقوبات منها الحرمان من تداول الأسهم في بورصة نيويورك، وقد نجحت في ذلك. كما أصدرت الإدارة الأميركية قرارات جمدت بموجبها عائدات النفط السوداني ووضعها في حساب خاص حتى تكتمل عملية السلام في البلاد، بدعوى أن الحكومة السودانية تستغل تلك الأموال في تسليح الجيش ومن ثم تأجيج نار الحرب والاستمرار فيها. فقد مثلت هذه الضغوط وما تبعها من حصار إقتصادي وعقوبات أمريكية في هذا الشأن، تحديا آخر بالنسبة للنظام القائم بالسودان، حتم عليه ضرورة التفكير في إيجاد مخرج، عبر المساومة الإستخباراتية في الحرب علي اإلارهاب، المسلك الدبلوماسي أو الوصول لتسوية في شأن الحرب في جنوب السودان كما إشترطت الإدارة الأمريكية، إلا أن كل هذه الجهود باءت بالفشل رغم ما تم التوصل إليه من إتفاق مع الحركة الشعبية! الموضوعية !!!!!!!!!!

 

إذا لا بد من الإتيان بخطة ما توفق بين تدارك تلك التهديدات وبين تحقيق طموحات الحكام الفعليين الهادفة لحماية العرش والإرث!. فالمهددات قوبلت بالرضا بفصل جنوب البلاد وأما حماية العرش والإرث فقد قوبلت بتبني سياسة بقاء الإنقاذ، كمعادلة ربطت صيرورة الأول بمصير الثاني ليتكشف من خلالها سر ذلك الإهتمام الخاص بجدية التخلص من الحمولة الزائدة والنجاة بمتبقي المركب لأطول رحلة حكم ممكنة!. وخير شاهد عن هذه الخيبة والأنانية السافرة، هو ذلك المخطط العنصري الذي كشف عنه وزير المالية الأسبق الدكتور عبد الرحيم حمدي والقاضي بعدم إعتبار أطراف السودان في معادلة دولة الحكام الفعليين والتي عبر عنها بحدود ما عرف بإسمه بـ "مثلث حمدي"، والذي أكدته مؤخرا تصريحات الدكتور نافع علي نافع، مستشار سابق لرئيس الجمهورية، عن بناء السودان الحقيقي بحدود ذلك المثلث الذي يشمل محور دنقلا وسنار وكردفان - أي مدينة الأبيض. وهنا نذكر جميعا سياسة التمكين التي إنتهجتها الحكومة منذ أشهرها الأولي([‌ذ])، والتي ما هي إلا تطبيقات أولية لمخطط بعيد المدي، تمثل فيما بعد ملموسا في تطوير عوامل إستمرار بقاء الإنقاذ لأقصي ما يكون والتي شهدنا عبر السياسات المتخذة بالآتي:

 

D      العمل علي تغيير تركيبة القيادة القومية للقوات المسلحة والشرطية مع التغيير الكلي لتشكيلة جهاز الأمن الوطني وتعزيزه ببناء قوة خاصة من جنسه!، مطلقة الصلاحيات ومتعددة المهام، وموازية بل متفوقة في تسليحها وتدريبها علي الوحدات القتالية والمليشيات المساندة الأخري؛ إظهارا للرعب والإرهاب، لردع وملاحقة وحبس وإسكات كل من يجرؤ أو يعبر بما يؤدي لتقويض النظام الحاكم.

 

D      المحافظة علي لحمة المؤتمر الوطني وأزرعه المتعددة، وتمديده بالبلاد عبر ما سمي بسياسة تقصير الظل الإداري، وإظهاره تضليلا كأنه الحاكم الفعلي، وتزيينه بشعار قومية كاذبة خاطئة، بوصفه شجرة وارفة جامعة وضاربة الجذور!.

 

D      تبني سياسة التساهل في التعديات علي المال العام وما ترتب عليها من فساد منظم طال كل مؤسسات الدولة ومرافقها دون إستثناء، في ظاهرة لم يعهد لها السودان مثيلا في تاريخه، تم تركها طلقي وقد غض الطرف عنها دون محاسبة لتلك المؤسسات أو مقاضاة عامليها المتورطين في مقابل ضمان وتوسيع دائرة الولاء للنظام، كوسيلة لكسب أكبر قدر من القواعد لصالحه وإستمرار تأييده. فالحكومة تنفي ظاهرة التعدي علي المال العام جملة وتفصيلا، وخاصة رئيسها الفريق عمر البشير الذي ظل يدافع ويبرئ ثورة الإنقاذ عن هذه التهمة، بل ويهدد بالقصاص من كل من يتهمه في شخصه وأسرته وحكومته دون إثبات!. بيد أن الواقع المشاهد من مظاهر للثراء المفاجئ محليا والأخبار الواردة خارجيا وخاصة من دول شرق آسيا أندونيسيا وماليزيا والفلبين، بالإضافة لتقارير منظمة الشفافية الدولية لثلاث سنوات متتالية، منذ العام 2010م، لتؤكد ذلك تماما[‌ض]!.

 

D      إعتماد سياسة الإسترضاء والإسترضاع تجاه من لهم تأثير سلبي محتمل علي مجريات الأمور بالسودان، ومن أمثلة ذلك عملية تعيين إبني المهدي زعيم حزب الأمة والميرغني زعيم حزب الإتحاد الديمقراطي وغيرهم عبر ما سمي بالحكومة العريضة، وكذا عملية إخلاء موقع النائب الثاني لرئيس الجمهورية إرضاءا لأهل غرب السودان، بدءا بجلب الدكتور الحاج آدم يوسف كنائب لرئيس الجمهورية وإستخلافه من بعد بالإستاذ حسبو محمد عبد الرحمن.

 

D      إنتهاج سياسة فرق تسد كمؤامرة مدسوسة بتزكية ثقافة التصنيف لواقع المجتمع السوداني لعرب وغير عرب، موالين وغير موالين، والنظر إليهم بعين الإقصاء والمفاوتة، مع توافر عوامل التوتر فيما بينهم عبر إفرازات الممارسة السياسية المجحفة والتقسيمات الإدارية الظالمة وعلو منطق سيادة الأرض!. فقد كانت أخصب المياديين لتمرير هذه الثقافة هي مناطق الهامش والتماس الحدودي وما فيها من جرائم بإذن النظام أو حروب بإسمه، ومن موت ودمار وتشرد تحت سمعه وبصره!. وفرت هذه المؤامرة فتنة مستمرة ضربت الحكومة بها عصفورين بحجر واحد؛ النجاح في شق الصف  وإحداث التفرقة ثم الخروج بما يضمن لها وقوف قبائل بعينها معها عبر ما شهدنا ببيعات الولاء لمباركة منطق السيادة وسياسة البقاء!. وتبرز حقيقة ذلك التصنيف أيام إستيلاء قوات الجبهة الثورية السودانية لمنطقة أبي كرشولا وتصريحاتها بالتقدم نحو العاصمة، حيث لوحت الحكومة للتعبئة العامة علي أساس العرق بقدر ما زعمت أن التمرد إستهدف المواطنين علي أساس العرق أيضا –فقتل من هم عربا وترك غيرهم!. فعامل الإنتماء العرقي هو ما يشغل الجلابة وهو ما يريدون توسعة هوته، ولا يعجبهم فيه التقارب ما بين القبائل ولا العودة لماضي التآخي فيما بينها خشية التنبه للمؤامرة والإتحاد ضدها. وخير مثال هنا ما تفوه به معتمد شرق النيل بقوله - مخاطبا حشدا من ذات جنسه، أيام دخول حركة العدل والمساواة للعاصمة السودانية، مايو 2008م: (... إننا لن نسمح بخليفة آخر يجينا من الغرب – إشارة للخليفة عبدالله التعايشي!) - ثم،

 

D      العمل بسياسة تعمد إستبقاء مناطق الهامش وأهل الهامش منشغلين بما يجري في مناطقهم بلا نية حقيقية صادقة لتسوية ما يشغلهم. فالحكومة قادرة علي حسم كل مظاهر التفلت الأمني كما لها بذات القدر الإرادة الكافية لتوقيع تسوية شاملة مع التمرد، وهكذا وعدت الحكومة بل توعدت علي لسان رئيسها عمر البشير، كما سبق ذكره، بأن العام 2014م سيكون نهاية التمرد!، ولكنها تفضله وضعا مستمرا بين بين هكذا([‌غ])، متحكم فيه بشطر حركات التمرد والإتفاق مع بعضها من جهة، ولا بجعلها مهزومة أو منتصرة من جهة أخري. ذات الموقف يتكرر في عدم مكافحة أو مخاطبة أسباب الجريمة والجرائم الفردية أو الخلافات الإدارية وتركها حتي تتطور لصراع قبلي دامي. إنعكست هذه السياسة واضحة في تلك التقارير الأمنية التي ظل يرفعها تضليلا المعتمدون للولاة والولاة لرئاسة الجمهورية بهدوء الأحوال وإستتباب الأمن، بينما واقع الحال يكون شيئا مختلفا تماما! –ثم،

 

D      إعتماد سياسة الإلهاء والإغراء والإغواء المستهدفة لقطاعات الشباب والشابات والتي تعمل بتناغم بعدة أوجه وإتجاهات بهدف كسب التأييد أو التغييب أو التحييد عن القيام بأي فعل مضاد –من قبلهم للنظام الحاكم. من أوجه هذه السياسة وإتجهاتها الملاحظة في المشهد العام والمعاش منذ قيام ثورة الإنقاذ، نورد أمثلة ثلاثة علي سبيل المثال لا الحصر بالتفصيل الآتي:

 

Ø    الإتجاه الأول متبني بواسطة المؤتمر الوطني –الحزب الحاكم عبر ذراعه المعروف بإتحاد شباب المؤتمر الوطني المعزز بإتحادات الطلاب الموالية للنظام الحاكم. يقوم هذا ببث برامج تفاعلية مدروسة تطرح

Ø    الإتجاه الثاني –جريمة ظاهرة إنتشار المخدرات ومذهبات العقول:

Ø    الإتجاه الثالث بث برامج ..... وسائط ..... شبكات الإتصال

 

D      إحكام السيطرة التامة علي الإعلام وكل وسائله المختلفة وتحويلها لأبواق لا تصدع إلا بما يملي عليها، مع موافقة وتأييد إستمرار برامجه وإصداراته الداعمة لخطة فرض ثقافة جهوية محددة هي المتمم لإظهار صورة الجلابة وكأن ما عداهم من قوميات لا تحمل إرثا ولا تاريخا يستحق ذكرا.

 

هذا ما علم من وسائل بشأن خطة تطويل عمر حكومة ثورة الإنقاذ والتي يعتبر فيها الرضا بقبول فصل الجنوب أهم السياسات الغير معلنة كخيار مدخر يلجأ إليه عند بلوغ مستوي تلك المهددات المرحلة الحرجة. أما من جهة مهدد الإضطراب المدني فقد إستفادت الحكومة من سأم المواطن العادي ونظرته السالبة للمعارضة الحزبية كبديل فشل في كل محاولاته الإطاحة بها، وأما المعارضة المسلحة وإسهامها في إثارة الشارع، فقد نجحت الحكومة من جانبها في تصويرها بالعلمانية ورميها بالعمالة المخربة وذات الأجندة الأجنبية. فسأم المواطن ونتائج أفعال المعارضة المسلحة المتكررة والتي تضرر منها ذات المواطن أكثر من تضرر النظام الحاكم في عقر داره، إلي جانب الحملة الإعلامية الحكومية المنتظمة ضدها، فقد ضمنت للحكومة من ذات المواطن مكسب المحسوبية والمناصرة الجهوية والقبلية – خاصة بالعاصمة القومية الخرطوم. هكذا فقد الشارع ثقته في معارضة يري فيها عدم التلبية لطموحاته متمنيا زوال قياداتها الهرمة([‌ظ]) قبل زوال الحكومة ذاتها. ففي كل مرة يخرج فيها المواطن للشارع يجد نفسه مخزولا من غياب وجوه المعارضة المعروفة ويكون من جهة أخري مفتقرا لقيادة تنظيمية جامعة، هي ما ينقص هذا الشارع لقيام ربيع عربي ناجح بالسودان. وعلي هذا الضياع المحتمل نجد أن عزاء هذه الأحزاب المعارضة ليس في عدم جزمها بفشل ربيع السودان وإنما تصريحات زعماؤها المتكررة بتحول هذا الربيع لحرب أهلية بالسودان، وهي الدعاية المجانية التي جاءت مبرمجة لصالح الحكومة ضمن مؤامرة منظومتها المستحكمة بالبلاد!. فهذه الدعاية فإنها ببساطة تعني تخويف الناس من حرب يخشاها الجميع وهم لا يريدون تكرارها بالسودان كما شهدوها في بلاد غيرهم، حتي ينتهي أمر هذا الربيع الذي طال علي طريقة الصبر علي: "جن تعرفه ولا جن تتعرف عليه!".

 

النقاط الواردة أعلاه، بشأن خطة بقاء الإنقاذ والتي شمل بعضها سياسات التدمير وهدم النسيج الإجتماعي وعمليات التخريب المنظم –سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، هناك إعتقاد جازم بأن عملاء الماسونية –الإسلاميون المندسون هم من يقفون

 

وتوضيحا لهذه المؤامرة المستحكمة بالبلاد والمتسترة خلف الخداع السياسي والتنظيمي وأساليب التمويه المضروبة علي الشعب السوداني للهيمنة والسيطرة عليه، نجد أنها قد إمتدت حتي طالت إتحادات العمال عبر ما سمي حينها بمؤتمر الحوار النقابى الذي إنعقد في أغسطس 1990م، بحجة توحيد الحركة النقابية تحت مسمى المجلس الأعلى للحركة النقابية والتمويه بتضمين معايير منظمة العمل الدولية في لوائحه. ولكن من واقع حيوية هذا التنظيم والتي تكمن في أهميته كعامل إستقرار أو زعزعة للأنظمة الحاكمة –قابل للتفعيل حسب الطلب، فقد بادر الحكام الفعليين وأخذا بالدرس المستفاد من إضرابات العاملين أثناء فترة الرئيس الأسبق جعفر نميري، والتي تطورت لإنتفاضة عامة حتي الإطاحة به؛ بتنظيم ذلك المؤتمر الذي من تاريخه وعلي طريقة (الغراب ما بـ سل عين أخيه - أي لا يفقأها)، تولي رئاسة هذا الإتحاد من هم علي شاكلة هذا المثل؛ كل من الأستاذ تاج السر محمد عبدون، والبروفسير إبراهيم أحمد غندور والذي نال المكفأة بتعيينه مستشارا لرئيس الجمهورية أواخر 2013م، إضافة لتقليده وسام الجمهورية من الطبقة الأولي وذلك للدور والإنشطة الإيجابية الممارسة للتحكم في هذا الإتحاد وعدم قيام أي إضرابات أو إعتصامات طيلة مدد دوراتهم والزائدة عن ثلاثة وعشرين عاما!. فمجموعة المتسلقين الإنتهازيين - من واقعهم الفعلي والإفتراضي داخل الحكومة أو خارجها، عبارة عن منظومة هدفها السيطرة للتوالي علي السلطة، في منافسة حصرية بما لهم من وجود غالب حاسم بأي حكومة قائمة، ووجود فاعل بأي من أحزاب المعارضة بشقيها الحزبي التقليدي بالداخل أو بتجمعها المعارض بالخارج. وهنا فإنه حتي عند حدوث إنقلاب ثورة الإنقاذ يونيو 1989م، تناست ذات الأحزاب ما تواثقت عليه عبر ما أسمته بشرعية الدفاع عن الديمقراطية الموقعة من كل الأحزاب للقيام بعصيان مدني مباشرة ضد أي إنقلابيين مستقبليين. وعلي هذا، فإنها ليست غريبة مبادرة التجمع الديمقراطي الوطني في مؤتمره المعنون القضايا المصيرية للسودان بأسمرا عام 1995م، والتي نادت بمنح الجنوب حق تقرير المصير([‌أ‌أ])، دون الأخذ برأي أهل السودان كلهم، في سيناريو قام رجال الإنقاذ لاحقا بقبوله في بروتكولات مشاكوس الموقعة في يوليو 2002م، وأيضا دونما إعتبار لرأي المواطن السوداني المغيب منظومة (معارضة وحكومة). وهذا الأمر – المنظومة، يؤكده الدكتور قرنق في موقفين؛ الموقف الأول عند نجاح الإنتفاضة وإسقاطها لحكومة جعفر النميري في إبريل 1985م، توددت كافة أحزاب المعارضة وتحالفها الديمقراطي للحركة الشعبية للإلتحاق بالديمقراطية الثانية، ولكن الرجل فضل بقاءه متمردا بالغابة لزعمه أن المٍسألة مجرد تغيير وجوه وحسب!، والموقف الثاني؛ يأتي من إتفاقية نيفاشا، فإنه حينما وقعها وقعها فقط مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم، وإنه لذات الزعم لم يعر ذات الأحزاب المعارضة ولا تجمعها الديقراطي مع ما أقره بحق الجنوب في تقرير مصيره، ولا كل من وقع منها إتفاقا معه أي إنتباه، فإنهم في نظرته وحساباته منذ العام 1955م وإلي العام 2005م، شيئ واحد مهما تصالحوا مع الجنوبيين كمعارضة أو حكومة أو تقاتلوا كشماليين ضد بعضهم البعض!.  ومن كلا الموقفين للراحل قرنق نستخلص أن معارضة التحالف الديمقراطي بشقها السياسي أو العسكري قد إستوعبت الأمر –ذلك الترتيب، مفضلة مسايرة الحكومة الحالية والإلتقاء معها في عدة تقاطعات!. تمرد فى الشرق ومنذ عام 1994 قررت المعارضة الشمالية التي تضم أحزاب: «الأمة» بزعامة الصادق المهدي، و«الاتحادي الديمقراطي» بزعامة محمد عثمان الميرغني، و«الشيوعي» بزعامة محمد ابراهيم نقد، وأحزبا أخرى مثل البعثيين والناصريين، قررت التعامل عسكريا مع حكومة البشير، فكونت ميليشيات مثل: جيش الأمة «يتبع لحزب الأمة)، وقوات التحالف (تتبع لتنظيم التحالف الديمقراطي) بزعامة العميد متقاعد عبد العزيز خالد، وقوات البجة، تحت إمرة تنظيم البجة المعروف في شرق السودان، وهناك قوات الفتح تتبع للحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض التي حلت نفسها لتكون القوات الوطنية الثورية، اضافة الى قوات السودان الجديد التابعة لحركة قرنق في الشرق. وظلت هذه القوات تقوم بعمل مسلح في شرق السودان بتنسيق تحت مظلة التجمع الديمقراطي، ولكن منذ عام 2001 بدأت هذه المجموعات العسكرية تتضعضع إما بسبب عودة أحزابها الى الداخل مثل جيش حزب الأمة الذي تبدد بعودة الصادق المهدي زعيم الحزب الى الداخل، وإما بسبب تقارب حذر بين الحكومة وبعض أحزاب المعارضة. وهناك فصيل آخر باسم «الاسود الحرة» تقوده قبائل الرشائدة في الشرق

 

وجدير بالذكر، أن بروتكولات مشاكوس كانت فرصة سانحة لتحسين علاقة الحكومة المضطربة مع المجتمع الدولي، خاصة في جانب فك "سياسة العزلة والحصار" التي كانت تقودها أمريكا ضد السودان والتي عبرت عنها صراحة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت حينما صرحت في مؤتمر صحفي لها العام 1997م بقولها: (غدا، بمجلس الأمن سأقفل السودان كقفلي لسوستة قميصي هذا –وقد مثلت مؤكدة ذلك بيدها!). ولكن الحكومة تحت هاجس تلك السياسة المفروضة عليها، وسوء قراءتها للمستجدات والمتغيرات والتطورات الداخلية والإقليمية والدولة وما ترتب عليها من تغيير للنظرة ومراجعة للمواقف، فإنها قد فضلت المراهنة علي التعاون في مجال الحرب علي الأرهاب([‌ب‌ب]). وولجت حكومة الإنقاذ هذا المجال دون معرفة ليس لمن تلعب مع ولكن كيف تلعب حيث فات علي رجال مخابراتها أن إهتمام ونظرة المجتمع الدولي للسودان هي ترتيب فصل الجنوب كأولوية وهدف مقصود لذاته، مع الحضور والوقوف التآزري لصالح الأزمة في دارفور، وليس النظر إلي الخدمة المنتظرة من السودان في ذلك المجال. ونسبة لنتائج الفشل في مخاطبة الإرهاب عبر خطط تجفيف منابعه وضرب معاقله، فقد تطلب الأمر لاحقا، التحرك بإجراء عمليات إحتواء للجماعات الإسلامية النافذة، بتغيير أنظمة بعضا من الدول المعنية علي شاكلة ثورات الربيع العربي المستمرة، مع إبقاء خيارات التدخل العسكري مفتوحة، والإستمرار بقصف مواقع الإرهابيين بالطائرات دون طيار المعروفة بهجمات الـ (درون). هذا التحرك كان من غير المحتمل القيام به كلية في حالة النظام القائم الآن بالسودان، المرتب له البقاء لأجل تحقيق ذلك الهدف –فصل جنوب السودان وما يتبعه من أهداف أخري متصلة. وهذا ما جعل عديدا من الدول ذات الغرض بالسودان أن تكتفي بإرسالها مبعوثين خاصين منها للسودان وبإقامة دائمة بالخرطوم، دون أي إنفراج يذكر في محاولة رفع إسم البلاد من قائمة الإرهاب وفك الحظر الإقتصادي المفروض عليه، والذي قوبل فقط بتصفيق الإدارة الأمريكية للسودان العام 2007م بإعلانه أقوي شريك في الحرب علي الإرهاب!، حيث أقتضي ذلك غض الطرف مؤقتاعن النظام الحاكم فيما يتصل بملف المحكمة الجنائية الدولية حتي إكمال عملية فصل الجنوب وما يليه من فصل آخر محتمل أو تسوية تنازلية مرتقبة بشأن منطقة أبيي!. إنصبت هذه المواقف معززة بشكل غير مباشر خطط بقاء تطويل عمر الإنقاذ والتي وضح منها إستغلال الحكومة لملف أزمة دارفور لذات الغرض، والذي يعتبر فيه خيارات تطبيق بروتكولات مشاكوس أو العودة للإقليم الواحد، المحك الذي يدعم تلك الخطة أو يعجل بنهاية ثورة الإنقاذ، كغرض فقد كفاءته وإستنفد فعله بمرحلة فصل الجنوب وحسب!.

 

ومع ملاحظة تأخر وصول طوفان الربيع العربي للسودان – الخاص بتمكين وإحتواء الجماعات الإسلامية، وخروجه مما يجري الآن ببقية الدول الراعية للإرهاب من فتن وأحداث متجددة، ونجاته كذلك مما يسمي بالفوضي الخلاقة التي تضرب بأطنابها عددا من دول المنطقة علي خلفية ذلك الطوفان، فإن نتيجة هذا الأمر هو معاقبة المنطقة وخاصة الدول الراعية للإرهاب بشغلها بما يجري فيها من عمليات تصفية حسابات داخلية وحروب طائفية مستمرة وتفجيرات يومية، بهدف الحد من تصدير وتكرار حدوث العمليات الإرهابية بدول الغرب والحد منها، وهذا ما بات واضحا خلال العشر سنوات الماضية. بهذه الخلفية تكون الورقة الرابحة الخاصة بالحرب علي الإرهاب قد أسقطت في يد السودان وحكامه الفعليين خاصة بعد تمام الإنفصال الناجح الآمن لدولة جنوب السودان، والتي فاجأت النظام الحاكم بالخرطوم أن فصل الجنوب لم يأتي أكله في وقف الحرب بالجهة الجنوبية للسودان الحالي!. وعلي هذا فإن الأوضاع المتقلبة علي طول الحدود ما بين البلدين، والتي تلقي بظلالها خاصة في منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة، قد مثلت مهدد آخر في مقابل إنجاح سياسة البقاء المتخذة والتي هي الأولوية القصوي عند النظام الحاكم بالسودان. وأخذا بالدرس المستفاد من إنفصال الجنوب مع تهديدات الجبهة الثورية بالزحف نحو الخرطوم، فالراجح أن الحكام الفعليين سيؤجلون النظر في أي مقترح يتعلق بفصل أي منطقة أخري من السودان، بل إنهم سيعملون علي إبقاء كل مناطق الهامش كجدار واقي أو خط  نار عازل لأي تقدم محتمل نحو العاصمة الخرطوم ، هو الخيار الأكثر إحتمالا والذي يعزز من سياسة جعل مناطق الهامش والتماس منشغلة بما يجري فيها، في ظل حكم مجموعة الإنتهازيين المتسلقين للسودان. فالخوف من سيناريو الزحف إلي العاصمة والمؤيد من دول بعينها علي المستوي الإقليمي وغيره وما سيترتب عليه عن عمليات إنتقام ومحاولات قبض علي عناصر النظام المتورطة في كل الحروب الدائرة بأطراف السودان هي المؤرق الحقيقي للحكام الفعليين اليوم. فالنية المبيتة بإستهداف نظام الإنقاذ وقلعه والقبض علي مجرميه المطلوبين لدي محكمة الجنايات الدولية مع تمكين المعارضة المسلحة لتقلد زمام الحكم بالسودان، تظل قائمة عند دول الغرب خاصة بعد ضمانهم فصل جنوب السودان، وهذا ما يبرر توصية المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان، أندرو ناتيوس، عند نهاية مدته والتي دعا فيها بلاده بضرورة ضرب أهداف محددة ومواقع حساسة بالسودان!.

 

إذا فقد نجح الدكتور قرنق في بقائه صامدا لفترة واحد وعشرين عاما، في حرب كان يقول فيها أنه يقاتل عدوا يحاربه بالوكالة!. وبلوغا لهذ العدو الحقيقي –الطرف الثالث –الحكام الفعليين، الذي إستبعدت معهم الحركة الشعبية خيار تمتع البلاد بجو صحي ديمقراطي[‌ج‌ج]، مؤملة فيه بسيادة كتل الهامش علي سدة الحكم لتنفيذ مخطط السودان الجديد سلميا وبلا عنف. فقد إبتدر جيشها الشعبي حربا نفسية علي هذا العدو، والذي عرف تماما كيف يغازل نفسياته، لكشفه وتعرية ما بدواخله وتقييم ردود أفعاله الممكنة ومقابلتها بما يلزم من إجراء. فمن خلال فلسفة المواءمة المشار إليها لاحقا، وكما شخص قرنق ما تم وصفهم بالحكام الفعليين، فقد تبنت إذاعة الجيش الشعبي بث حملة دعائية شاملة مضادة لشريحة الجلابة، نجحت خلالها في توسيع دائرة شعبيتها بين سائر المواطنين. وهنا تفادت الحكومة وتجنبت من جانبها مجاراة الحركة الشعبية في هذا الإتجاه – ربما لحاجة في نفس يعقوب([‌د‌د])!، إلا أنها وبشكل عملي، في العام 1991م، قد تمكنت من إختراق الحركة الشعبية بإتصالها بجماعة الناصر الإنقلابية، مع تحييدها لقوات من الحركة الشعبية بولاية بحر الغزال عرفت بالقوات الصديقة بقيادة اللواء التوم النور، وكل ذلك لضرب عصفورين بحجر واحد؛ إما الإتفاق مع هذه المجموعات ثم دعمها ضد متبقي جيش الحركة الشعبية، أو خلق بلبلة في داخل صفوف وفصائل الحركة الشعبية تؤدي لقتال بعضهم البعض، وهذا ما حدث وقد تقاتل الطرفان قتالا ضاريا. وكان تصور الإتفاق المتوقع بين الحكومة وفصيل الناصر بزعامة رياك مشار ولام أكول، هو التوصل لتسوية تكن في مضمونها نسخة معدلة عن إتفاقية الوحدة الوطنية المعروفة، إلا أن الطرفين فشلا فشلا ذريعا عندما إلتقيا بنيروبي عام 1995م. وبسبب هذا الإنسلاخ الذي فسرته الحركة الشعبية بالخيانة والتقرب إلي العدو –الحكومة، تفاقم الموقف بين الحركة الشعبية وأولئكم الإنقلابيين مؤديا لإرتكاب أفعال وحشية وصفت بالإنتهاكات لحقوق الإنسان، حتي تطورت الأمور لقتال قبلي بين الدينكا (قرنق) والنوير (رياك مشار)، ما دفع بفصيل آخر وهو الجبهة الشعبية لإستقلال جنوب السودان للإنشقاق عن الحركة الشعبية. مثلت هذه الفترة (91-1995م) أصعب السنوات في مسيرة نضال الحركة الشعبية التي إنتهت بالمصالحة الداخلية والتي ما زادت الحركة الشعبية إلا منعة وتماسكا وقد عاد كل من رياك مشار ولام أكول إلي حضنها مرة أخري منذ إعلان لافون في أبريل 1995م.

 

إستفادت الحركة الشعبية من الدرس، كما أنها في ذات الوقت قد علمت برغبة الحكومة في التوصل إلي تسوية ما، ولكنها في أثناء تلك الفترة واصلت الحركة الشعبية حربها بضراوة ضد الجيش الحكومي ومجاهديه دون كلل في كافة الجبهات من أرض الجنوب. وفي سبيل العمل لأخذ المبادرة بين خياري القتال والتسوية، لوحت الحركة الشعبية في برتكولات مشاكوس تلك، بمفاجأة الجميع بالمطالبة بتقرير المصير من عدو كانت تتوقع منه المكابرة بالرفض "درءا للوم" أكثر من رفضه المطالبة في حد ذاتها، في وقت كانت القوات الحكومية منتصرة في مجمل العمليات العسكرية بالجنوب. فإعتماد خيار القتال بالنسبة للحركة الشعبية وخاصة مع مجيء ثورة الإنقاذ، كانت تجابهه عقبة الإستجابة الواسعة لعمليات التعبئة العسكرية المستمرة، والتي حالت دون إستلام قواتها لأي من عواصم الجنوب الثلاث، طلية تلكم السنوات (89-2000م) وحتي ما قبلها في عهدي الأنانيات الأولي والثانية. أعطت هذه العقبة مؤشرا واضحا وإستفتاءا حاسما للحركة الشعبية بأن جموع الشعب السوداني ما زالت في تبعيتها وتبنيها كقواعد يشد بعضها بعضا قوة الدافعية الدينية([‌ه‌ه]). وعليه في تلك الفترة، لجأت الحركة الشعبية لتبني نظريتي الهامش والتهميش، بينما الحكومة فقد نجحت مستخدمة عمليتي التوالي والتجييش!. ولكن مع تبدل الأوضاع في السودان، وتراجع مستوي أولوية المشروع الإسلامي([‌و‌و]) وتزايد هفوات وسقطات رموزه المتعددة وتعدياتهم المالية المتكررة([‌ز‌ز])، أخذت وتيرة المحسوبية والعنصرية القبلية وظاهرة الإنتماء الجهوي بالتنامي علي حساب القومية الوطنية والأخوة الدينية([‌ح‌ح]). وعلي خلفية هذه الظواهر المحبطة، فقد خسرت الحكومة بداية الإداري اللامتحزب الإستاذ عبد العزيز الحلو ومعه القيادي الإسلامي داؤود يحي بولاد الذي قال بقوة صلة الدم كأقوي من صلة الدين، منضمين بذلك إلي تمرد الحركة الشعبية، ثم تلاهم من بعد الشيخ الدكتور الترابي منسلخا عنها بسبب تحركاته لتعديل بعض فقرات الدستور التي قطعت الحكومة بجهويتها ورفضها([‌ط‌ط])، والذي تبعه لاحقا كل من الدكتور الإسلاموي علي الحاج محمد والدكتور الجهادي خليل إبراهيم وغيرهم كثر، ثم مؤخرا إنشقاق الجنرال السلفي مالك عقار إلي أن إنتهي الأمر بوقوف جميع حركات التمرد الأخري بالسودان لصالح الحركة الشعبية فيما عرف علانية بإتفاق تحالف كاودا الذي أتي بالجبهة الثورية السودانية، في مقابل بقاء معظم القبائل ذات الأصول العربية مساندة للحكومة السودانية مع بقية أتباع المؤتمر الوطني كأفراد من القبائل الغير عربية نتيجة لمخطط فرق تسد السائد!. 

 

فإنه وعلي ضوء تلك التطورات مجتمعة، إستشعر الحكام الفعليين حجم المخاطر المتنامية والمحدقة بهم، فقبلوا بتر جنوب البلاد، إعتقادا منهم بأنه سيؤدي لإنهاء الحرب في جهة الجنوب حتي تتفرغ الحكومة للقتال في جهتي الشرق والغرب. وعلي ذلك، فإن عمليات التهيؤ للتصويت لصالح حق تقرير المصير، نبعت من رغبة الحكومة السودانية نفسها أولا([‌ي‌ي])، وليس أصلا من رغبة الناخب الجنوبي العادي، والذي كان حينها لم تكن من إهتماماته النظر بعيدا فيما يرمي إليه معني السودان الجديد!.

 

وبإلرجوع لإتفاقية السلام الشامل، فالمؤامرة واضحة فيها بسبب إستبعادها الشعب السوداني وكأنه غير معني بها البتة، حتي جاءت تفسيرات فقرة تقرير المصير خاصة فقط بالسودانيين من أبناء الجنوب، دون إستفتاء كل الشعب السوداني عليها، وذلك لأن كل من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني يدركان حتمية الرفض، أو عكس ذلك ما سيؤدي لتفكيك السودان وزواله من خارطة الوجود إلي خمس دول أول كل قومية عرقية دولة. هذا السيناريو كان في التقدير يعد أيضا من التحديات الكبري للدكتور جون قرنق، ولكن عزاء الحركة الشعبية هو ما لمسته من حكام السودان الفعليين بقبولهم بإضافة فقرة حق تقرير المصير بالشكل الذي أرادته وتريده الحركة الشعبية فقط، حتي لا تتجابه بحقيقة الشعب السوداني التي تعلمها ويعلمها المؤتمر الوطني جيدا في رفضه الإستفتاء علي تقسيم البلاد!. وعليه، فقد شكلت تلك المعطيات في مجملها حقيقة ما يمكن تسميته بتحديات المـواءمـة التي واجهتها الحركة الشعبية للتوفيق ما بين واقـع مألـوف للمجتمع السوداني يتمثل في تلك المبادئ العامة التي بلورها الشعب السوداني من تلقاء نفسه وآمن بها كأسس محترمة للعيش والمواطنة فيما بينهم([‌ك‌ك])، ومستقبل مأسوف غير معروفة أبعاده ترتب عليه ما ترتب من إنفصال لجنوب البلاد، وما يتبع ذلك من إنفصالات أخري محتملة لا تضمن حتي ظهور السودان الجديد الذي كان يناضل ويقاتل من أجله الدكتور قرنق، وما زلات حركتة الشعبية تناضل من أجله. وهكذا تم إنفصال جنوب البلاد كدولة مستقلة، عضو بالإتحاد الأفريقي رقم 54 وعضو بالأمم المتحدة رقم 193، ومرحب بها أيما ترحيب في المجتمع الدولي.

 

فالراحل جونق قرنق، لم يكن في باديء أمره مضطرا لشرح ما يقول، حيث أن معظم المستهدفين من أهل الهامش وأصحاب الأغلبية البرلمانية ليسوا علي درجة من الأهتمام والتشوق إلي الأمر ليعوا ما يقول الرجل، بل أنهم كانوا في غيبة تبعيتهم وولاءاتهم يعمهون([‌ل‌ل])!. وخير مثال علي ذلك شخصيات الدكتور علي الحاج محمد والمرحومين القيادي الإسلامي الأستاذ داؤود يحي بولاد والمجاهد الدكتور خليل ابراهيم محمد من إقليم دارفور وغيرهم من أبناء جبالي النوبة والأنقسنا وشرق السودان. فالمشار إليهم نتذكر جميعا كيف كانوا عند سني بداية تمرد الدكتور جون قرنق وكيف آل بهم المآل نهاية أمرهم –أي الإيمان بمنفستو الحركة الشعبية بما فيه من مآخذ صريحة ضد الإسلام وترحيب بالعلمانية!.

 

وعليه، فقد رافق ظهور ذلك الشعار شئ من الغموض والتكتم، حتي تساءل حينها السودانيون أنفسهم عن مغزي هذا الشعار الذي جاء متمما ومتسقا مع عبارة "تحرير السودان" الواردة في مسمي الحركة الشعبية، كهدف هو الآخر لم يتسني للجميع فهمه وتفهم أبعاده ومراميه. فامتلأ الشارع بتساؤلات عديدة دارت كلها حول "مماذا يتم تحرير السودان!، وما هو شكل السودان الجديد الذي تريده الحركة!". ومما أربك الناس وزادهم تشويشا في الأمر هو مستوي القبول المتزايد بالخارج وذلك التأييد الذي برز من دول بعينها وخاصة بعيد إستيلاء ثورة الإنقاذ للسلطة([‌م‌م])، وذلك لسعة فكر الراحل قرنق وتوجهاته المقبولة وخططه المؤيدة التي نهجها في تمرده. وبرغم تلك الضبابية التي إكتنفت ظهور ذلك الشعار، فإن البعض يري في أنها قد تكون أمرا مقصودا بحد ذاته من طريقة قذفه لإدخال الناس في دوامة الوهم ومراجعة الإهتمام –حتي يسلم كمفهوم يتبع علي علم أو غير علم، ولكن خلاصة الأمر أنه قد تبلور فهم عام، بأن ذلك الشعار وهذا الهدف إنما هي مسارات جديدة خارج نصوص "الأنيانيات" التي كانت تنادي كلها بإستقلال وفصل جنوب السودان عن شماله وحسب، وليس "تحرير السودان" ككل!.

 

وفي هذا الصدد، تبقي مبادئ الحركة الشعبية التي قامت من أجلها هي العقبة الأهم التي تطلبت الإتيان بفلسفة المؤاءمة حتي تتمكن من إستيعاب كافة قطاعات الشعب السوداني وإتجاهاته المتعددة حزبيا وطائفيا وإجتماعيا وسياسيا. هذه المبادئ شكلت قاعدة الإسناد الشعبي للحركة الشعبية وتمهيدا متمما ومهيئا لقبول نقاط المواءمة التي برعت في توليفها وطرحها لعامة الشعب السوداني. وبشئ من عدم الشفافية، لما للأمر من ردود فعل مرتقبة من كافة الأطراف المعنية وخاصة المسلمين، كان هناك تعتيما مضروبا في هذا الإتجاه حتي أن سائر أهل السودان بل وخواصهم يجهلون ما بدواخل الحركة الشعبية، وهم علي ذلك لا يعلمون من الحركة الشعبية لتحرير السودان غير رنانية الإسم وجمالية الشعارات المرفوعة الآخاذة!. وعليه فقد نمت عند المسلمين وجموع السكان ذوي الأصول العربية مخاوفا جعلتهم يتوجسون من نوايا رئيس الحركة الشعبية، الدكتور جون قرنق، معتقدين بناءا علي ذلك بأن مبادئ الحركة الشعبية قد نادت بالآتي:

 

D      علمانية الدولة وإقصاء الدين الإسلامي:

يشكل السودانيون معتنقو الديانات السماوية غالبية السكان وخاصة المسلمين منهم. وهنا تعول الحركة الشعبية علي تلك التبعية المطلقة التي وجدتها من سكان الأقاليم وأهل الهامش تحديدا في تمضية وتمرير هذا المبدأ من خلال تأييد أمرها ومباركة سودانها الجديد - أمل المهمشين المنتظر!. هذا إلي جانب ضمان رضاء الشيوعيين ومن معهم من علمانيين وماسونيين بالسودان بهذا الطرح. فالشاهد هنا علي هذه التبعية علمانية رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد النور وتوجهاته الشيوعية الماركسية والإسرائيلية المضادة للدين الإسلامي. ويبقي الأهم في هذا الجانب هو رضاء الدول ذات الغرض بالسودان بهذا المبدأ المحتمل لما يمثل من نقطة جوهرية لتطبيع العلاقة مع المجمتع الدولي ككل.

 

D      سيادة العنصر ذي الأصل الغير عربي في حكم البلاد:

هذا الأمر تنظر إليه الحركة الشعبية كمسألة مصيرية بسبب الإقصاء المزمن الذي مورس حقيقة بحق هذه العناصر ومعها في كل مناطق الهامش بالأقاليم علي مر سنوات حكم ثورتي مايو والإنقاذ معا. وهذا ما كان يطمح إليه من جهة أخري، جميع من أسماهم الدكتور جون قرنق بالمهمشين، حيث أنه يشكل بصورة مباشرة، إضافة لأنصاره المؤيدين من غالبية الشعب السوداني –ركيزة الدعم للحركة الشعبية ومصدر مساندة شعبية لا ينضب ولا يخبو تدفقا وعزيمة، لسيادة العنصر ذي الأصل الغير عربي في حكم البلاد!. وهذا الأمر –مبعث إنعدام الثقة، هو ما جعل أصحاب الوجعة المهمشين وهم أكثر الناس تحمسا للتجييش أن يستجيبوا لحركات ثورية تحرير السودان بدرجة أكثر من غيرهم –من الذين يمكن وصفهم بأنهم منتفعين بـ (أنظمة شُلل الأقلية!). وهذا في المقابل ما يؤكد فشل حملة المعارضة الشمالية العسكرية التي قادها تحالفها الديمقراطي عندما قررت في العام 1994م التعامل عسكريا مع ثورة الإنقاذ. وأنه منذ قررت والتي كانت تضم أحزاب: «الأمة» بزعامة الصادق المهدي، و«الاتحادي الديمقراطي» بزعامة محمد عثمان الميرغني، و«الشيوعي» بزعامة محمد ابراهيم نقد، وأحزبا أخرى مثل البعثيين والناصريين، ، فكونت ميليشيات مثل: جيش الأمة «يتبع لحزب الأمة)، وقوات التحالف (تتبع لتنظيم التحالف الديمقراطي) بزعامة العميد متقاعد عبد العزيز خالد، وقوات البجة، تحت إمرة تنظيم البجة المعروف في شرق السودان، وهناك قوات الفتح تتبع للحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض التي حلت نفسها لتكون القوات الوطنية الثورية، اضافة الى قوات السودان الجديد التابعة لحركة قرنق في الشرق. وظلت هذه القوات تقوم بعمل مسلح في شرق السودان بتنسيق تحت مظلة التجمع الديمقراطي، ولكن منذ عام 2001 بدأت هذه المجموعات العسكرية تتضعضع إما بسبب عودة أحزابها الى الداخل مثل جيش حزب الأمة الذي تبدد بعودة الصادق المهدي زعيم الحزب الى الداخل، وإما بسبب تقارب حذر بين الحكومة وبعض أحزاب المعارضة. وهناك فصيل آخر باسم «الاسود الحرة» تقوده قبائل الرشائدة في الشرق.

 

 

 

 

D      طرد العنصر العربي من السودان أو إبقاؤهم تابعين سكانا من الدرجة الرابعة:

هذه المسألة رضي عنها كثير من الأوربيين لما لها من دلالة ذات مغزي محدد وكحجة أخري تدعم ما قاموا به في الأندلس بحق دولة الأمويين هناك وجميع رعاياها –من إبادة ومحو أثر، لئلا تنظر الدنيا إليهم وتصمهم لوحدهم كقتلة وسفاكي دماء في تاريخ العالم. هذه الرغبة مثلت إستدراجا للحركة الشعبية من الخارج للقيام بهذا الفعل، أما في الداخل السوداني، فإنه ينظر إليها من قبل الحركة الشعبية ذاتها ومعها كل من يساندها من الأفراد، كحق يؤيده التاريخ والإتجاهات والتطورات المستجدة علي طول خارطة القارة الإفريقية!. أما من الناحية العقائدية، فإنه سيظل الدين الإسلامي والمسلمين من بعد، العقبة المحتملة أمام تنفيذ هذا الإجراء، الذي يبقي مع كل ذلك مريحا عند البعض من أهل السودان، ومزعجا جدا عند الإخرين منهم!. فالحركة الشعبية كمبتدئ فاعل لهذه الخطوة، فإنها إن نجحت فمكسب لها ولأنصارها، وإن كان فشل فلها وحدها وعليها تحمل الوزر العواقب المترتبة علي ذلك!. 

 

D      إلغاء اللغة العربية وجعل المخاطبة بالإنجليزية كلغة رسمية للبلاد:

من معوقعات تحديد الهوية في السودان تباين الثقافات واللغات فيه، وحتي تضمن الحركة الشعبية إجماعا في هذا الأمر وتفاديا لأي إرباك لاحق، فقد خططت لجعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للسودان الجديد بدلا عن اللغة العربية الأوسع إنتشارا في السودان، بل حتي من اللغة الإنجليزية وأي لهجة لأكبر إثنية عرقية بدولة جنوب السودان ذاتها. فعربي جوبا المتحدث بنبرة لهجة الباري، كان ولحد الآن لغة المخاطبة بالأسواق وغيرها بين كافة الجنوبيين، الذين لم يجتمعوا في تاريخهم علي لغة محلية غيرها، حتي رأينا كيف إضطر الرئيس سلفاكير ميارديت مخاطبة شعب جنوب السودان باللغة العربية في بيانه حول محاولة رياك-باقان الإنقلابية الفاشلة بتاريخ 11 ديسمبر 2013م. فإستخدام عربي جوبا وإتساع رقعة إنتشاره في كافة مديريات جنوب السودان، سيظل أحد الهواجس الإجتماعية والسياسية المحلية والإقليمية بالنسبة للحركة الشعبية.

 

ولأن هذه المباديء إجرائيا متصلة برؤية السودان الجديد البعيدة المدي وليست أمرا ملحا في حد ذاته، فإنه لم يسمع عنها الكثير في خطابات الحركة الشعبية الموجهة لعامة الشعب السوداني أو الرأي العام قاطبة!. ولأجل تمريرها دون التنبه لحقيقة أمرها، إقتضت إستراتيجية الحركة الشعبية أن تتحوط لكل المفاجأت من إنتقادات شعبية وتحفظات سياسية محتملة بشأن مغزي تحرير السودان ودلالات رؤية السودان الجديد وتداعيات هذه المبادئ الغير معلنة!. وهنا بعدما ضمنت الحركة الشعبية التأييد المحلي والدولي اللازمين لتحركها بالثقة المطلوبة، فإنها قد خرجت علي الجميع بفلسفة المواءمة بين مبادئها - القنابل الموقوتة، ومسارها الجديد المخالف لنداءات الأنانيات السابقة؛ لدغدغة جغرافية المنطقة بنفسيات التاريخ، ومعطيات الحاضر لخلق واقع يسمح لها بالمناورة في جميع الإتجاهات لتحقيق الأهداف - تمهيدا لتقبل تلك المبادئ وتجاوب جميع الأطراف معها، وخاصة ضرورة فصل جنوب السودان - كخطوة مرحلية مطلوبة لقيام السودان الجديد!. وتمثلت تلك الفلسفة –أي فلسفة المواءمة في قيام الحركة الشعبية بالتحرك والعمل علي أربعة محاور في آن واحدة – هي بالتفصيل الآتي:

 

D      المحور الأول – بشارة السودان الجديد:

وهي عملية إظهار شعار السودان الجديد وتزيينه لعامة شعب السودان بأنه الخلاص والحل بل البلسم الشافي لكل علل البلاد. وهنا فقد برعت الحركة الشعبية في التصوير والإخراج لصورة سودانها الجديد حتي يكون أكثر تقبلا من كافة قطاعات السودانيين. ومن أميز ما يدعو للإلتفاف حول مفهوم السودان الجديد هو إستيعابه لكافة ثقافات السودان وتوجهات جميع السودانيين ومعتقداتهم ككل. فمربط الفرس بالنسبة للحركة الشعبية هو ليس ما تنادي به من سودان جديد وإنما ماذا يحمل هذا السودان الجديد من مبادئ وقيم – تتضارب تحديدا مع الإسلام والملسمين. فتخوف الحركة الشعبية من تقبل مبادئ السودان الجديد الغير معلنة، يقابله في الإتجاه الآخر من الأحزاب الشمالية ومنظمات المجتمع المدني، تنامي التأييد لمجرد فكرته ومواءمتها لاحقا عبر ما سمي بـ (وثيقة الفجر الجديد) الموقعة بكمبالا في 5 يناير 2013م، والتي هي في حد ذاتها، أهم طرح تكميلي لفلسفة المواءمة هذه!.

 

D      المحور الثاني – نداء المناصرة عبر مفهوم التهميش والمهمشين([‌ن‌ن]):

وهنا جاء تبني الحركة الشعبية لشعارات ذات دلالة إستقطابية بمستوي جغرافية أرض المناورة، وذلك عبر ما أسمته بالتهميش والمهمشين، وكذا السودان الجديد وغيرها من مصطلحات جادت بها عبقريتها وطرحها لأول مرة في عالم السياسة المحلية والإقليمية. ويجدر في هذه النقطة القول بأن الكثير قد فسر هذي الطروحات، سواءا بنظرة مصلحية أو حيادية علي أنها دعوة للعنصرية، ولكن تحوطات الدكتور جون قرنق للمسألة تجعلهم حينما يسمعون نداءاته المتكررة بالدعوة للوحدة وقتاله ضد الإنفصاليين والتي كان يعنيها ويعمل بها حتي مماته([‌س‌س])، تجعلهم مرتبكين في رؤيتهم وبحاجة لإعادة النظر في المسألة ولكن بعيون مختلفة!، وهذا ما يحاول هذا الكتاب فك طلاسمه.

 

D      المحور الثالث: تشخيص عدو مشترك:

وهو سيناريو خلق ’غبينة أومغبنة‘ ضد عدو مشترك محتمل، فإنه وخلافا لـ"منداكورو-Mandakoro" الأنيانيا الأولي والثانية، فقد وقعت دونما بديل في مرمي نيران الإستعداء ما أسمتهم الحركة الشعبية بـ (أنظمة شُلل الأقلية) المختصرة عندها بـ "الجلابة"، كمحل ووجهة للإستهداف ’لفش‘ هذه الغبينة، وذلك بسبب توفر نماذج تصرفات سالبة عديدة محسوبة علي أفراد منهم، إلي جانب حظوتهم بالإنفرادات بحكم البلاد وما ترتب علي ذلك من محاباة وإستئثار بإدارة مرافق الدولة وإستزوارها وإستحوازها وإستحلالها - كأمر مستنكر بداهة وغير مبارك فيه ولا مرحب به من الجميع!. فتمثلت تلك المغبنة في بث حملة مقت ونعت دعائية شاملة مضادة لتلكم الأقلية –تنبنتها إذاعة الجيش الشعبي، تم تصويرهم فيها تحديدا بإعتبارهم آفة السودان وسبب كل مشاكله الراهنة([‌ع‌ع]). واستمرت هذه العداوة إلي أيام الإستفتاء الخاص بتقرير المصير متمثلة في الحملة الشرسة التي شنت حتي ضد الوحدويين داخل الجنوب وفي الشمال ووصمهم بالخيانة والعمالة للجلابة، مشترطة في الناخب السوي الإبتعاد عن سيطرة الجلابة وعدم الانتظام في بعض أحزابهم الداعية للوحدة. وعلي هذه المناسبة نشير إلي أن فكرة "الكتاب الأسود" إن لم تكن مستلهمة من هذا الإتجاه أو مستوحاة من حيثيات المؤتمر الإقتصادي الأول (والأخير!)، فإنها حتما قد جاءت بشكل أو بآخر تعضيدا موازيا من جهة غرب البلاد لتعميق المسألة ومفاقمتها أيما تفاقم، وذلك بتبيانه الجلابة كفئة مستأثرة بالدولة –بلا منافس، ما جعل ثورة الإنقاذ والحكام الفعليين تحديدا يزدادون تخوفا من حقائق وأرقام ذلك الكتاب التي حواها وتصنيفه وإبقائه تحت طائلة الحظر لهذا اليوم كأحد مهددات الأمن القومي للبلاد في تصورهم وزعمهم!

 

D      المحور الرابع: المخرج الآمن – فصل الجنوب:

وهو الرسالة الموجهة للحكام الفعليين تحديدا، كطعم مجهز يسهل بلعه للخروج الآمن من إغلاق الدائرة عليهم من كافة أطراف السودان. إلا أن التهيؤ لفصل جنوب السودان، وهو التحدي الذي كان يواجه الحركة الشعبية، ليس لتناقضه مع مبادي سياسة تحرير السودان، وإنما لما له من عواقب محتملة بين الجنوبيين أنفسهم، لقصور التجربة عندهم وسيادة النفوذ القبلي في إدارة الدولة المرتقبة، وأيضا لما يمثله من خيبة أمل لأنصار سياسة تحرير السودان وشعار السودان الجديد. فمجريات الأحوال وضغط المجتمع الدولي بضرورة إنهاء الحرب الأهلية في السودان والتي طال أمدها هي ما دعت الحركة الشعبية للتحرك في هذا الإتجاه. وعليه، فإن الحركة الشعبية مضطرة للإتيان بمواءمة ما توفق لها بين كل ذلك. وهنا، فقد جادت قريحة الحركة الشعبية ببلورة إستراتيجية فصل الجنوب المذكورة سابقا، والتي من ميزاتها رضاء جميع الأطراف المعنية بسياسة تحرير السودان بها، وكذا رضا حكومة السودان ذاتها من جهة أخري بفصل جنوب السودان وحتي قبولها طرفا أساسيا في الإشراف علي عملية الفصل كذلك!.

            

وبتحليل بسيط لتلك المحاور، نجد أن فلسفة المواءمة قد فعلت فعلها بكل تناغم وإنسجام في الجمع ما بين المتناقض والمتنافر والمتباعد بين كل أطياف المكون السوداني([‌ف‌ف]). فالمحور الأول نري أنه قد بشر برؤي الحركة الشعبية فيما تنادي به من تحرير للسودان ولما تنادي به من سودان جديد، كسب لها تأييد معظم الأحزاب السياسية التقليدية، حتي أن كثيرا منها أبرم معها العديد من الإتفاقيات والتحالفات. أما المحور الثاني فقد عني به تحريك كل الهامش السوداني لينصب ويدعم المحور الثالث الموجه لتخويف نخبة الجلابة من الذي هو آت وبالأكثرية –"بالبوت أو الصندوق!" – من قول الدكتور جون قرنق لفضائية الجزيرة القطرية (أنا أمثل الأغلبية)، والذي تم إثباته بتلك المسيرة المليونية التي أتت لإستقباله بمطار الخرطوم عند أول مجيء له بعد توقيعه إتفاقية نيفاشا، وهي ذات الأكثرية التي تناولها عبد العزيز بركة ساكن في روايته "جنقو مسامير الأرض". وبصورة طردية، فقد فعل المحور الأول والثاني فعلهما بنجاح مهيئة المحور الثالث المعني بالحكام الفعليين لبلوغ الغاية في المحور الرابع وهي تلك المفاجأة المتمثلة في قبول الحكومة –الحكام الفعليين بحق تقرير المصير تحت مستغلة المؤتمر الوطني –الحزب الحاكم وشماعة برلمانه –المجلس الوطني!. وعليه، يتضح جليا مدي نجاح فلسفة المواءمة هذه التي خرجت لنا بها الحركة الشعبية في ظروف كانت التحديات بالنسبة لها هي أن تكون أو لا تكون، من خروج لمقاتلين مجاهدين وتداعي لطلائع ’دبابين‘ وغيرها من تفويجات لمتحركات عسكرية عليها، وفتاوي جهادية كتلك التي أصدرها في العام 1993م علماء كردفان بإعلان الجهاد ضد سكان جنوب السودان وجبال النوبة أجمع، وما صحب ذلك من حملات إعلامية مضادة علي المستوي المحلي والإقليمي (برنامج العقيد يونس، في ساحات الفدا وتلك الحملة التلفزيونية المشوهة لصور الراحل قرنق). فإنه وبرغم كل هذه التضحيات الحكومية والتحديات بالنسبة للحركة الشعبية، فقد حصل العكس من تحقيق للأهداف لصالح الحركة الشعبية وإنقلاب للسحر علي الساحر، خاصة فيما يخص تحول كثير من القيادات الإٍسلامية الشمالية وغيرها من مكتسبات عززت من رصيد ثورية حركات تحرير السودان علي كافة الأصعدة والمجالات.

 

مما سبق نستخلص أن العوامل المؤدية للقطع بحق تقرير المصير، تباين فيها جميع الأطراف المعنيون رغم إتفاقهم علي فصل الجنوب، الذي أيده المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية والإتحاد الأفريقي ودول أخري بعينها([‌ص‌ص]). فمن جهة الحكام الفعليين المباركين بعباءة الدين والعاملين تحت مظلة المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بالسودان ولقناعتهم بإزدياد المخاطر عليهم وإحداق المهددات بهم من كل جانب، فالراجح أن تلك العوامل قد تأتت عندهم لأسباب أمنية وقائية بحتة، متصلة بحماية موروث وموروثات مجموعة الإنتهازيين الطفيلية؛ إستمرارا لتمسكهم بالسلطة، المؤكد علي لسان الدكتور نافع علي نافع المستشار السابق لرئيس الجمهورية، حينما صرح حتي بعد مغادرته موقعه بالتغيير الذي أحدثه الحكام الفعليون في هيكلهم التنفيذي في 7 ديسمبر 2013م – بقوله: (بأننا صفرنا العداد بالتغيير (لربع قرنية أخري) وسيستمر إخواننا أي في الهيمنة وحكم حتى يصفر عليهم عزرائيل!)([‌ق‌ق])، وذلك حماية للنفس والمكتسبات والمكنوزات من أصول ثابتات ومتحركات بالداخل وأخري خارج البلاد!. ولذا فإن أمر فصل الجنوب قد تم حسمه خارج نطاق المهنية الدستورية للدولة، وعلي أسس غير رسمية ذات طابع جهوي، ضاربة عرض الحائط بمؤسسية الدولة ومرجعيتها، دون مراعاة لقيم الشعب السوداني وإرثه ومبادئه. وما تم بشأن ذلك داخل المجلس الوطني هو محاولة زحلقة للأمر وشرعنة باطلة، ستظل وصمة عار سالبة بحق البرلمان عهد الفريق عمر البشير. والخلاصة، فإن طبيعة تأييد الحكام الفعليين لفصل جنوب السودان نبعت من دواع أمنية جهوية وليست دستورية، متصلة بتلك الحاجة والمشاعر الملموسة، التي عكسها مدي إرتياح كثير من عوام الجلابة وخواصهم لفصل الجنوب!. وتأكيد كل ذلك، يبينه نهج اللامبالاة المنطلق من أرضية ذلك الإرتياح والمتخذ لمجرد إقرار ذلك التأييد وعدم النظر فيما ورائه كخير إريد بأهل السودان أم شر، وعدم قياسه بميزان الشرع كأمر تباركه السماء أم لا!. وعليه، دونما تردد، فقد حسمت أنانية الحكام الفعليين - دون إنتظار فتوي أو تقدير جدوي - عملية إنفصال جنوب السودان، بالنظر إليه كأمر مستعجل في حساباتهم ومطلوب إنجازه كيفما أتفق. فدلائل أنانية الحكام الفعليين لفصل جنوب السودان تتمثل في النقاط الآتية:

 

D      مخالفة شرع الله بالتنازل عن أرض مسلمة لصالح حكام كفرة علمانيين([‌ر‌ر]).

D      التقرير فوق الدستور بشأن مصير الدولة السودان –ضربا بالسيادة الدستورية للشعب!.

D      مخالفة المرجعية الدستورية إنتهاكا لتوصيفات دولة السودان فيه (دستور السودان للعام 1998م).

D      التعجل لفصل جنوب السودان حتي دون حسم مسار حدود البلدين وغيرها من مسائل شائكة وأخري عالقة. فإنه وحتي قبيل إعلان نتيجة الإستفتاء علق الرئيس البشر بقوله: (نحن عارفين الجنوبيين صوتوا للإنفصال بنسبة 99%، وما زعلانيين، ومبروك عليهم دولتهم!).

D      الرضا بفترة قصيرة بحدود الست سنوات والإعلام الرسمي ينقصها لخمس لإختبار الوحدة الجاذبة، كان هم الحكام الفعليين طيلة ذلك الوقت هو سرعة إنقضاؤها وليس تحقيق أي نجاح فيها لما شابها من قصور مقصود – في،

D      التلكؤ في ضخ ميزانية محفزات الوحدة الطوعية وبطؤ تنفيذات برامجها التنموية الموعودة –ثم،

D      تعمد الخطاب الحكومي تغييب الدعوة لبرنامج الوحدة الجاذبة وعدم التبشير بها حتي في وسائل الإعلام.

D      تفويت النظر في عدم الوصول لتسوية ديون السودان الخارجية بين البلدين وإرجاء مناقشتها لاحقا.

D      التنكر لمبدأ الجنسية المزدوجة للجنوبيين ورفض إقامتهم ومضايقتهم وإشاعة عدم قبولهم بين المواطنين تعجيلا "بكشتهم" وترحيلهم. وهذه تدحضها أكبر نتيجة إقتراع للوحدة مع الشمال التي صوت لها الجنوبيون القاطنون بدارفور لسعة الترحاب بهم، حتي خطط المؤتمر الوطني عبر محسوبيه بالضعين لعمل ذات المضايقات بهم ببعض معسكرات تجمعاتهم بولاية شرق دارفور.

 

وهنا ربما يجئ السؤال حول دعم الحكومة لمعارضات الجنوب، فالقول الراجح أنها ليست لزعزعة الحكم أو خلق الإضطراب الداخلي فيه، وإنما نكاية من فعل الشئ بالشئ فيضم ودعم الحركة الشعبية لمتمردي دارفور، ولذا جاء دعم الحكومة لمعارضة الجنوب من هذا القبيل. فهناك مليشيات مدعومة من الخرطوم تقتل الأبرياء ونحن لانستطيع محاكتهم في حالة بقائهم في الشمال مثلا قبريال تانج كان متواجدا في الخرطوم وغيرهم من المتمردين.... فهذا الموقف التعلق بالبشير يلخصة هذا الموقف: يبدو وكأن هناك نيتة مبيتة لملاحقة الرئيس البشير هل هذا صحيح؟؟
- نحن في الجنوب لسنا من الذين يحبون الإنتقام من الآخرين –ويكمن أن نعفو عن كل الذين أجرموا في حق شعب الجنوب والبشير مهما كانت المسافات متباعدة بيننا وقع معنا اتفاقية سلام والاتفاقية تعني أن نترك الماضي ونتوجه صوب المستقبل- ونحن في الجنوب غير معنيين بموقف الجنائية تجاه البشير،مثلا إذا قبضت المحكمة علي البشير وبقي النظام(بنافع وخال الرئيس) ماذا نستفيد نحن من هذه الخطوة- والبشير في النهاية فرد حتي ذهب للجنائية لن ترجع أرواح الضحايا ولن تحل فضية دارفور. المهم نحن لاتحركنا المرارات الشخصية،فقط نريد تنمية وإستقرار الجنوب وغدا من يدري ربما إنقلب البشير علي الاخوان المسلمين مثلما فعل جعفر نميري ونحن حاليا نشاهد بوادر هذا الصراع وربما تحول البشير إلي ديمو قراطي علماني ونبقي في حاجة إلي وجوده.ويغادر الطيب مصطفي إلي الحجاز.

 

أما من جهة الطرف الثاني، فقد سبقت الاشارة أعلاه بان الحركة الشعبية وجيشها الشعبي تخطيط مستحكم وامر مبرم يهدف لتحقيق الغاية بعناية وتناغم –ألا وهي فعلا ظهور "السودان الجديد"، الذي بشر به لأول مرة الدكتور جون قرنق مؤسس الحركة الشعبية ومهندس "ثورية تحرير السودان". وعلي ذلك يعتقد أن العوامل الدافعة للحركة الشعبية لرجوعها لخيار فصل الجنوب (أهداف الأنانيات) إلي جانب تحقيق الأهداف الإستراتيجية المذكورة آنفا هي لقناعتها بأهمية الخطوة تلهفا لتحقيق شعار السودان الجديد ولو جزئيا أو ما يمكن إعتباره مرحليا بإخضاع السودان للتجربة وما يلزم ذلك من توابع وتعهدات([‌ش‌ش]). عليه فإن الأسباب المعجلة لأجراء فصل الجنوب من قبل الحركة الشعبية، ربما تبقي في خططها مجرد كوامن؛ منها ما هو وقتي إستنفد في حينه، ومنها ما هو مستمر باقي، ومنها ما هو مستقبلي مدخر لوقته – يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

 

D      فرض الإنجليزية كلغة رسمية دون الأخذ بلغة المخاطبة السائدة "عربي جوبا"، إيذانا ببدء نهايتها، وذلك عملا بالتوجه الأفريقاني وفقا لمفهوم رؤية السودان الجديد!.

D      جاهزية تدفق صادر البترول كمورد لدعم الموازنة، محفز آخر يعجل بإجراء فصل الجنوب!

D      إستبعاد خيار سودان ديمقراطي تحت هيمنة منظومة الجلابة بالرغم من أن إتفاق مشاكوس ضمن في حالة تأكيد الوحدة قيام نظام ديمقراطي علي أساس إتفاقية السلام الشامل([‌ت‌ت]). ففي ظل عهد ثورة الإنقاذ، إن كل الممارسات الديمقراطية في كافة مستويات الحكم قد أدت لتداول السلطة بين نفس عناصر الحكام الفعليين أو مناديبهم بأجهزة الدولة المختلفة([‌ث‌ث])؛ نقلا، تبديلا، إحلالا أو إبقاءا وهو ما ينافي مبادئ السودان الجديد، الأمر الذي دعي الحركة الشعبية لسحب مرشحها ياسر عرمان من الإستمرار في الإنتخابات الرئاسية للعام 2010م. فإستبعاد هذا الخيار قد عبر عنه أيضا الأمين السياسى لحركة العدل والمساواة السودانية الإستاذ سليمان صندل حقار، والعالم يترقب بدء مفواضات السلام مع حركات دارفور المسلحة، منتصف فبراير 2014م –بقوله: لا سلام ولا حرية ولا عيش كريم ولا إعتراف بالتنوع الثقافى فى ظل نظام المؤتمر الوطنى. الفجر الجديد القادم يصنعه شباب السودان تحت أسنة الرماح وبالعمل المعارض الدؤوب والثقة فى أنفسهم وفى المسقبل وفى ربهم من قبل ومن بعد. جحافل ثوار الجبهة الثورية أكثر عزيمة وإصراراً وإستعداداً لمزيد من التضحية والثبات على خط النار فى هذه المرحلة الحرجة.

D      تبني فلسفة المواءمة للعبور بخطة فصل جنوب السودان كقاعدة إنطلاق لبناء السودان الجديد!.

D      الإستمرار في دعم ثورية تحرير السودان وجبهة تحالف كاودا بشكل مباشر أو غير مباشر.

D      التمسك ببرنامج السودان الجديد والمواصلة فيه بحزافيره برؤيا مؤسس الحركة الشعبية وعقيدة جيشها وعزيمته النضالية حتي بعد قيام دولة جنوب السودان، أي أن مجرد قيام هذه الدولة لا يعني إكتمال صورة السودان الجديد الذي بشر به الدكتور قرنق!.

D      التخوف من سقوط حق تقرير المصير وضياع فرصته نهائيا في حال قناعة الجنوبيين بالوحدة الجاذبة وإستفتائهم لصالح الوحدة (وهو الخيار الأكثر إحتمالا لو كان الدكتور قرنق حيا!).

 

أما في جانب المجتمع الدولي والدول ذات المصالح والمطامح المحتملة بالمنطقة أو الدول ذات الأهداف الخاصة بمعارضة توجهات السودان، فإن عوامل الوقوف مع طلب إقرار حق تقرير المصير بالإتفاقية وتأييد إنفصال الجنوب وأي خط إنفصال لاحق محتمل، ودعم برنامج إستفتاء تقرير المصير، تبقي واحدة كما ذكرنا في مصفوفة مؤشر تقرير المصير سابقا، لأن المجتمع الدولي غير معني بمخاطبة أهل السودان في شأن داخلي ينظر إليه بحساسية تسويغ تقرير المصير الغير مبررة أخلاقيا ولا قانونيا!. فعوامل التأييد المذكورة في الفقرتين أعلاه هي خاصة بأسباب التعجل بالإستفتاء حول تقرير المصير وليس تقرير المصير في حد ذاته، كأمر أقرته الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني علي أسس مصلحة النظام وليس علي أسس القواعد المجتمعية. أدناه مواقف تأييد المجتمع الدولي لفصل جنوب السودان كما أوردنا سابقا ولكن بشيء من الإيضاح بالنقاط الآتية:

 

D      تفكيك السودان لتطلعاته وتوجهاته الغير مضمونة تخوفا من تكرار سيناريو .......... آخر.

D      تقسيم السودان لكيان شبه عربي مسلم بشماله يضمن قيام دولة علمانية مسيحية صرفة بجنوبه.

D      علاقات السودان المزدوجة والمشبوهة بأنظمة وتنظيمات تعتبر إرهابية إقليميا ودوليا –ثم،

D      تزايد فرصة القضاء علي الحركات السلفية الجهادية والتي يمثل السودان من أحد البؤر المفرخة والمفوجة لها بالمنطقة بدءا من معتقليه بحركة طالبان، مرورا بمغامريه في عملية تهريب السلاح لحماس إلي مشاركيه ضمن جهاديي مالي بغرب أفريقيا مؤخرا.

D      فصل الجنوب يعني رفع الحرج في مسألة شمول الحظر الإقتصادي وذلك بحصره في معاقبة السودان فقط دون شعب دولة الجنوب مع إبقائه كذلك ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب حتي إشعار آخر([‌خ‌خ]). 

D      توفير حاجز أمام المد الإسلامي بالمنطقة عبر الضغط المسيحي والمنظمات الكنسية العاملة بالمنطقة.

D      إيجاد فرص مخابرات وبناء قواعد حربية كسيف لتوجيه الموارد والطاعة لأجل ديمقراطية متحررة

D      دعم خطة مشروع السودان الجديد القائمة علي تطوير علاقات بناءة مع دول الغرب وتبني العلمانية وركل الشريعة الإسلامية.

D      تفضيل إبقاء السودان في حالة عدم إستقرار مستمرة إستفادة من الوضع المتأزم في معظم أطرافه وهذا ما يتوافق مع تعليق مشكلة دارفور دون تدخل حاسم لأجل تمرير الأجندات وغيرها من أهداف  إضطرابية.

 

فما يجب التنبه إليه بجدية للذين أربكهم إلتزام الدكتور جون قرنق بوحدة تراب السودان ولم يفلحوا في فهم ما يشير إليه معني السودان الجديد وما وراء ذلك، عليهم إعادة قراءة خطاب الحركة الشعبية في الفترتين؛ الفترة الحرجة ما بين مقتل مؤسسها والإستفتاء بالإنفصال، والفترة الحاسمة لمستقبل إتجاهات الحركة ومبادئها المنظورة من أول خطاب ألقاه الرئيس سلفا لمناسبة الإستقلال إلي آخر إشارات أمين الحركة الشعبية باقان أموم الداعية للمواجهة في ظل الهجمات التي قام بها الجيش الشعبي داخل أراضي السودان. فالدلالة واضحة بحيث أن الحركة الشعبية مشروع ماضي فيما أسس له وهو تحرير كل السودان، وتتمثل إشارات ذلك مبدئيا في سر تمسك الحركة الشعبية لتحرير السودان بإسمها كاملا دونما تعديل، مع إبقاء ذات المسمي علي متمردي جنوب كردفان والنيل الأزرق بالسودان، ثم إلتزام حكومة جنوب السودان بمبدأ تحرير السودان، وعهودها المرتبطة بذات الأمر وخاصة تعهد الرئيس سلفا لما أسماهم إخوة في الدم؛ في دارفور، جبال النوبة والأنقسنا – بعدم نسيانهم عن سائر أهل السودان!. وهذا ما يحاول هذا الكتاب فك طلاسمه بنظرة حيادية مجردة وقراءة لما بين السطور لثورية تحرير السودان، بدءا من منفستواتها وخطاباتها كمفاهيم مستجدة علي الشأن السوداني والسودانيين، ومن ثم صيرورتها كدلالة للإستلهام لنشوء أي تمرد تلا الحركة الشعبية لغاية الآن أو المستقبل الآجل!.
 
الدكتور جون قرنق كان يقر بالقوميات العربية والثقافة العربية كتعميمات في مكون الهوية السودانية، ولكن حينما يتعلق الأمر بالتخصيص فإنه يعمد عدم ذكرها كأجناس تماما كما في مخاطبته لعدد من أسري جيش الحكومة بمنطقة ياي في العام 1997م، وذات الأمر كرره بوضوح الرئيس سلفا كير في ذلك التعهد الذي قطعه علي نفسه بعدم نسيان الحركة الشعبية لإخوتها في الدم أثناء خطابه لمناسبة ولادة دولة جنوب السودان عام 2010م. تعزز هذه المواقف ذلك التوجه المتبدي بضرورة ظهور السودان الجديد بثوب الأفريقانية الذي تقوم بقصه وحياكته الحركة الشعبية!. فإنه وحتي كتابة هذه الأسطر، تمضي الخطة حثيثة بإستنساخ منهج ومبادئ الحركة الشعبية علي كافة الحركات المتمردة الآن بالسودان –لتحقيق تلك الأهداف التي بنهايتها يمكننا أن نري سودانا جديدا. فالسؤال مرة أخري، ما شكل هذا السودان الجديد؟. لقد طفحت بعض الإشارات مدللة بأنه سودان علماني، ذي توجه أفريقي وقد قيل بلا عروبة وبلا إسلام!. فهل أمة السودان مقبلة علي بلاء أكبر مما إبتليت به علي خلفية هذه المخطط المقصود منه التمهيد لنشوء تباغض أو صراع عرقي ذي طابع أفريقي-عربي يفضي لإستعمار طرف لطرف آخر أو تنزيحه وطرده([‌ذ‌ذ])، أم يتحول الأمر لحرب ملحمة بين مسلمين مؤمنين وآخرين علمانيين متنكرين للدين أو لا دينيين –وهو الراجح المحتمل!.
 
فأي مستقبل ينتظر هذا السودان، وكيف يمكن للحركة الشعبية وتحالف الجبهة الثورية السودانية ومن آمن من الأحزاب السياسية بوثيقة الفجر الجديد أن يضمنوا جميعهم سودانا آمنا بهذا التصور - تلك التوجهات وهذا المخطط!. ما الضمانات الملزمة للأقاليم المخطط إنفصالها لاحقا حتي ترضي بإعادة الدمج لإقامة هذا السودان الجديد، أم أنها ستظل دولا مستقلة إلي الأبد مستفيدة فقط من ذلك المخطط!. ما هو الموقف الدولي أو العربي أو الأفريقي المرجح إتخاذه من الذي يجري نحو كارثة محتملة ووشيكة الحدوث بالسودان! إلي أي مدي يمكن توقع إنخراط القوميات ذات الأصول العربية في إتجاه تكوين وبناء السودان الجديد إستفادة من الماضي وتفاديا للمزيد من إراقة الدماء، إعترافا بواقع التصاهر وأخوة الدين!. هل لثورية تحرير السودان بدائلا أخري وخططا غير معلومة لتحقيق شعار السودان الجديد كما رسم دون أي مصادمات وإراقة دماء. الإجابة، أن الأمر كله هو منفستو الحركة الشعبية المعني بأرض المليون ميلا، أرض السودان التي نال إسقلاله بها العام 1956م، كأكبر دول أفريقيا والعالم العربي، وفي موقع أبي إلا أن يكون بوتقة للتواصل والتلاقح العربي الإفريقي مهما أنكر المنكرون!.

إنتهي هذا الباب من كتاب ثورية تحرير السودان الذي من المتوقع صدوره كاملا في غضون الأشهر المقبلة –الكاتب

المؤلف: الشعب السوداني - يناير 2014م

 

تاريخ جنوب السودان لا يعرف عنه إلاَّ القليل قبل عام 1820.. وبدأ كثير من الأوروبيين رحلاتهم لاكتشاف منابع النيل.. خلال فترة الحكم التركي قبل عام 1885عيّن الخديوي «حاكم مصر» بعض الأوروبيين كمديرين للاستوائية لخدمة أغراضه ومد نفوذه وقد اشتهرت فترة الحكم التركي وفترة حكم المهدية 1885 - 1899 بغارات جلب الرقيق التي قام بها بعض الأوروبيين والمصريين وأهل شمال السودان مما نجم عنه شعور زائد بالكراهية وولّد خوفاً شديداً تجاه الشماليين.. بالطبع فقد حُرِّمت تجارة الرقيق بعد الفتح المصري الإنجليزي عام 1899. من ناحية الدين والمعتقدات فأغلبية سكان شمال السودان يعتنقون الدين الإسلامي أما معظم سكان الجنوب فلا دينيين وقد بدأت الارساليات المسيحية عملها في الجنوب منذ عام 1848وتم زيادة نشاطها وتنظيمه بعد الفتح في عام 1899 وقد سمح لكل من الإرسالية الكاثوليكية والإرسالية البروتستانية بالعمل التبشيري في جنوب السودان مع تكليفها بمسؤولية نشر التعليم بين أبناء وبنات الجنوب بل وقدّمت لها إعانات مالية من الحكومة بدءاً من عام 1927.

يعد التاريخ السياسي لجنوب السودان من الملفات المهمة لفهم طبيعة السودان الخاصة، حيث تضافرت مجموعة من العوامل علي تقسيم السودان معنويًا قبل أن تصبح حدوديًا في القرن التاسع عشر عندما استعمرت بريطانيا السودان مع مصر. قامت السياسات الاستعمارية علي اظهار الاختلافات الإثنية واللغوية والعرقية والدينية، وفرقت المملكة المتحدة في التعامل مع الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم، فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدي الأوساط المسيحية في الجنوب أن الشماليين هم تجار رقيق. وبعد جلاء القوات بريطانيا وانفصال السودان عن مصر طالب الجنوبيون أن يكون لهم نظام خاص لهم داخل الدولة السودانية الموحدة، وهو الأخذ بنظام الفدرالية، ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة إنه يؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي. في أغسطس 1955 تمرد بعض أعضاء الفرقة الجنوبية من الجيش السوداني بإيعاز من المملكة المتحدة ضد الشمال، حيث كانت هناك شكوك لدي الجنوبيين على سياسات وزارة إسماعيل الأزهري التي تشكلت في يناير من نفس العام. وفي عام 1958 وبعد تولي إبراهيم عبود للسلطة قامت الحكومة العسكرية باتباع سياسة التذويب بالقوة مع الجنوبيين، وأدي ذلك إلى مطالبة الأحزاب الجنوبية وعلي راسهم "حزب سانو" باستقلال الجنوب، كما تم تشكيل حركة أنانيا التي بدأت عملياتها العسكرية في عام 1963، وبعد الشد والجذب تم بحث تسوية سلمية للصراع، حيث عقد مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965. وفي عام 1972 تم توقيع اتفاقية أديس أبابا والتي أعطت للإقليم الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد، إلا أنه في يوليو وسبتمبر من عام 1983 أصدر الرئيس جعفر نميري عدة قرارات أطاحت بالاتفاق منها تقسيم الإقليم إلى ثلاثة أقاليم ونقل الكتيبة (105) وبعض الجنود إلى الشمال وإتهام قائدها كاربينو كوانين بإِختلاس أموال، كما تم إرسل قوات لإخضاعها فأدي ذلك إلى هروبها إلى الادغال الاستوائية لتصبح فيما بعد نواة لجيش الرب، فكلفت الحكومة العقيد جون قرنق بتأديب الكتيبة، إلا أنه أعلن انضمامه إلى المتمردين مؤسسًا الحركة الشعبية لتحرير السودان ولها جناح عسكري عبارة عن جيش، وأعلن إن هدف الحركة هو "تأسيس سودان علماني جديد" قائم على المساواة والعدل الاقتصادي والاجتماعي داخل سودان موحد، وقام برفع شعارات يسارية فحصل علي دعم من إثيوبيا وكينيا خصوصًا الرئيس الإثيوبي منغستو هيلا ميريام. ثم التحول عنها لما لها من معارضة من كافة السودانيين واستبدالها بشعار السودان الجديد كشيئ من المواءمة

وبعد الإطاحة بنظام جعفر نميري عبر انتفاضة شعبية عام 1985 كان هناك أمل في التوصل إلى اتفاق مع الحركة، ولكنه فشل بعد اجتماع رئيس الوزراء الجديد الصادق المهدي مع قرنق بعام 1986. وفي نوفمبر من عام 1988 تم إبرام اتفاق بين قرنق ومحمد عثمان الميرغني في أديس أبابا والذي نص على تجميد قرارت سبتمبر 1983، ولكن هذا الاتفاق لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ بعد انقلاب يونيو 1989 بقيادة عمر البشير والتي تبنت شعار "الجهاد الإسلامي" ضد القوى الجنوبية مستعينة بتسليح مليشيات تدعى قوات الدفاع الشعبي، وحققت الحكومة عددة انتصارات عسكرية.

وفي أغسطس 1991 وبعد سقوط نظام منغستو في إثيوبيا وانشقاق الحركة الشعبية، حاولت الحكومة الاستفادة من هذا الانشقاق فأجرت الاتصال منفردة مع لام أكول بوثيقة عرفت باسم "وثيقة فرانكفورت" والتي وقعت في يناير من عام 1992، إلا أن الحكومة السودانية أنكرتها بعد ذلك. وفي مايو 1992 وتحت رعاية الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا أجريت الجولة الأولى للمفاوضات في أبوجا، ثم الجولة الثانية في مايو من عام 1993، ولكن لم تسفر هذه المفاوضات عن شيء. وتضاعفت الجهود الدولية من خلال "منظمة الإيغاد" إلى أن تم توقيع اتفاق اطاري يسمي "بروتوكول ماشاكوس" وذلك في يوليو من عام 2005 والذي أعطى للجنوب حكم ذاتي لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات، وحق تقرير المصير وفرصة للجنوبيين لتفكير في الانفصال، كذلك أعطى الفرصة في بناء مؤسسات الحكم الانتقالية كنوع من الضمانات. وفي 9 يناير 2005 وقعت الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، والذي نصت بنوده على:

  • حق تقرير المصير للجنوب عام 2011.
  • اجراء انتخابات عامة علي كافة المستويات في مدة لا تتجاوز عام 2009.
  • تقاسم السلطة بين الشمال والجنوب.
  • تقاسم الثروة.
  • إدارة المناطق المهمشة بين الشمال والجنوب.
  • الترتيبات الأمنية.

 

 

يا البروف، هه البخليك تنعم بخيرات بلدك منو؟ الماسونيين، المتأسلمين أم المتأسرلين؛ هؤلاء جميعا هم المنافقون الجدد؛ المندسين في الحكومة، في الحركات المسلحة وفي المعارضة الذين لا يهمهم جميعا سوي إحتراق السودان وإبقائه مشتعلا اليوم وغد وفي كل مرة؛ لا تعلمونهم الله وحده يعلمهم! الفرصة الوحيدة لإختبار من هم أبناء السودان المخلصين هي تعقب التصريحات الدالة دائما علي الفتنة والخراب، وتعقب الإقتراحات المؤيدة لتخصيص القطاع الحكومي وتدمير المشروعات، تعقب من هم لا يؤيدون ضبط الشارع وتمكين شرع الله في الارض. نعم ان عدم الرضا بالنظام القائم هناك عدة طرق يكمن اللجوء اليها دون سفك الدماء- بتطبيق حق ما يمكن تسميته بالعصيان الصامت -بالاتي:

1- طرح صوت الثقة في الحكومة ببقاء العاملين بمنازلهم. فالعصيان الصامت لمدة أسبوع واحد اقوي سلاحا من محاربة الحكومة والدخول معها في مواجهات تكون سببا في دحخول الاخرين الذين لا يهم سوي (مديدة حرقاني)

2-

 

عطبرة : أسامة حسن عبدالحي

اكد الخبير الاقتصادي ،عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، صدقي كبلو أن ماصرفته الدولة في حرب دارفور منذ2003 الي 2009 بلغ 10 مليار دولار كانت كافية لتحويل دارفور الي جنة ،وقال كبلو الذي كان يتحدث في ندوة اقامها الحزب الشيوعي بعطبرة ، إن الأزمة الاقتصادية بدأت منذ استيلاء الجبهة علي السلطة في 89 وصعود فئة الراسمالية الطفيلية الي الحكم.وقال بان سياسات الطفيلية الاجتماعية والاقتصادية أدت وتؤدي الي خراب البلاد وانهيار الاقتصاد ، وقال باننا لانعيش أزمة اقتصادية فقط ولكن إقتصاد للأزمة ايضا باعتباره اقتصاد للدكتاتورية حيث توجه موارد البلد لحماية النظام وبكلفة باهظة..وأوضح أن 72%من المرتبات تذهب للأجهزة الأمنية و9%من الميزانية من نصيب الاجهزة السيادية.وقال بان هذه المنصرفات تكون غير ضرورية في ظل نظام ديمقراطي.وأوضح بأن المال العام يصرف لتعيين عشرات الوزراء ووزراء الدولة لمجرد الترضيات القبلية أوالمناطقية أو الحزبية دون كفاءة أوحاجة حقيقية ، وقال: اننا لانواجه اقتصاد دكتاتورية فقط بل اقتصاد راسمالية طفيلية ليس لها اي مصلحة في الانتاج بل في تحقيق الربح السريع مما أدي الي تدمير كامل للصناعة الوطنية والمشاريع الاستراتيجية مثل مشروع الجزيرة.قاطعا بان لاتنمية في ظل اقتصاد حرب.وتحدث عن تاثير الحرب على عمليات الانتاج في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق.وتناول قضايا الفساد الحكومي الموثق في تقارير النائب العام ..وكيف دمرت الطفيلية البنوك الزراعية التي كانت تشرف علي استيراد التقاوي وتمويل الزراعة . لافتا الي أن قوانين الضرائب والقيمة المضافة تنحاز للأغنياء علي حساب الفقراء.كاشفا عن عمليات نهب البترول والذهب وبقية ثروات البلاد والتفريط في أراضى البلاد .وقال : علي النظام توفير كثير من المتطلبات قبل الحديث عن اي حوار،مثل ايقاف الحرب والغاء القوانين المقيدة للحريات وانعقاد مؤتمر دستوري.قاطعا بان خيار الحزب والجماهير هو اسقاط النظام وان الثورة خيار الشعب.

يذكر أن سلطات الأمن بعطبرة منعت قيام الندوة خارج دار الحزب كما كان مقرراً

hgld]hk

 

 



[‌أ]-الواقع السوداني المألوف هو ذلك التمازج الإجتماعي الذي تآلفت عبره أمة السودان مكونة هذا السودان بالشكل الذي ظل به ملتحما منذ الثورة المهدية وإلي إنفصال الجنوب كدولة مستقلة الآن (أنظر ص 6/الهامش5). أما المستقبل المأسوف هو تلك النتيجة لتلك العوامل التي طرأت خاصة بعيد الإستقلال وأدت إلي ذلك الإنفصال وربما مزيدا من الإنفصالات المحتملة التي بها سنري سودانا غير ما كنا نري!
[‌ب]- يؤكد ذلك بقاء الحركة الشعبية وجيشها معا كأقوي مؤسستين بالدولة وبلا تعديل حتي في التسمية المقرونة بـ(تحرير السودان!)، إلي جانب إحتفاظ  أتباعها بعد الإنفصال من متمردي النيل الأزرق وجنوب كردفان بذات التسمية المختصرة حاليا بـ (SPLM/A-N) كأكبر حركة تمرد الآن بالسودان.
[‌ج] - مصداقية الدكتور قرنق مرتبطة بمبرره للإنفصال ومفهومه للمواطنة ورؤيته للعروبة والإسلام في السودان كدولة موحدة!
[‌د] - "إرجع يا عب، دورك بالصف!" قالها أحد الضباط الجلابة بالجيش للعقيد الدكتور جون قرنق مباشرة حينما جاء لتقديم ملف خطة إسكانية ووجد عددا من الضباط أمامه، فاستأذنهم للتخطي بعدما شرح لزملائه أن أمامه محاضرة بجامعة الخرطوم يود الإسراع إليها، ولكنه حالما وصل إلي شباك التقديم فاجأه ذلك الضابط بتلك العبارة الجائرة والجائزة في أدبيات جنسه. وكرد فعل، مزق د. قرنق ملفه وخرج مسرها في نفسه حتي أعلن تمرده عام 1983م علي "النميري" حينما أرسله لقمع تمرد بمنطقة بور ولكنه إنضم له مدفوعا بتلك العبارة!. هكذا روي أحد الضباط الشهود الذي فضل عدم ذكر إسمه.
[‌ه] - من غرائب الأمور الدالة حتي علي شيئ من السخرية، ملاحظة كيف قبلت وزارة التربية والتعليم السودانية تمرير مادة تربوية تحمل الإسم "منقو" وهي الإيحاءة للقرد الصغير عند أهل شمال السودان والذي أطلق كرمزية لطفل من جنوب السودان فرض عليه أن يقول: "منقو قل لا عاش من يفصلنا"
[‌و] - فقد رأي د. فرنسيس دينق في كتابه صراع الرؤي –بأن هذا التوجه هو محاولة لفرض أنموذج الهوية العربي-إسلامية بالجنوب –بقوله: (إفترض الشماليون بشكل عام بأن هويتهم تعتبر النموذج القومي، وما كان سائدا في الجنوب صورة مشوهة فرضها الإستعماريون للإحتفاظ بالبلاد منقسمة).
[‌ز] - لقد كان القاسم المشترك للتعليقات علي هذا الموضوع في الأنترنت علي نحو: (إذا كانو بجتهدوا لمرضاة الله، فلماذا الإعتذار إذاً - "وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ"). فإذا لم يشمل إعتذاره ذلك الإقصاء والكراهية والفساد والعنصرية وما نتج عنها من تقسيم للبلد ودماء سائلة تمردا وحروبا عرقية –فمن أي شيئ يعتذر، أم كان يعني التردي الأخلاقي وإنتشار الرزيلة وتفشي المخدرات!!!
[‌ح] - أنظر الهامش (أ) بالصفحة (24).
[‌ط]-هذه المصفوفة محاولة لقراءة تقرير المصير من زاوية تفهم الظروف المؤاتية لولادته وزاوية  تفهم ردود الأفعال وتفهم المخاطر المترتبة عليه.
[‌ي]- مناورة حكومة جنوب السودان إختلاق قضية وكسب إعتراف دولي يؤيد إدعائها في تبعية مناطق أبو هجليج، شريط بحر العرب ومربع الردوم.
[‌ك]- كشف الرئيس سلفاكير صراحة في خطابه لمناسبة الإحتفال بميلاد دولة جنوب السودان –قائلا: (بأن لدينا إخوة في الدم في دارفور، وجبال النوبة والأنقسنا ... لا ننساهم!)، وهذا ما ذكره تماما عام 1989م بيتر أدوك نيابا في كتابه سياسة التحرير في جنوب السودان ص/20/طباعة مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي/عام 2005م. (...أن تحديدا واضحا لآمال جنوب السودان ولمواطنيهم في جبال النوبة، الأنقسانا، دارفور والبجا يجب أن ترسم!).
[‌ل]- خيار إنفصال هذه المنطقة مع إنضمام بعضا من أجزائها لدولة جنوب السودان يبقي واردا، إلا أن بعد نظر الحكام الفعليين لن يؤيد هذا التوجه بل سيعمل علي بقائها بجسم الدولة السودان كجدار واقي أو خط  نار عازل لأي تقدم محتمل نحو العاصمة الخرطوم. وعليه فإن بقاء المنطقة مشتعلة  كخطر كامن أو ماثل كما هو الآن هو الخيار الأكثر إحتمالا في ظل حكم مجموعة الإنتهازيين المتسلقين للسودان - (أنظر الفقرة 3/ ص16).
[‌م]- كتاب تفتيت السودان، إنظر ص/6، الطبعة الأولي/مكتبة جزيرة الورد، المؤلف/ محمد النعيم أبو زيد.
[‌ن]-(إذهب للقصر رئيسا، وأنا أذهب إلى السجن حبيسا!)، هكذا قال الشيخ الترابي للجنرال البشير تمويها للعالم!، عندما تواءما/تموءما (كهنوت وعسكر) للإستيلاء علي السلطة في العام 1989م. وظلت المواءمة بينهما متقدة "هي لله، هي لله!" حتي تفاصلا عداوة منذ العام 1999م وإلي الآن. فالراجح أن الرجلين كان كل منهما يتربص بأخيه لعلمه بحقيقة أخيه الآخر، ولذا كان رد فعل البشير حاسما بشأن حيل الشيخ الدالة علي توجهه لتقلد زمام الأمر. 
[‌س] -علي غرار deep state of Nazi
[‌ع]- كالتعاون الإستخباراتي الذي خانوا به من أووهم من قاعدة وجهاديين أخر(د. أسامة أحمد عيدروس في الفقرة/3  من بحثه بالإنترنت بعنوان:Why Does Sudan Remain in The List of Terror)، وكذا تنفيذات خطط الماسونية التخريبية لحكر وتدمير إقتصاد البلاد. (إشارات الصحفي إسحق أحمد فضل الله عن الماسونية والماسونيين بالسودان، وإعترافه بأن الانقاذ دمرت السودان)  http://amanaseer.ahlamountada.com/t6157-topic  
[‌ف]- لا نقول أن غرنق لم يحالفه الحظ في التسمية، ولكن واقع الحال يشير إلي أنهم غير ذلك من بعض مظاهر الفقر المشاهد علي عوامهم خاصة بشمالي  السودان، ولكنها هي المجموعة المتسلقة التي إستأثرت بالكعكة في كل مرة منذ أعوام الـ 1960م وإلي الآن، بغض النظر عما إذا كان غالبهم جلابة أم لا. فالجلابة كالبقارة تسمية محلية مرتبطة بالمهنة لقبائل الإقليم الشمالي من جعليين بشندي، شايقية بكريمة، ونوبة محس بدنقلا وحلفاويين وغيرهم. يري علي مترفيهم آثار النعمة والحكم من حظوة تمتعهم بتداول السلطة والثروة ما جلب عليهم نقمة نتج عنها ما نشاهد من تمردات بالبلاد. فإجتماعيا فإنهم ليسوا علي تلك الدرجة من التناغم فيما بينهم ولا هم ممن  يناصرون حزبا واحدا، ولكن مع تطور الأحداث بخروج الترابي وتمرد دارفور ظهر من بينهم ما سمي بكيان الشمال الذي يمثله كبار قياداتهم بالدولة، متبوعا لاحقا بحركة تحرير كوش كفصيل ظاهره تبني شعار السودان الجديد وباطنه مقابلة ذلك الكيان الراعي لسيناريو تفتيت السودان كآلية تخطط عرقيا لكيان إقليمي لدولة كوش النوبية المرتقبة ما بين السودان ومصر!.
[‌ص]- راجع مقالته بعنوان Beyond Darfur بالرابط: http://www.foreignaffairs.com/articles/63399/andrew-natsios/beyond-darfur
[‌ق] - من براءة عمدة الجعليين حسن نمر مما إلحق بعموم أهله عبر الرسالة التي أراد تبليغها للعقيد قرنق عام 2003م والتي كلف بها الدكتور منصور خالد بنقلها له، والتي أوردها في كتابه "تناقص الأوتاد وتكاثر الزعازع - ص/282" –بالنص: (لي رسالة أرجو أن تبلغها للدكتور جون قرنق إن لم يكن قد بلغها له ياسر عرمان الذي حملته نفس الرسالة إبان زيارة وفد الحركة للخرطوم) –قلت: ما رسالتك ؟! ... أجاب: أبلغه (إن الذين يرموننا بالعنصرية لا يعرفوننا وأنقل له إني سأكون على رأس مستقبليه في الخرطوم لاصطحبه معي للمتمة، يشرب القهوة مع أهلها) –تعليق الكاتب: الإصرار علي تبليغ هذه الرسالة ربما ينطوي علي مناورة ما أكبر من قائلها ولكننا في هذا المقام من هذا الباب نحملها علي حسن النية!.
[‌ر]- من إشارات د. غازي صلاح الدين والتي زعم فيها أواخر مايو 2013م أن الإسلاميين الحقيقين بدولاب الدولة الآن لا يتجاوزون الـ 20% فقط.
[‌ش]- جزم الرئيس عمر البشير بنهاية التمرد في السودان بحدود العام 2014م، هي أيضا من قبيل مفردات الخطاب الإسلامي والتوعدات المعهودة.
[‌ت]- من إختيارات العقل تنازل الدولة عن مشروعها الإسلامي وتحللها عن مبادئ بيانها الأول لصالح الإنتحاء الجهوي الصارخ بالبلاد وهو ما شفع للواء قوش وود إبراهيم بالبراءة في محاولتهم الإنقلابية خلافا لرفاقهم مجموعة اللواء الكدرو الـ28 الذين أعدموا رميا، وفي الـ28 رمضان عام 1990م، حيث الثورة في عز عنفوانها، دون مراعاة لحرمة الشهر الفضيل ودون تقدير لمشاعر الناس وأسر الضحايا وأطفالهم الذين لا ذنب لهم وهم يستعدون لإستقبال عيد الفطر المبارك!.
[‌ث] - وهذا ما أوجزه الدكتور غازي صلاح الدين العتباني زعيم حزب (الإصلاح الآن)، بالخرطوم 5 يناير 2014م، بوصفه لرئيس جمهورية السودان، المشير عمر البشير، بأنه أصبح أستاذاً في فن البقاء وإضاعة الفرص التاريخية، معتبرا أن إتخاذ الإجراءات الصورية من قبل النظام الحاكم وتسويقها لتكون إصلاحات ستزيد من هوة الثقة بين الحكومة والمواطنين. http://www.ahewar.org/news/s.news.asp?nid=1520215
[‌خ]- هذه المواقف المخذلة هي ما دعت الدكتور قرنق للتنبه ووصف الأحزاب السياسية موالية كانت أو معارضة للنظام الحاكم بأنها شيء واحد، حتي كما أوضحنا لاحقا بالصفحة 15 الفقرة 2، أنهم جميعا في نظرته وحساباته منذ العام 1955م وإلي العام 2005م، بأنهم "شماليون" مهما تصالحوا مع الجنوبيين كمعارضة أو حكومة أو تقاتلوا ضد بعضهم البعض!.    
[‌ذ]- الإحالات والإقالات الجماعية التي نفذتها الحكومة عبر برنامج ما سمي بالصالح العام ضد كل ما هو غير إسلامي بالخدمة العسكرية والمدنية معا.
[‌ض] - تقرير المراجع العام للعام 2012م كشف عن جملة (43.1) مليون جنيه حجم الاعتداء على المال العام بالمركز والولايات   http://akhirlahza.info/akhir/index.php/2011-04-10-12-12-32/36343----431----------.html
[‌غ]- تسريبات ويكيليكس المتعلقة بسياسة فرق تسد التي تبناها رجال الإنقاذ لحكم البلاد –الدكتور غازي صلاح الدين أنموذجا. المصدر المحامي بارود صندل رجب: http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-12383.htm                                            
[‌ظ]-أمثال الشيخ حسن عبدالله الترابي زعيم الحركة الإسلامية ورئيس حزب المؤتمر الشعبي وهو يقارب الثمانين، الأمام الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة وهو يقارب الثمانين، وكذا الشريف محمد عثمان الميرغني زعيم الختمية ورئيس حزب الإتحاد الديمقراطي. أما الشيوعيون فإنهم حتي زعيمهم فقد رحل عن عمر يفوق السبعين وقد شهد قبل موته وهو في رئاسة الحزب أولي المظاهرات الفاشلة للربيع العربي بالسودان.
[‌أ‌أ]- مأمورية اللواء الهادي بشري إلي أسمرا في ثياب المعارضين تحت (هيئة القيادة الشرعية للقوات المسلحة التابعة للتجمع الوطني الديمقراطي برئاسة السيد «محمد عثمان الميرغني»)، والتي وصفها الإعلام الحكومي وروج لها بأنها إنشقاق لجنرال كبير عن الجيش، ولكنها في الواقع مهمة أمنية بحتة ليس لشق صف المعارضة كما روج أمنيو النظام وصدقهم العوام تبريرا لعودته المستغربة، بل إنما كانت لتوصيل رسالة محددة لذات التجمع الديمقراطي، يعتقد بأنها كانت الضوء الحكومي لتمرير منح الجنوب حق تقرير المصير عبر المعارضة، وقد عاد بعدها الرجل للسودان ملتحقا بعمله وكأن شيئا لم يكن - مترقيا في رتبه العسكرية إلي أن عين واليا بالشمالية والنيل الأزرق مؤخرا. كان أيضاً مديراً لجهاز الأمن عقب سقوط حكومة نميري في 1985م.
[‌ب‌ب]- يتجشم جهاز الأمن الوطني والمخابرات هذه المخاطرة، خاصة في أيام اللواء صلاح قوش، في الوقت الذي تضع فيه الولايات المتحدة السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ 1993م، إضافة للعقوبات الاقتصادية منذ 1997م، وفرض الحظر على مبيعات السلاح منذ 2003م. للمزيد، راجع مقالة الأستاذ حافظ يوسف حمودة - المحامي، بعنوان: (سر العلاقة بين الخرطوم والارهاب الدولي والولايات المتحدة) بتاريح 8 نوفمبر 2013م المنشورة بموقع حريات – الرابط: http://www.hurriyatsudan.com/?p=134486
 
[‌د‌د]- الحكومة مضطرة لتفادي هذا الأمر لحساسيته بالنسبة لها لما يترتب عليه من ردود أفعال وكشف للمستور لعمليات المحسوبية الواسعة وخروج من دائرة السيطرة لمسمي الجلابة المحظور تناوله والمتجنب ذكره حتي في المكاتب وذلك تخوفا حتي لا تتهم بالعنصرية والقبلية والجهوية. وعليه فإن عدم ذكر كلمة جلابة بخير أو شر في الإعلام أو في المناهج التربوية القديمة والحديثة كانت أمرا مقصودا حتي صارت عادة يؤاخذ قائلها بالعنصرية ويرمي بالرجعية!. فمصدر كلمة جلابة الدارجية من الفعل جلب يجلب جلبا وهو جالب وأول من قالها منذ أكثر من مائة عام هم عرب غرب السودان (البقارة) وكانوا يقصدون بها التجار الشماليون الجالبون ببضاعتهم من جهة بحر أبيض-أم درمان وذلك تشبيها لهم بصفة الجلب المتعارفة عندهم وهي التنقل بالبضاعة بغرض السوامة، فيقال للبدوية جالبة إذا أخذت منتجات ألبانها لسوق أبعد بقصد البيع السريع أو الربح، ويقال أيضا ذاك سوق جلاب أي لكثرة وارد المعروضات فيه. ومنذ ذلك الحين صارت كلمة جلابة وجلابي تطلق علي كل من هو من قبائل شريط نهر النيل وصارت اليوم هي الأوسع إنتشارا بحجم إنتشار الجلابة في مرافق الدولة، مراكز المال ومقالد الحكم!. وللمناسبة هنا، فقد قال أحدهم لماذا لم نسمع كلمة جلابة في الراديو أو نجدها في الكتب المدرسية في مقابل كلمة البقارة الشاملة لقبائل المجموعة الجنيدية بالسودان، فقيل له: (الـ ماسك القلم ما بكتب عمره "شقي"!).
[‌ه‌ه]- نحسب أن هذه العقبة هي أيضا من المعوقات الكامنة أمام علانية الماسونية والعلمانية بالبلاد والتي تمرر أجنداتها فقط تحت عباءة النفاق خلافا "لمواءمة الرفاق!". فعند ظهور الرسومات المسيئة لرسول الإسلام خرج كل الشعب السوداني صوفية وأنصار سنة فداءا لنبيهم الكريم محمد (ص).
[‌و‌و]-إقرار د. أمين حسن عمر المنشور بصحيفة آخر لحظة السودانية عددها 1841/28-08-2011م بأنه: (ليست هناك  فرصة لتطبيق المشروع الحضاري!)، والذي أعلن فشله من قبل الإسلامي الجنوبي المعروف عبدالله دينق نيال عبر فضائية الجزيرة القطرية عام 2010م.
[‌ز‌ز]- الإسلاميون بالسودان يؤخذ عليهم تبني طريقة الغاية تبرر الوسيلة للإطاحة بالحكام، ومن أمثلة ذلك قيامهم بتخزين السلع بل حرقها وطرحها بالبحر أحيانا أخري. ففي العام 1983م من عهد الرئيس النميري، ضبطت الأجهزة الأمنية رموزا منهم عبر أحد السماكة الجنوبيين المدعو إيانق دينق، وهم يقومون بشراء كل رغيف الخبز بالعاصمة وتحميله علي شاحنات وتفريغه بالنيل قبل طلوع الفجر ولحوالي الإسبوعين، مما أدي لإقالة محافظ العاصمة المثلثة مهدي مصطفي الهادي وتعيين بدلا عنه اللواء المعروف بـ مصطفي جيش.
[‌ح‌ح]- الرئيس البشير يصف المعارض فاروق أبو عيسي بأنه رجل بلا قبيلة أي ليس له من يسانده في معارضته، وهناك من يقول بأن مستشاره غازي صلاح الدين يقع ضحية الإزاحة من مناصبه بسبب  ضعف وزنه القبلي   http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-109516.htm
[‌ط‌ط]- تفاقم ذلك الخلاف إلي أن حل الرئيس البشير المجلس الوطني البرلمان بقرارات 4 رمضان الشهيرة، والإتيان بمجلس يتفق ورؤي الحكام الفعليين.
[‌ي‌ي]- تكثر الإشارات عديدة في هذا الإتجاه علي المستويين الرسمي والشعبي (الجلابي)، ويعتبر موقف الدكتور حمدي الجرأة المعبرة صراحة عن هذا الإتجاه حينما صرح بأن هذا البلد أي السودان سيضيع، مؤكدا أن هناك حديثا بعد نيفاشا لحل قضية دارفور بنفس نموذج الجنوب.
[‌ك‌ك]- أسس العقل الجمعي في تكوينات المجمتع السوداني، نعتقد علي أنها بنيت علي تلك الإنتمائية السودانية بلمحتها ونبرتها الجاذبة التي تزداد شدة بين السودانيين كلما تغربوا عن وطنهم، وتربط بينهم بأرض الوطن بتلك الوشائج وذلك التقدير المتبادل والعهود المحترمة التي يزينها تمسكهم بدينهم وحبهم جميعا لنبيهم. هذه القيم شكلت أهم مكونات مبادلة الأحاسيس الوطنية بين السودانيين بعضهم البعض، داخل الوطن أو خارجه. وعليه فإن تطور العقل الجمعي تبلور مع دخول الإسلام أرض السودان حتي بلغ شأوه بقيام دولة المهدية التي إلتف حولها كل بني السودان بتجرد ووطنية لم يشهد لها مثيلا حتي الآن. فالدين الإسلامي لمرونته إنجذبت نحوه كل قبائل السودان بعادتها ومعتقداتها التي أخذت تتشذب رويدا حتي تلاشي ما يتعارض منها مع هذا الدين الجديد الذي لم يسجل له فرض تعاليمه كما يزعم بحد السيف أو غيره: TERRAMEDIA: Themes in Afro-Arab Relation/Page 20/p2: Mohamed Omer Beshir/Ithaca Press, 13 Southwark St. London
[‌ل‌ل]- لمسنا هذا الأمر حتي عند ظهور التمرد في دارفور، فإنه وفي العام 2003م قد إتصل بي أفراد من أحد الأحزاب المعارضة، ويبدو أنهم مكلفون بالعمل علي إستقطاب فئات من شباب الإقليم للإنضمام لذلك التمرد، فحينما طرحوا علي الأمر وضرورة تأييده والإلتحاق به، خطر ببالي سؤال واحد بعدما أكدت لهم إيماني بمظلمة الإقليم وإختلافي معهم في آلية التعبير المتمثلة في حمل السلاح –لما لها من عواقب، سألتهم لماذا لم يتم طرح الأمر للقبائل العربية والتنسيق معها لضمان بناء الثقة وتفادي عمليات الشقة المحتملة بسبب هذا التغييب، فردوا علي "أن العرب غير جاهزين لتفهم الأمر وكتمان سره، وأن الخطة ماضية لإفهامهم له لاحقا وليس هذه الأيام".
[‌م‌م]- ذلك التأييد مرتبط بنظرة الدول المغروضة بالسودان بداية ثم سودان الإنقاذ ثانية وشعارها "أمريكا روسيا دنا عذابها، وهويي يا الأمريكان ليكم تدربنا/تسلحنا!" والذي زاد من النظرة سوءا، ثم تأتي طامة إيوائه لزعيم القاعدة وعناصر جهادية وتكفيرية أخري تتميما لسوء النظرة حتي وصم السودان بالإرهاب منذ سنة 1993م وإلي الآن. أفرزت هذه التوجهات التي إستحدثتها ثورة الإنقاذ بالبلاد فكرا شوه صورة البلاد وسماحتها الدينية، إنعكس في تلك الأحداث الإرهابية الدخيلة التي روعت أمن المصلين بالمساجد وحتي أموات المقابر بالسودان. ففي هذا الصدد، فإن محاولة إغتيال الرئيس مبارك ومساندة المخلوع مرسي هي محسوبة علي هذا الفكر المستجد بالسودان والمتنامي بالمنطقة والمشرف عليه من رموز بعينها بالدولة وخارجها معا! (قارن الهامش:3/الصفحة:13).
[‌ن‌ن] -البروفيسور مصطفى حسن بادي (طب جامعة الخرطوم) قدم تشخيصا بل تعريفا دقيقا للتهميش –دون الإشارة للدكتور جون قرنق كأول من نطق به!، إلا أن صياغه جاء في قالب أسلوب سياسة التمويه لمغايرة الواقع بمحاولته تعميم التهميش بنسبه لكل المواطنين وليس للمهمشين تحديدا مع إحتمالية إختارهم له بأنفسهم!  –بقوله: (التهميش كمفهوم سياسي اجتماعي علينا أن نفهمه جيدا ونتعرف على أسبابه وكيفية معالجته حتى نتمكن من دفع التطور الديمقراطي في السودان في الاتجاه الصحيح وحتى لا نعود إلى المربع الأول لممارسات الماضي، إذا لم يستطع المواطنون الاستمتاع بكل العوامل والظروف التي تمكنهم من الإدراك والفهم والمعرفة الواضحة والمشاركة الفعالة والمؤثرة في جميع شئون حياتهم، فهم مهمشون ولا يغير من شانهم إذا كان هذا التهميش باختيارهم أو كان مفروضاً عليهم!) - صحيفة "الرأي العام السودانية" بتاريخ 16/5/2003م.
[‌س‌س]- يتمثل هذا بشكل أوضح في حديث القائد جون قرنق لأسرى الجيش السوداني عام 1997 بمدينة ياي حينما قال : "وناس برضو بيقولوا السودان لازم يكون عربي، ونحن برضو بنقول لا، القوميات العربية جزء لا يتجزأ من قوميات السودان، لكن موش كل الناس عرب، وده برضو واضح. فنحن بنقول يا جماعة كدي الطائفية والانحياز للجنس ده، كدي نسيبو، ونبني دولة بتاعتنا كلنا.. بيقولوا العروبة في خطورة.. الثقافة العربية ثقافة سودانية، جزء من الثقافات بتاعة السودان، ده ما فيه شك، لكنها واحدة من الثقافات.. النوير عندهم ثقافة، والفور عندهم ثقافة، والنوبة عندهم ثقافة، والدناقلة والبجة والدينكا عندهم ثقافاتهم، وكل الثقافات دي هي البتكوّن السودان.. ومافي واحدة من الثقافات دي مهددة، مافي خطورة على أي واحدة منها، سواء كانت ثقافة عربية أو افريقية أو غيرها في السودان.. فالتعدد الثقافي ده حاجة حلوة، حاجة كويسة، ما بطالة. خلينا نبني بيها السودان الجديد النحن بنتكلم عنه ده" -(صحيفة أجراس الحرية - أكتوبر 2008)
 
[‌ف‌ف]- التجمع الديمقراطي، تحالف كاودا، وثيقة الفجر الجديد ثم مؤتمر جنيف يوليو 2013م التي كلها جمعت بين عناصر ذات أهداف ورؤي وتوجهات وأيدلوجيات وإثنيات مختلفة ومتباعدة.
[‌ص‌ص]- بهذا التأييد وكخيار آخر، يمكن أن تفصل الحركة الشعبية الجنوب بالقوة وتعلن دولة وتنال عضوية الـUN  تماما كما فعلت الصهيونية بذات القدر!.
[‌ق‌ق]- وهذا هو تأكيد آخر للمقولة الشائعة علي لسان الحكام الفعليين بأنهم باقون حتي "تسليم الراية للسيد المسيح!" والتي أباح بها اللواء يونس في مقابلة معه بقناة الشروق، آخر يونيو 2013م، حول أحداث منطقة أبي كرشولا.
[‌ر‌ر]- هكذا دعا منفستو الحركة وهكذا كانت مواقف الإخوان المسلمين بالسودان رئاسة د. الحبر يوسف نور الدائم، والتي تلتها مطالب جماعات السائحون الجهادية، ثم مؤخرا جماعة حماة الشريعة –أرض النيلين http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=jxZpk6taRS0
[‌ش‌ش]- قيام السودان الجديد علي ما يبدوا برنامج باهظ التكلفة للحركة الشعبية لتنفيذ تحرير السودان بعد الإنفصال لما يتبع ذلك من تحديات تتمثل في الآتي:
     i.    الإستمرار والإلتزام بكامل منفستو الحركة الشعبية الداعي صراحة لقيام السودان الجديد علي تراب دولة السودان بحدود الإستقلال عام 1956م.
    ii.    الإيفاء بدعم وإيواء الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات التمرد الأخري وإيواء قادتها مع مخالفة ما يستجد من تعهدات تناقض هذا التوجه.
  iii.    دعم تطلعات وطموحات سكان السودان من أصول الممالك والساطنات القديمة الناظرة للسودان الجديد كأمل مرتجي ولجوبا كقبلة حج سياسي.
  iv.    الإلتزام بتمرير مرادات الدول ذات الغرض بالسودان وإملاءاتها القاضية بتفكيك وتدمير دولة السودان عاجلا أم آجلا.
    v.    تبديد سحابة الفشل بتوطيد حكم مهني راشد بدولة جنوب السودان مع مخاطبة التمرد المتزايد والتنافر القبلي المزمن في كافة أصقاعها.
  vi.    مجابهة شبه إستحالة فصل دارفور والشرق إلي جانب معوقات تطبيق نفس بروتوكولات مشاكوس مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال.
فإن هذه التحديات هي في مجملها مهددات أمنية خطيرة تستدعي خضوع برنامج السودان الجديد لشيء من التمحيص، مما سيؤدي لبروز تيارات تكتفي فقط بفصل الجنوب وتحسين العلاقة مع السودان.
[‌ت‌ت] - في أثناء الإنتخابات الرئاسية للعام 2010م، ساد إعتقاد بفوز مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية وهو ما دعي بعض المراقبين للقول بأن المؤتمر الوطني توصل لتسوية ما مع الحركة الشعبية أدت لإنسحاب مرشحها لإفساح المجال للرئيس عمر البشير للفوز بشكل أو بآخر، ولكن ليس من ثمة مؤشر يدل علي ذلك، حتي جاءت تصريحات ياسر عرمان مؤكده لإنسحابه للتزوير المتوقع، وهذا هو ما أشارت إليه جينداي فريزر مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية حينما شككت في قيام هذه الإنتخابات بشكل حر ونزيه وبلا عنف، كأمر زاد من قناعة عرمان بالإنسحاب.
[‌ث‌ث]- يعتقد البرلمانيون وكذا أعضاء المجالس المحلية بالولايات بأنهم منتخبون من قواعدهم، ولكنهم في واقع الأمر ما هم إلا مناديب تمثل الحكام الفعليين بشكل رأسي قاعدي وليس قاعدي رأسي كما يتوهمون وهم بمقاعدهم داخل تلك القباب –المجالس التشريعية بالولايات أومجلس البرلمان بإم درمان.
[‌خ‌خ]- جهود السفير الأمريكي جوزيف دي ستافورد بالسودان، بلقاءاته برجال الدين في مايو ثم نوفمبر 2013م بالخرطوم وفي سابقة غير متوقعة، يرجح أنه قام بها لمخاطبة تنامي هذه الحركات الجهادية بالسودان، كمسعي آخر ظاهره الدبلوماسية وباطنه صفقات الإحتواء!. وبما أن أولوية الإدارة الأمريكية هي مواصلة الجهود مع الحكومة الحالية للتوصل لتسوية ما بشأن منطقة أبيي وعقد إتفاق سلام مرض مع كافة المتمردين، فالإعتقاد الجازم أن هذه اللقاءات كان غرضها أساسا التقرب من الوهابية السودانية لإشتمالها غالب الإخوان المسلمين وكافة السلفيين والتكفيريين كجهة نافذة يمكن عبرها إحتواء هذه الحركات الجهادية ولوعن طريق دعم ثورة - سورية كانت أومصرية النموذج!، في حال عدم التوصل لأي تسوية بشأن أبيي أو إتفاق سلام مع الجبهة الثورية بالسودان.
[‌ذ‌ذ]- (أن العرب دخلوا دارفور وأدوا رسالتهم في نشر الإسلام والثقافة العربية وعليهم أن يعودوا إلي من حيث أتوا) هكذا كان التهامس جاريا بهذه الكلمة، كحل لأزمة التعايش في دارفور إبان الإقتتال الذي طال القبائل العربية والقبائل الغير غربية الأصل في الفترة ما بين 87-1997م، إلي أن تفوه بها صراحة أحد الرموز المحلية بدارفور ضمن نخبة من قبيلة الفور في لقائهم بوفد ألماني زائر في ذات الشأن بمدينة نيالا عام 2000م.

No comments:

Post a Comment